قبل أربع سنوات، كان زياد العليمي يهتف في ميدان التحرير "الشعب يريد إسقاط النظام". أما اليوم، وبعد أربع سنوات على
الثورة، فإنه يتألم عندما يزور قادتها القابعين في السجون، في حين برأ القضاء الرئيس الأسبق حسني
مبارك.
مثل كثير من الشباب، حلم زياد العليمي الذي كان قياديا في ائتلاف لشباب الثورة تشكل داخل ميدان التحرير بعد اندلاع التظاهرات ضد مبارك، بتحقيق أهداف ثورتهم التي طالبت بـ"عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية".
ولكنه اليوم يرى في تبرئة مبارك من تهمة التواطؤ في قتل المتظاهرين أثناء الثورة ومن اتهامات أخرى بالفساد المالي "رسالة موجهة إلينا مفادها أنه مهما ارتكبت السلطة من فساد ومهما قمعت فستفلت من العقاب. وهذا كان مؤلما للغاية".
قبل شهرين، برأت محكمة جنايات في القاهرة مبارك وسبعة من كبار المسؤولين الأمنيين في عهده من اتهامات بالتورط في قتل نحو 800 متظاهر إبان الثورة. وألغت محكمة النقض قبل نحو عشرة أيام حكما آخر بحبسه ثلاث سنوات وحبس نجليه أربع سنوات في قضية استيلاء على أموال عامة وأمرت بإعادة محاكمتهم.
والجمعة، وقبل ثلاثة أيام من ذكرى الثورة الرابعة، اُطلق سراح علاء وجمال نجلي مبارك الذي قال محاميه فريد الديب إنه أصبح حرا طليقا، ولكنه سيبقى في مستشفى عسكري في القاهرة لأنه يعاني بعض المتاعب الصحية.
ويقول العليمي وهو محام أصبح بعد الثورة قياديا في الحزب
المصري الديموقراطي الاجتماعي (يسار وسط): "عندما كنا نجتمع لنخطط لتظاهرات 25 يناير (كانون الثاني) في العام 2011 كنا نتوقع أن نعدم لو فشلت الثورة.. ونحن اليوم ندفع ثمن مواقفنا السياسية"، في إشارة إلى أحكام بالسجن صدرت بحق نشطاء من أبرز قادة ثورة 2011.
زمن بين هؤلاء كان علاء عبد الفتاح الذي صدر بحقه حكم بالسجن 15 عاما طعن به أمام محكمة الاستئناف التي ما زالت تنظر في القضية.
وصدرت أحكام بالسجن ثلاث سنوات على أحمد ماهر ومحمد عادل القياديين في حركة 6 إبريل، أبرز حركة معارضة لمبارك وحظرها القضاء في نيسان/ إبريل الماضي.
وصدرت أحكام بالسجن على عشرات الشباب بتهم التظاهر غير المشروع، تطبيقا لقانون مثير للجدل صدر في نهاية 2013.
ويرى أحمد عبد ربه أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن مصر تشهد "تصفية حسابات سياسية ضد كل من عبر عن ثورة يناير.. ما يحدث يعكس وجهة نظر الدولة في الثورة".
ويعتبر عبد ربه أن الهدف من الملاحقات القضائية لشباب الثورة هو "إخافة كل من يريد أن يقوم بالتغيير في الشارع".
ومن حين لآخر، يزور العليمي رفاق الثورة في سجن طرة جنوب القاهرة، الذي غادره تباعا عدد من رموز حكومة وحزب مبارك مبرئين من تهم الفساد.
ويقول الباحث بمركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكنغز أتش إيه هيللر: "من المثير أن نرى الأمور تدور دورة كاملة" في اشارة إلى ما يعتبره عودة لنظام مبارك.
ويضيف أنه رغم "وجود اختلافات" في تركيبة النظامين وفي طريقة أدائهما إلا أن "العديدين في (مؤسسات) الدولة كانوا يعارضون بقوة الانتفاضة الثورية في 2011"، وبالتالي فمن المتوقع أن "نرى الآن نوعا من الثأر ممن كانوا بارزين فيها".
وبينما يواجه النشطاء محاكمات وأحكاما بالسجن لمجرد التظاهر، برأ القضاء جميع أفراد الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين في 2011.
وقالت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في بيان الجمعة، إن "القضاء المصري أظهر معايير قضائية مزدوجة بتبرئة مسؤولين بالدولة من ارتكاب انتهاكات حقوق إنسان في الوقت الذي أنزل فيه عقوبات قاسية على المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المدافعين عن الديموقراطية".
وجاء قمع الناشطين عقب حملة قمع شنتها السلطات على أنصار الرئيس محمد مرسي الذي انقلب عليه الجيش في تموز/ يوليو 2013 وأسفر ذلك عن مقتل أكثر من 1400 منهم وتوقيف أكثر من 15 ألفا.
ويتهم ناشطون نظام قائد الجيش السابق عبد الفتاح
السيسي بأنه امتداد لنظام مبارك.
لكن السيسي ينفي هذه الاتهامات. وحرص بعد تبرئة مبارك من قبل القضاء على إصدار بيان أكد فيه أن مصر "لا يمكن أن تعود إلى الوراء" وأنها "ماضية في طريقها نحو تأسيس دولة ديموقراطية حديثة قائمة على العدل والحرية والمساواة ومحاربة الفساد".
لكن العليمي الذي انتخب نائبا في أول برلمان بعد إسقاط مبارك، يقول إن "شيئا لم يتغير.. نحن نواجه طريقة إدارة البلاد نفسها من استبداد وفساد وتضييق على الحق في التعبير والتنظيم وتقليص الحريات".
ورغم ذلك، فإن العليمي يقول بتحد واضح إنه "بالقياس إلى قدرتنا على الإنجاز في 2011 فإن هناك دوما أملا".
ميدان التحرير نفسه، أيقونة الثورة، أصبح التظاهر فيه حكرا على أنصار السلطة الحالية، كما أنه توجد بوابة حديدية خضراء كبيرة على أحد مداخله تغلق عند اندلاع تظاهرات مناهضة للسلطة.
عضو الإخوان الشاب عمار مطاوع الذي تم توقيف شقيقته لثلاثة أشهر ووالده لأيام قبل إطلاق سراحهما، يقول بأسى: "بعد أربع سنوات، أصبحنا نخوض معركة أصعب أمام نظام أعنف في ظل رأي عام يتقبل التنكيل بالمعارضة"، مشيرا إلى التأييد الذي يحظى به السيسي في مصر وإلى شعور فئة كبيرة من المصريين بالحنين إلى الاستقرار الأمني والاقتصادي المفقود منذ الإطاحة بـمبارك.
ويقول هيلر: "ليس هناك ناشط ثوري أعرفه يعتقد بأنهم حققوا أيا من أهداف انتفاضة 2011 باستثناء الإطاحة بـمبارك من الحكم". ويتابع: "هذا ليس إنجازا يستهان به لكنه لم يكن هو كل طموحهم".
ويعتقد أحمد عبد ربه من جانبه أن "الثورة لم تنتصر"، لكنه يرى أن إسقاط مبارك ثم مرسي "إنجاز" في ذاته.. يعني أنه "لن يكون بمقدور أحد أن يكون رئيسا فرعونا"، بحسب ما يرى.