أثارت خروقات
الاحتلال لوقف إطلاق النار في الجنوب
اللبناني خلال اليومين الأولين منه، تساؤلات عن مدى صلابة هذا الاتفاق وإمكانية صموده، خاصة بعد تهديد رئيس وزراء الاحتلال بمعاودة القتال في الشمال بقوة أكبر.
وكانت الأراضي اللبنانية وتحديدا الجنوب، قد شهدت عدة خروقات إسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ فجر الأربعاء؛ فقد قصف الاحتلال الخميس، منزلا قال؛ إنه منشأة لتخزين الصواريخ، كما حلق طيرانه في الأجواء اللبنانية وقصف في أكثر من منطقة.
ووفقا لإحصاء قامت به الأناضول، استنادا إلى بيانات الجيش اللبنانية، فقد اخترق الاحتلال وقف إطلاق النار 18 مرة حتى الساعة الثامنة من مساء الخميس بالتوقيت المحلي.
بدوره، نشر الجيش اللبناني بيانا على صفحته في موقع إكس قال فيه: "بتاريخَي 27-28 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، أقدم العدو الإسرائيلي على خرق الاتفاق عدة مرات، من خلال الخروقات الجوية، واستهداف الأراضي اللبنانية بأسلحة مختلفة".
وأكد البيان أن قيادة الجيش تتابع هذه الخروقات بالتنسيق مع المراجع المختصة.
اتفاق لصالح الاحتلال
ووفقا للاتفاق، ستمنع الحكومة اللبنانية "
حزب الله" ومنظمات مسلّحة أخرى على الأراضي اللبنانية من ارتكاب أي أعمال ضدّ إسرائيل.
في المقابل، لن يُنفذ الاحتلال أي أعمال عسكرية ضد أهداف لبنانية، بما في ذلك مدنيون أو أهداف حكومية على أرض وبحر وجو لبنان، كما سينسحب تدريجيا من جنوب "الخط الأزرق" (الفاصل بين حدود الجانبين) خلال 60 يوما.
ولكن في ظل الخروقات الإسرائيلية هل يصمد الاتفاق؟
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني قاسم قصير، قال؛ إن "الاتفاق مبدئيا مستمر بانتظار بدء اللجنة الدولية عملها لمتابعة الخروقات، وينبغي أن تُقدم الحكومة اللبنانية شكوى للجنة الدولية لمتابعة الخروقات".
وحول رد فعل حزب الله على هذه الخروقات، قال قصير لـ"عربي21"؛ إن "الحزب على لسان السيد حسن فضل الله، أكد -أن المقاومة لن تبقى ساكتة، لكن الجيش اللبناني مسؤول-. بشكل عام علينا انتظار بعض الوقت، وأظن أن الحزب يُفضل ترك الأمر حاليّا للحكومة والجيش اللبناني واللجنة الدولية".
خروقات متوقعة
اللواء الركن محمد الصمادي، قال: "بالنسبة لإسرائيل هذا شيء متوقع، فدائما الدولة العبرية لا تفي بالتزاماتها، وهي تختلق الذرائع لإثبات تربيتها، ولكن علينا أن نعي تماما بأن الـ 13 بندا التي وُضعت في الاتفاقية، معظمها لصالح الجانب الصهيوني، وهنا تتكلم لغة القوة الجبروت الصهيوني، كما أن لبنان تُرك وحيدا أمام هذا المد الصهيوني".
وتابع الصمادي في حديث خاص لـ"عربي21": "باعتقادي اعتماد حزب الله على الحل المدروس المحسوب، كان نقطة ضعف حقيقي، ولا أعتقد أنه يمتلك حرية القرار، وإنما العديد من الأمور بما يتعلق بحزب الله لا بد أن يكون القرار من طهران".
إظهار أخبار متعلقة
ويعتقد أن "هذه الاتفاقية التي حصلت قد يوجد فيها بعض من الشروط والتفاهمات الأمريكية الإيرانية بخصوصها، التي ساهمت في الوصول إلى اتفاق تستفيد منه إسرائيل وأمريكا بمصالحها الموجودة في المنطقة، وكذلك إيران".
وأضاف الخبير العسكري: "لكن بما يتعلق بالخروقات التي يقوم بها العدو الصهيوني، هذا شيء واضح، وعندما نقرأ بعمق ما هي بنود الاتفاقية، سنرى أنها مجحفة وقاسية، والآن تُرك لبنان وحيدا، والخيارات بيد الساسة في لبنان قليلة جدّا، كذلك هناك انقسامات كبيرة جدّا".
