نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مقالا، لنائبة رئيس معهد السلام الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منى يعقوبيان، قالت فيه إنّ: "انهيار نظام بشار
الأسد لا يقلب عقودا من حكم عائلة الأسد في
سوريا فحسب، بل إنه يعد بإعادة تنظيم القوة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط".
وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21" فإنّه: "لا يزال الوضع على الأرض غير مؤكد إلى حد كبير، وخاصة فيما يتصل بتساؤلات حول ما إذا كان الثوار قادرين على إحكام سيطرتهم وكيف سيحكمون إذا فعلوا ذلك".
وتابع: "لكن مع ظهور واقع جديد في سوريا، فإن إعادة ترتيب ديناميكيات القوة الإقليمية بدأت بالفعل في التبلور، وهو ما يقلّل بشكل حاد من نفوذ إيران ويضع تركيا في موقف يسمح لها بالاضطلاع بدور حاسم في تشكيل مستقبل سوريا ما بعد الأسد".
وأبرز أنه: "خلال الحرب الأهلية السورية التي دامت قرابة 14 عاما، لم يكن هناك أقل من ستة جيوش أجنبية منخرطة في الصراع، وهو ما يؤكّد على المخاطر الجيوستراتيجية الكبرى التي كانت على المحك".
مردفا: "من بين هذه القوى، تبرز إيران لاستثمارها غير المقيد في دعم الأسد؛ إذ أفادت التقارير أنها أنفقت مليارات الدولارات لدعم النظام وحشدت عشرات الآلاف من مقاتلي الميليشيات بالوكالة".
"بالنسبة لطهران، كانت سوريا هي الطليعة في استراتيجيتها الدفاعية المتقدمة، وحماية مصالحها في المنطقة من خلال إبراز قوتها ونفوذها. ويؤدي سقوط الأسد إلى تقويض هذا النفوذ، ما يحرم طهران من حليف عربي رئيسي ويقطع الجسر البري إلى وكيلها اللبناني، حزب الله" أوضح المقال نفسه الذي ترجمته "عربي21".
وأشار إلى أنه: "من غير المرجح أن تتعافى إيران، التي اقتلعت من موقفها الاستراتيجي الذي دام عقودا من الزمان في سوريا، من هذه النكسة الكبيرة في المستقبل المنظور".
واسترسل: "على النقيض من ذلك، تستعد تركيا لرؤية نفوذها يتوسّع. إن علاقات أنقرة مع هيئة تحرير الشام -الجماعة المصنفة إرهابية- التي قادت الهجوم على النظام معقدة"، مبرزا: "لا تتعاون تركيا علنا مع هيئة تحرير الشام لكنها تحافظ على خطوط اتصال ونفوذ هادئة".
ووفق المقال ذاته، فإنه: "من المرجح أن تصبح البلاد قوة رئيسية لهيئة تحرير الشام. إن خروج الأسد من سوريا قد يكون بمثابة محور وجسر للتواصل مع المجتمع الدولي، نظرا للطبيعة المحظورة للمجموعة، الأمر الذي من شأنه أن يعمق نفوذها في سوريا، حيث تحتفظ بالفعل بمنطقة عازلة بحكم الأمر الواقع عبر جزء كبير من الشمال".
وأكد: "تقريبا إنها ستستخدم هذا الموقف الجديد لإبقاء القوة الكردية في سوريا تحت السيطرة، ومحاولة البدء في تسهيل عودة نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وهو مصدر للتوتر الداخلي المتزايد"، مردفا: "كما ستستفيد ممالك الخليج الغنية. إن سقوط الأسد، الذي ينحدر من الأقلية العلوية، يمثل استعادة القوة السنية في قلب الشرق الأوسط، وقد ينذر بأن تصبح سوريا حليفا خليجيا جديدا".
ومضى المقال بالقول إنّ: "لدى دول الخليج فرصة لاستخدام مواردها الكبيرة لتمويل إعادة إعمار سوريا والمساعدة في تشكيل مسار البلاد مع تعزيز رؤيتها للنمو الإقليمي والتكامل الاقتصادي. وعلى نحو مماثل، قد يفتح خروج الأسد الطريق لمعالجة التهديدات للأمن الإقليمي الناجمة عن التداعيات المزعزعة للاستقرار للصراع المتفاقم في سوريا، مثل الاتجار بالمخدرات والإرهاب وتهريب الأسلحة".
اظهار أخبار متعلقة
"من الممكن أيضا أن تسعى دول الخليج، التي تخشى التطرف الجهادي، لتهدئة العناصر الأكثر تطرفا داخل مجموعة هيئة تحرير الشام" تابع المقال، مضيفا أنه: "بالنسبة لإسرائيل، فإن الواقع الجديد في سوريا يشكل نعمة ونقمة في الوقت نفسه. ذلك أن تحييد التهديد الإيراني وحزب الله في سوريا ومنع قدرة إيران على إعادة تسليح حزب الله بسهولة في المستقبل يشكلان انتصارين مهمين بالنسبة لإسرائيل".
