شددت باحثة في مقال نشرته مجلة "
فورين أفيرز" على أن دولة
الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله يتجهان نحو الكارثة من خلال تصعيد المواجهات المتبادلة بينهما جنوب
لبنان، مشيرة إلى أن المخرج من دوامة التصعيد بين الجانبين هو العمل مع الولايات المتحدة على خفض التوتر عبر القنوات الدبلوماسية.
وبدأت دانا سترول، وهي زميلة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ومساعدة وزير الدفاع سابقا لشؤون الشرق الأوسط (2020- 2024)، مقالها الذي ترجمته "عربي21"، بالنظر إلى اختيار زعيم
حزب الله، حسن نصر الله دعم
حماس التي واجهت حربا إسرائيلية على قطاع غزة، من خلال التصعيد المتدرج والحذر.
وكان رد "إسرائيل"، حسب المقال، على هجمات حزب الله التي تجنب فيها الأهداف المدنية هو الرد وقتل وتدمير أرصدة للحزب في جنوب لبنان. ورغم ما حمله تبادل إطلاق النار من مخاطر من سوء تقدير إلا أن الطرفين التزما بإبقاء الحرب تحت عتبة التصعيد الشامل.
اظهار أخبار متعلقة
وبدأت هذه الاستراتيجية بالتغير نوعا ما عندما سقط صاروخ على الجولان في تموز/يوليو الماضي، وقتل 12 شابا درزيا كانوا يلعبون بملعب في بلدة مجدل شمس، حيث ردت "إسرائيل" بعملية قتل مستهدف بالضاحية الجنوبية في بيروت، واغتالت القيادي العسكري للحزب، فؤاد شكر.
إلا أن الدينامية لم تتغير كثيرا، حيث أظهر نصر الله استعدادا محدودا للتصعيد، وعبر عن رغبة بالعودة إلى التدرج والحفاظ على الوضع الراهن، حسب المقال.
وأشارت الباحثة، إلى أنه في الأسابيع الأخيرة، كانت الضربات التي يشنها الجيش الإسرائيلي والاغتيالات المستهدفة تحدث بوتيرة وعلى نطاق يشير إلى قدر أكبر للمخاطرة والاستعداد للدخول في مرحلة جديدة من الصراع مع حزب الله.
وبحلول 17 و18 أيلول/سبتمبر، أصبحت الهجمات الإسرائيلية متكررة، وبخاصة بعد ضرب أجهزة "بيجر" و"توكي ووكي"، التي قالت إسرائيل إنها استهدفت فيها مقاتلي حماس إلا أن حقيقة اندماج الحزب في النسيج الاجتماعي اللبناني عنى أن كل التفجيرات حدثت بمناطق مدنية، حسب المقال.
ولفتت الباحثة، إلى أنه بعد ذلك وقعت عملية الضاحية الجنوبية التي قتلت فيها "إسرائيل" القيادي إبراهيم عقيل، إلى جانب العشرات من المدنيين. وعليه، دخل الجانبان، على ما يبدو، دوامة عسكرية تصاعدية، سيخسر كلاهما أكثر مما قد يكسب من حرب شاملة في الوقت الحالي.
وأضافت سترول، أن تجربة حرب 2006 وواقع أن الحرب اليوم ستكون أكثر تدميرا، من حيث الخسائر في الأرواح والأضرار الجانبية وخطر التوسع الإقليمي ــ تقدم أسبابا إضافية لكلا الجانبين للتراجع.
وهذا هو السبب أيضا، حسب الباحثة، وراء استقبال المفاوضين الأمريكيين، بمن فيهم مبعوث البيت الأبيض عاموس هوكشتاين، على مستوى عال في كل من "إسرائيل" ولبنان وهم يحاولون منع توسع الأعمال العدائية.
اظهار أخبار متعلقة
وقالت سترول، إن "المشكلة هي ربط نصر الله المواجهات مع وقف إطلاق النار في غزة. إلا أن حزب الله سيخسر أكثر مما يربح من حرب شاملة مع إسرائيل، فبعد حرب الـ34 يوما عام 2006 قيل إن نصر الله عبر عن ندم لاستفزاز الحرب هذه من خلال اختطاف جنديين إسرائيليين والرد الإسرائيلي الذي قتل أكثر من 1,000 لبناني".