ويكمل الصمادي: "لكن هل ستستمر الهدنة؟ باعتقادي في الفترة الحالية نعم ستستمر، وسيتحمل حزب الله والحكومة اللبنانية الأذى من الجانب الإسرائيلي في سبيل عدم استئناف إطلاق النار؛ لأنه حتى الحكومة اللبنانية تعدّ الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار نصرا لها، أيضا لبنان يريد التخلص من وجود حزب الله في الجنوب، ويريد إعادة نشر قوات الجيش اللبناني في المناطق الجنوبية".
ويتوقع أنه "في حال بلغت عمليات الاستفزاز الإسرائيلية لمستوى عال، قد تعود المناوشات مرة أخرى، ولكن لن تكون في صالح لبنان ولا حزب الله؛ لأن الموقف الدولي والإقليمي الآن لصالح إسرائيل، وتسلم ترامب الحكم بعد 20 كانون الثاني/ يناير أيضا سيكون أمرا حاسما، حيث سيكون هناك دعم مطلق من الجمهوريين وترامب، ولذلك إسرائيل ستعربد بشكل أكبر مما كانت عليه".
وأكد: "أيضا الموقف العربي ضعيف جدّا ووصل إلى درجة الوهن، ولا يُرجى من العرب أي فائدة أو مساندة للبنان في الموقف القادم، لا بل قد يكون الموقف العربي يقبل أن يكون هناك تحجيم لأذرع إيران في المنطقة".
وأضاف: "أيضا القناة 12 الإسرائيلية تحدثت عن وجود بنود سرية في الوثيقة الأمريكية، التي كانت عاملا رئيسيّا في تمهيد الطريق للاتفاق، كذلك أفادت بأن هناك وثيقة أخرى تتعلق بمسؤولية الولايات المتحدة أن تعمل كرئيسة آلية رقابة في لبنان، حيث ستعمل واشنطن على توجيه القوات المسلحة اللبنانية، لمنع أي انتهاكات وتقديم ردود فعالة عليها في إطار تنفيذ الاتفاق، لذلك أعتقد أن لبنان الآن أصبح تحت الوصاية الأمريكية، وأي رد فعل منه سيكون مرهونا بموافقة واشنطن".
وختم حديثه بالقول: "بالإضافة إلى أن هناك معلومات بأن هذه الاتفاقية تركت حرية العمل في الجو لإسرائيل، لذلك ستبقى تُنفذ العديد من هذه الأعمال والقصف في العديد من المواقع، كلما اعتقدت أنه يوجد تهديد من قوات حزب الله".
اتفاق هش
وهدد نتنياهو الخميس، بالعودة لحرب شرسة في الجنوب اللبناني، وقال للقناة الـ14 الإسرائيلية؛ إن الاتفاق ليس إنهاء للحرب، بل هو وقف لإطلاق النار، وقد يكون قصيرا في حال حدوث خرق.
وأوضح أنه أمر الجيش بالاستعداد لقتال ضار مجددا في لبنان في حال انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، مبينا أنه تم إزالة خطر تسلل حزب الله بريّا لشمال إسرائيل؛ لأن الجيش هدم البنية العسكرية فوق الأرض وتحتها، على حدّ قوله.
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبد الله الأسمر، قال؛ إن "الخروقات كانت مُتوقعة، خاصة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ستبقى موجودة في لبنان مدة 60 يوما، وعليه، من المتوقع أن تحدث بعض الخروقات هنا أو هناك".
وتابع الأسمر في حديث خاص لـ"عربي21": "الحقيقة الأخرى باعتقادي هي أن الاتفاق بالعموم هشّ؛ لأن حالة التصعيد التي جرت من أجلها الحرب في الشمال، هي الحرب في قطاع غزة التي لم تتوقف، وهناك حالة تصعيد يريدها نتنياهو ويصر عليها، وهذا ما يجعل الاتفاق هشّا".
ويكمل: "بالإضافة لوجود هذه القوات على الأرض، أيضا عدم مقدرة كل الآليات التي وضعها الاتفاق سواء الجيش اللبناني أو اليونيفيل أو آلية المراقبة على العمل مباشرة منذ اليوم للاتفاق، وعودة الناس بطريقة تلقائية إلى قراهم ومنازلهم، هذا بلا شك يؤمن بيئة لمجموعة من الخروقات".
إظهار أخبار متعلقة
وحول طريقة تعامل طرفي الحرب مع الاتفاق، قال الأسمر: "من الواضح أن هذا جزء من الواقع الذي سيتعامل معه الطرفان، إذا كان الاحتلال معني بفرض حقائق جديدة في الجنوب خلال الـ 60 يوما وما بعدها أيضا، وأنه سيُثبت فكرة أنه سيتعامل مع ما يسميها بخروقات حزب الله".