واستطرد: "لكن احتمالات اكتساب فرع سابق لتنظيم القاعدة للسلطة في دمشق مقلقة للغاية، على أقل تقدير، وسوف تسعى إسرائيل لحماية نفسها من امتداد هذه التهديدات إلى سوريا إذا ما خضعت لفترة من الفوضى المتزايدة".
وأبرز: "نظرا لإدراكها لهذه التهديدات المحتملة، فقد بدأت إسرائيل بالفعل في اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز أمنها: فقد نشرت قواتها في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان، وتواصل شن ضربات ضد أهداف استراتيجية في سوريا، بما في ذلك ضد مجمع أمني ومركز أبحاث حكومي في دمشق، يوم الأحد".
أما بخصوص لبنان، أبرز المقال أنه: "سوف يشكل مسار انتقال السلطة بعد الأسد لحظة حاسمة، إما أن يحقق للبنان فوزا يحتاج إليه بشدة أو أن يغرق البلد المضطرب في أزمة أعمق. وإذا سارت عملية الانتقال في سوريا بسلاسة إلى حد ما، فإن التأثير الإيجابي على لبنان قد يكون كبيرا. إن الهدوء النسبي في سوريا من شأنه أن يسمح لأكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون في لبنان بالعودة، مما يوفر للبلاد المساحة التي تشتد الحاجة إليها للتعافي وإعادة البناء في أعقاب صراعها الذي دام عاما مع إسرائيل".
"في نهاية المطاف، مع بدء إعادة الإعمار في سوريا، قد تصبح حتى مصدرا للوظائف وتعزيزا للاقتصاد اللبناني الفاشل. من ناحية أخرى، إذا كانت الجماعات المتمردة غير قادرة على تعزيز السيطرة وانحدارها بدلا من ذلك إلى الاقتتال الداخلي، فقد يشهد لبنان تدفقات جديدة من اللاجئين من شأنها أن تثير أزمة أعمق وحتى اندلاع العنف المدني على نطاق واسع" وفق المقال نفسه.
وتابع: "نظرا للأهمية الاستراتيجية لسوريا، فإن انهيار النظام له آثار على ديناميكيات القوة العالمية. فيما يظل موقف روسيا بعد الأسد في سوريا غير واضح -خاصة ما إذا كانت ستحتفظ بالسيطرة على قواعدها الجوية والبحرية المهمة استراتيجيا- فقد وجه انهيار عميل روسيا السوري ضربة كبيرة للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط".
وأوضح: "ذات يوم وصف الاستراتيجيون الروس سوريا بأنها أول نجاح لروسيا بعد الاتحاد السوفييتي، إلا أن الهزيمة المدوية للأسد سوف تقوض بلا شك هيبة روسيا في الشرق الأوسط وخارجه"، مضيفا أنه: "بالنسبة للولايات المتحدة، فإن سوريا ما بعد الأسد تشكل فرصا وتحديات محتملة".
وأكد: "سقوط دكتاتور كان مناقضا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة وزوال النفوذ الإيراني والروسي يمثل فوزا كبيرا للولايات المتحدة. ولكن مع وجود فرع سابق لتنظيم القاعدة وجماعة مصنفة إرهابية في وضع يجعلها القوة الأساسية، فإن الولايات المتحدة ستواجه تحديات شائكة حول كيفية التعامل وضمان تجنب أسوأ النتائج".
اظهار أخبار متعلقة
وأردف: "سوف يكون ما إذا كانت هيئة تحرير الشام قد خفّفت من عدائها حقا، كما تدعي، أمرا محوريا لتحديد خيارات أمريكا. وفي الوقت نفسه، يلوح في الأفق أيضا عودة محتملة لتنظيم داعش كتهديد كبير للأمن القومي الأمريكي".
وختم المقال بالقول: "مع تراجع النشوة إزاء زوال الأسد أمام الواقع المعقد في سوريا، فإن التحديات المرتبطة بالمتنفذين الجدد في البلاد بدأت للتو في الظهور. وقد تؤدي الفراغات في السلطة والاقتتال الداخلي والتهديدات التي تتعرض لها العديد من الأقليات في سوريا إلى إثارة الفوضى والعنف المتجددين. ولكن سوريا قد تحوّل كابوسها إلى دولة ناشئة شاملة تعكس تنوع فسيفسائها من الطوائف الدينية والجماعات العرقية".
واستطرد: "في كلتا الحالتين، فإن سقوط الأسد وظهور
سوريا الجديدة من شأنه أن يطلق العنان لديناميكيات القوة الجديدة في مختلف أنحاء المنطقة، ما يخلق رابحين وخاسرين سيحددون معالم النظام الناشئ في الشرق الأوسط".