كتبت ماري بيث شاريدان في "واشنطن بوست" مقالاً حول التجربة الديمقراطية
التونسية، والدروس التي تعلمها الإسلاميون من خلال صعودهم لسدة الحكم وممارسته، حيث تبدأ مقالها بوصف الاحتفال في مقر حزب
النهضة بعد ظهور نتائج
الانتخابات الأخيرة، بالرغم من أنه لم تعد لهم أغلبية في البرلمان، فهذه الديمقراطية الناشئة حققت أمراً نادراً، وهو انتخابات سلمية ونزيهة.
وتضيف أن الشيخ راشد
الغنوشي زعيم الحزب خطب فيهم قائلاً: "بماذا نحتفل اليوم؟.. نحتفل اليوم بالحرية.. نحتفل بتونس.. نحتفل بالديمقراطية".
وتبين الكاتبة أنه بعد ثلاث سنوات من بداية الربيع العربي، وما صاحبه من آمال كبار كان هناك انقلاب في مصر، وليبيا تزحف نحو حرب أهلية، وسوريا عانت من حمام دم، وبقيت تونس هي البلد الوحيد التي أسقطت ديكتاتوراً وبنت ديمقراطية، ويذهب التونسيون يوم الأحد مرة أخرى للإدلاء بأصواتهم لانتخاب رئيس للبلاد هذه المرة بعد الانتخابات التشريعية الشهر الماضي.
وترى الكاتبة أن خسارة الإسلاميين في الانتخابات التشريعية تعكس عدم رضا عما نتج عن الديمقراطية، حيث كان الغنوشي رمزاً للإسلاميين في المنطقة، ووصل إلى السلطة على أمل أن يغير البلدان التي يحكمها مستبدون علمانيون، ولكن حكومة تونس وجدت صعوبة في ضبط الإرهاب وإحياء الاقتصاد وكسب مجتمع علماني للنخاع.
وتشير شاريدان إلى أنه ليس هناك ضمان لاستقرار تونس السياسي، فالشخص الذي يحظى بالفرصة الأكبر لكسب الانتخابات الرئاسية هو الباجي قايد السبسي، الذي خدم في حكومات استبدادية سابقة، ما يقلق الإسلاميين. ويعبر رضوان مصمودي، وهو ناشط تونسي أميركي ومؤيد للغنوشي، عن خوفه قائلاً: "أخشى أن يكسب السبسي الانتخابات فتكون نهاية اللعبة، حيث سيعني أن النظام السابق عاد ليسيطر على كل شيء".
صعود الإسلاميين للسلطة
تقول الكاتبة إن تونس بلد تقطنه أغلبية ساحقة من المسلمين، ولكن فرضت عليه العلمانية بالقوة خلال خمسة عقود من الحكم الاستبدادي، فكان الأمن يضايق الشباب الذين يرتادون المساجد، وحرمت الطالبات من لبس غطاء الرأس، أو ما كان بورقيبه يسميه "تلك الخرقة البغيضة". وكان بورقيبة قاد البلاد نحو الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، وكان يحلم في إقامة دولة عصرية، فاليوم يسمح في تونس بالإجهاض وعدد الطالبات في الجامعات أكبر من عدد الطلاب، كما أن الشواطئ تكتظ بالتونسيات في ملابس السباحة.
وتوضح الصحيفة أن الإسلاميين يئسوا من الوصول إلى الحكم، ولكن الغنوشي أستاذ الفلسفة الذي درس في باريس وسوريا أسس أول حزب إسلامي في 1981، ولكنه هرب للخارج عام 1989، بعد أن حكم عليه بالإعدام، وسجن الآلاف من أعضاء الحزب.
ويستعيد المصمودي الذاكرة فيذكر ما كان يقوله للغنوشي قبل عشر سنوات: "أؤكد لك أنه لن تقوم ثورة في تونس خلال الخمسين سنة القادمة، إلا إذا رفع سعر البيرة". ولكن الغنوشي لم يفقد الأمل، وعاش على مدى عقدين بهدوء في لندن مع زوجته وأبنائه الستة، وأبقى حزبه حياً، بحسب الصحيفة.