ويرى أنه "من المتوقع أن يتصرف الاحتلال كما تصرف الخميس، عندما قصف منزلا شمال نهر الليطاني في مدينة صور، على أساس أن هذا المنزل كان يُستخدم لتخزين صواريخ قصيرة المدى، وسيكون تبرير قوات الاحتلال لهذا القصف بأنه في شمال نهر الليطاني؛ أي ربما خارج بنود اتفاق وقف إطلاق النار، ورسالته كانت أنه سيتعامل بطريقة مختلفة عما تعامل بها عام 2006، فيما يخص، بين قوسين، الخروقات التي يمكن أن تنفذها المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان".
وأضاف: "الآن سننتظر لنرى كيف سيكون رد حزب الله على هذه الاعتداءات والردود الإسرائيلية على الخروقات المُفترضة، إذا ما واصل حزب الله تجاهلها، فنحن ربما أمام واقع جديد في الجنوب اللبناني، وأما إذا ما تعامل معها مباشرة، فهذا سيعيدنا إلى ما ذكرته في البداية، وهو أن الاتفاق هشّ ما دام كلا الطرفين مصر على الرد على الخروقات والخروقات المقابلة، وهذا سيؤدي تدريجيّا إلى إنهاء هذا الاتفاق".
الوضع الداخلي اللبناني
لكن، هل ستؤثر الحسابات السياسية اللبنانية الداخلية في قرار حزب الله في حال استأنف القتال مرة أخرى، خاصة مع وجود معارضين لسلاح حزب الله على الساحة اللبنانية؟
وكثيرا ما يتهم خصوم حزب الله في لبنان، الحزب بأنه "يحتل" الدولة اللبنانية، ويطالبون بنزع سلاحه وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني فقط، ومنع أي جماعة أخرى من حمل السلاح.
وخلال الحرب، قال زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وهو أحد أهم خصوم الحزب؛ "إن على حزب الله التخلي عن سلاحه لإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان".
وقال أيضا قبل توقيع الاتفاق بيومين: "لن نقبل بأي تسوية أو مساومة مع السلاح غير الشرعي".
وتثير هذه الخلافات تساؤلات عن شكل رد حزب الله في حال استمر اختراق الاحتلال لوقف إطلاق النار، وهل سيراعي أزمات لبنان الداخلية أم لا؟
المحلل السياسي عبد الله الأسمر، يعتقد "أن الحزب جاد في وصوله لاتفاق وقف إطلاق النار، وحتى الاحتلال وصل للاتفاق لأنه يحتاجه ومدفوع إليه، وكلا الطرفين لا يريد الحرب، وخاصة الاحتلال الذي أراد فقط تنفيذ عملية اغتيال شاملة وكاملة للحزب، وإفقاده القدرة على خوض المعركة وليس دفعه نحو المعركة، لذلك؛ الاحتلال يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن فكرة الحرب".
وتابع: "حزب الله في الوقت نفسه تعرض لضربات على المستويات العسكرية والقيادية والأمنية، وهو بحاجة إلى أن يرمم العديد من الطبقات القيادية والتقنية وأدوات الاتصال وما شابه ذلك، لذلك؛ قد نشهد نوعا من ضبط النفس لدى حزب الله؛ لأنه بحاجة إلى مزيد من وقت للهدوء، يرمم فيه الكثير من الخسائر التي تعرض لها في أثناء هذه المعركة".
إظهار أخبار متعلقة
وأوضح الأسمر، أنه "لا يمكن عزل الوضع اللبناني الداخلي عن أي مجريات متعلقة في هذه المعركة، في نهاية المطاف حزب الله يقود المعركة على الأرض اللبنانية، ولبنان الجغرافيا والديموغرافيا هو عمق لكل من سيقاتل على أرضه".
وأكد أن "التباين التاريخي والسياسي الموجود في لبنان سيؤثر على حسابات حزب الله، خاصة أن هناك نوعا من الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ سنوات، والنظام السياسي تقريبا مُعطل، وهناك حالة من الهشاشة بين الطوائف والفرقاء".
وخلص بالقول: "بالرغم أننا خلال هذه المعركة شهدنا حالة من الانضباط الداخلي في لبنان، ولكن ربما يكون حزب الله قد خشي من أن تتطور الأمور لدى الفرقاء اللبنانيين المختلفين معه في السياسة، وأنهم بدؤوا يضيقون ذرعا من تداعيات هذه المعركة، فذهب إلى تخفيف الضغط السياسي عنه، وعن حاضنته الشعبية، وعن المجتمع بشكل عام بهذا الاتفاق".