عندما سألنا "ح.ر" عن ابنه البكر"ك.ر" صمت قليلا، ومن ثم قال شعراً عن ابن الشمس الذي لم يرحل، عن ذاك الذي مازال حيّاً في قلبه يخاطبه صباحا ومساء ويرى الحياة من عينيه اللتين أغمضتا إلى الأبد، على حد قوله.
يقول "ح.ر" لـ"عربي 21" إنه "في عام 2005 كان همّ كل سكّان الجبال أن يحظوا بحياة كريمة، وهمّ كل والدٍ أن يكون ابنه قادراً على تأسيس بيتٍ لعائلته وألّا يكون ذليل القلب واللسان"، لكن "ح.ر" كان معارضاً سياسياً وله أخ معتقل لحزب العمل الشيوعي المعارض، و"هؤلاء يتعاطى معهم المجتمع كمعارضين، لكن في تلك الآونة كانت تلك الصفة المريبة عند سكّان الجبال قد اختفت تقريباً".
يتابع: "كان المعتقلون السياسيون وذووهم يعيشون حياةً شبه طبيعيّة مع أهلهم وذويهم، وبذلك ذابت معظم الفوارق. وكان من الطبيعي أن يسمح هو لابنه بالتطوع كضابطٍ طيّار. وكان الأمر فالتغيير، كان مأمولاً وكانت المعارضة قد طرحت مفاهيم التغيير السلمي، كما كانت وعود السلطة إيجابيّةً لحد ما آنذاك، حيث أن كان يأمل أن يصبح ابنه ضابطاً في دولةٍ وطنيّة يدافع فيها عن حدودها ويحمي عرضها وكرامتها"، حسب قوله.
مع اشتعال الثورة
السورية، وتسلحها أصبح قلق "ح.ر" جليّاً واضحاً على ابنه البكر، حيث يبين أنه "في إجازة ابنه الأخيرة حذّره مراراً وتكراراً من التورط في قصف المدنيين أو التعرض لمتظاهرين سلميين، موضحا: "كان ابني "ك.ر" شابّاً يتّسم بالشهامة والرجولة، وكانت أفكاري تقيه دوماً من الانجراف في دوّامة الدجل التي كان النظام يفرضها على كلّ مقاتليه، ولم يكن ليفعل ما هو أقل من الوفاء لتاريخ العائلة الوطني والذي حمل همّ الوطن على مدى عقود".
يقول "ح.ر"، "كان ابني "ك.ر" ضابطاً عاملاً في مطار تفتناز العسكري، ولم يهرب عندما تم الهجوم عليه من قبل الفصائل المسلحة على الرغم من أن الفرصة سنحت له للهرب مع ضبّاط آخرين، لكن إخلاصه للمكان الذي قضى فيه سنين خدمته وإخلاصه لجنوده، جعله يبقى معهم يحاول حمايتهم كأي ضابطٍ مسؤول عن جنوده"، كما يقول الأب.
قتل "ك.ر." بعد معارك عنيفة، وانقطعت أخباره عن الأهل، وبدأت مسيرة البحث عنه وعن مصيره والتي امتدت لشهور. كانت اتصالات أهله مع جميع كتائب المعارضة والتي كانت تتعاون معهم لمعرفتهم بتاريخ العائلة المعارض، ليصلوا لقناعةٍ بموته في إحدى المعارك، إلى أن تأكدوا من أحد الفصائل التي اقتحمت المطار والتي أكّدت لأهله مقتله وأسفهم على شباب وطنيين يقضون في الطرف الآخر في آنٍ معاً.
في مجلس العزاء كانت صور "الشهيد" فقط، ولم تكن هناك أيّة صورة لبشّار الأسد أو حتّى لعلم البعث على حد قول أبيه. "كما حضرت العزاءّ شخصيات معارضة، ومعظمهم ممن خرجوا مظاهرات لإسقاط دولة البعث وللتنديد بقتل النظام وإجرامه، لقناعتهم بأنّه ليس إلّا أحد ضحايا النظام كغيره من السوريين، لم يكن مجلس العزاء سوى مكاناً سوريّاً خالصاً لكل السوريين"، وفق تعبير الأب.
في الذكرى السنوية أقام الفنانون القريبون من والأب المنكوب حفلاً تأبينيّاً حضرت فيه كلمات العزاء وأحلام الدولة الوطنية التي تحتضن كل السوريين، وغابت عنها شعارات البعث. أما الأب قكان دائما يردد" إن "ابني شهيد الوطن، وشهيد الكرامة"، وعندما يضيف أحدهم شيئاً عن الرئيس كان يقول: "إنّه والفاسدون من حوله من قتلوه".