وتتابع الصحيفة: في 2011 سقط بن علي، وعاد الغنوشي إلى تونس، وفي أول انتخابات بعد الثورة كسبت النهضة أكثر من40% من مقاعد البرلمان فشكلت حزب الأكثرية.
انهيار الأسطورة
وتذكر الكاتبة أن الغنوشي في منفاه أصبح أكثر المفكرين الإسلاميين شهرة، وكان يعتقد أن الدين يجب أن يمتزج مع السياسة، وكأي إسلامي كان منتقداً لإسرائيل وللسياسة الأميركية الخارجية، ولكنه آمن بالديمقراطية وحرية الانتخابات وحرية الصحافة وحقوق المرأة، فمن الناحية النظرية فإن "حزب النهضة معتدل إلى أبعد الحدود وفي الوقت نفسه حزب إسلامي"، بحسب شادي حميد الباحث في معهد بروكنغز.
ولكن الحكم أثبت أنه أصعب مما تخيله الغنوشي، حيث قال في مقابلة هذا الشهر "إن الحقيقة أعقد من أي نظرية"، فعندما وصل حزب النهضة للحكم سعى لتهدئة الشكوك حوله، كونه حزباً إسلامياً، وشكل ائتلافا مع حزبين علمانيين صغيرين، ووعد بعدم فرض الحجاب وعدم الحد من حقوق المرأة، وفي أول سنة من حكمه ارتفعت مبيعات البيرة إلى أعلى مستوياتها.
وتجد الصحيفة أنه لم يكن التحدي الأكبر يأتي من العلمانيين، فمع حرية التعبير بدأ المتطرفون الإسلاميون باستخدام المساجد لبث أفكارهم، وهذا ما لم تكن الحكومة مهيأة له.
ويقول الغنوشي، الذي لم يشغل منصباً رسمياً في الحكومة: "كنا نحن ضحايا الاعتقال والسجن، فلم يكن من السهل لنا أن نرسل الآخرين للسجن".
ويفيد التقرير أنه في 14 أيلول/ سبتمبر 2012 هاجم آلاف الإسلاميين السفارة الأميركية في العاصمة تونس، وكسروا نوافذها، وقذفوا بقنابل حارقة تجاهها؛ وذلك بعد نشر فيلم مسيء للرسول على الإنترنت.
وتنقل الصحيفة عن لطفي زيتون، مساعد الشيخ لفترة طويلة، قوله إن الغنوشي كان غاضباً جداً "فلم يستطع أن يستوعب لماذا سمح لهذا بأن يحدث، واتصل بالرئيس ورئيس الوزراء ووزارة الداخلية، بينما كان يتابع الأحداث على التلفاز، وطلب منهم التدخل.. كان يوماً عصيباً بالنسبة لنا".
وقامت الحكومة بإعلان الحركة التي كانت وراء الأحداث – أنصار الشريعة المرتبطة بالقاعدة- حركة خارجة عن القانون، ولكن معظم التونسيين كانوا مستائين من بطء الحكومة في التعامل مع الإرهاب، بحسب الصحيفة.
وتذهب الكاتبة إلى أنه كان المتوقع من الحزب كبيراً، بينما كان لديه القليل من الإداريين ذوي الخبرة. يقول أمين غالي مدير مركز الكواكبي للتحول الديمقراطي إن كثيراً من أنصار النهضة "ظنوا أن الله سيكون مع النهضة في حكم البلاد .. فهذا كان انهيار الأسطورة".
وتعتقد شاريدان أنه كان من الصعب على قيادات الحزب إرضاء المعتدلين، وفي الوقت نفسه إرضاء القواعد التي تتضمن محافظين متشددين، حيث طالب بعضهم بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد طرح الحزب خطاباً مثل النساء مكملات للرجال بدلاً من مساويات، فقلق العلمانيون.
وتبين الصحيفة أنه في تموز/ يوليو 2013 كادت الديمقراطية التونسية أن تنزلق عن مسارها، حيث قام ما يدعى أنهم متطرفون إسلاميون بإطلاق 11 طلقة على محمد براهمي، ليكون ثاني سياسي يساري تتم تصفيته في خمسة أشهر، فخرج المتظاهرون العلمانيون إلى الشوارع، وأعلن اتحاد العمل الكبير إضراباً عاماً.
ويردف التقرير إلى أنه في مصر المجاورة قام الجيش بالإطاحة بالرئيس المنتخب وحكومته، وبدأ المتظاهرون التونسيون بالدعوة لحصول الشيء نفسه في تونس، ولكن تونس كانت لديها مميزات عن مصر، فجيشها أضعف ومؤسساتها المدنية أقوى. وأطلق الاتحاد العام للشغل محادثات وطنية كي تجلس الأحزاب على الطاولة نفسها، وبعد أسابيع من المفاوضات تم التوصل إلى اتفاق، ووافق السياسيون التونسيون على أكثر دساتير العالم العربي حرية، واستقالت الحكومة الإسلامية وسلمت الحكومة لمجموعة من التكنوقراط حتى انتخابات 2014.
يقول الغنوشي إن "كثيراً من أعضاء مجلس قيادة الحزب رفضوا الصفقة في البداية، ولكني أقنعتهم أنه دون الذهاب في هذا الطريق ستفشل التجربة التونسية في التحول".
الأمل في تعاف سياسي
وتوضح "واشنطن بوست" أنه للاحتفال بالانتخابات علقت الحبال التي تحمل أعلاماً صغيرة لتزين شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الرئيسي في العاصمة، وفي المقاهي من السهل أن ترى علامات خيبة الظن في النهضة.
ويورد التقرير مثالاً على ذلك المهندس لبيدي جوهر البالغ من العمر (27 عاماً)، الذي كان جالساً في المقهى يحتسي الإسبرسو ويحادث أصحابه على جهاز آيفون يقول: "انتخبنا النهضة ليحقق لنا العدالة الاجتماعية والمساواة"، وقال زميله حامدي عبدالسلام (24 عاماً) "ولكنهم لم يعالجوا المسائل الاقتصادية، وكان هذا أحد أخطائهم الكبيرة".
وترى الكاتبة أنه مع أن مناقشة دور الإسلام قد ساد الحوارات السياسية، إلا أن الاستطلاعات تشير إلى أن التونسيين مهتمون أكثر بنسبة بطالة وصلت إلى 15% وأكثر من ذلك بين خريجي الجامعات.
وقضى إسلاميو تونس الأسابيع القليلة الماضية في اجتماعات يضمدون جروحهم، ويفكرون في مستقبلهم. وكان حزب النهضة قد قرر منذ أشهر ألا يدخل سباق الانتخابات الرئاسية؛ خوفاً من كسب الانتخابات التشريعية والرئاسية والتسبب في إقلاق المعارضين للحزب، والآن يمكن أن يمنع تماماً من ممارسة الحكم، بحسب الصحيفة.
وتذكر الصحيفة أنه مع هذا، كان عدد المقاعد التي كسبها حزب النهضة 69 مقعداً من 217 مقعداً، مشكلاً أكبر كتلة برلمانية بعد نداء تونس، التي كسبت 85 مقعداً، فحتى الناقدون يقرون بأن الإسلاميين سيكونون قوة سياسية معتبرة.
وتختم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى إقرار الغنوشي بأن الحزب ارتكب أخطاء، ولكن ما دامت الديمقراطية بخير فإن الحزب بإمكانه التعافي "فإذا ما قارنا ما حصل عند جيراننا، فإن وضعنا هو الأفضل في العالم العربي".