وأضافت أن نصر الله "يدرك أن أي حملة جوية أو توغل بري إسرائيلي في عام 2024 سيكون أكثر تدميرا للبنان، مما يؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين وأضرار جانبية، ويعرض الدعم الضعيف بالفعل لحزب الله في المجتمع اللبناني للخطر".
والأمر يصدق على "إسرائيل"، حسب الكاتبة، فرغم ما تتمتع به من قوة جوية إلا أن الحوافز المتوفرة لديها تدعو لعدم الدخول في حرب واسعة ضد حزب الله.
فبعد قرابة عام من القتال في غزة، أصبح جيش الاحتلال الإسرائيلي متعبا واستنزف مخزون الذخائر ويواجه قادة "إسرائيل" ضعفا في الدعم الشعبي فيما تضرر اقتصاد "إسرائيل" وتآكلت مكانتها الدولية والإقليمية بشكل كبير.
ويدرك المخططون العسكريون في دولة الاحتلال، وفقا للكتابة، أن القدرات القتالية الأكثر تقدما التي يمتلكها حزب الله وترسانة الأسلحة المتطورة التي لديه من شأنها أن تجعل الحملة على غزة تبدو وكأنها لعبة أطفال.
فترسانة حزب الله من الصواريخ والمسيرات ستجهد قدرات "إسرائيل"، وبخاصة عندما يتحول الاستهداف من المناطق العسكرية إلى المناطق المدنية. وفي لعبة حربية أجرتها جامعة رايخمان قبل وقت قصير من هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر تكهنت بأن حزب الله قادر على إطلاق 2,500 إلى 3,000 هجوم صاروخي ومقذوفات صاروخية على إسرائيل يوميا وعلى مدى أسبوع.
وتشير بعض التقديرات إلى أن ترسانة حزب الله من الصواريخ والقذائف والمسيرات تبلغ 150,000 على الأقل، أي عشرة أضعاف الذخائر التي كانت بحوزته خلال حرب عام 2006، وتشمل الآن ذخائر موجهة بدقة يمكن أن تهدد المواقع الاستراتيجية داخل إسرائيل.
كل هذا في وقت نفد فيه مخزون "إسرائيل" من الصواريخ المعترضة للقبة الحديدية ومقلاع داوود. وتوقعت لعبة الحرب في جامعة رايخمان إطلاق وابل من الصواريخ الموجهة والمتسكعة والتي تطال البنى التحتية والمراكز المدنية. ويفترض أن المساعدات العسكرية الأمريكية لن تكون كافية أو قد تصل في الوقت المناسب لدعم الدفاعات الجوية الإسرائيلية المتوترة، مما سيجبر الجيش الإسرائيلي على الدفاع عن المناطق ذات الأولوية فقط.
ونظرا للضغوط المتوقعة على الدفاعات الجوية الإسرائيلية، فقد قدر المخططون العسكريون الإسرائيليون ومنذ فترة طويلة أن العمليات الهجومية والاستباقية واسعة النطاق ستكون ضرورية ضد حزب الله. ومن الممكن أن تؤدي حملة جوية ضخمة إلى تدمير منصات الصواريخ والذخائر الموجهة بدقة، ولكن حتى هذا الجهد سيتعقد بسبب شبكة حزب الله من الأنفاق تحت الأرض، والتي وفقا لتقرير صادر عن مركز ألما للأبحاث، هي أكثر تطورا من شبكة أنفاق حماس في غزة.
وفي هذه الحالة، قد تضطر "إسرائيل" لاستخدام ذخيرة ثقيلة، بشكل يزيد من حجم الخسائر في كل أنحاء لبنان، وفي نهاية المطاف، ستضطر "إسرائيل" لشن حملة برية لملاحقة كل من المقاتلين ومخابئ الأسلحة ومواقع الإطلاق قرية بعد قرية ونفقا بعد نفق، وهو ما يشكل تحولا عن النهج الأخير المتمثل في استخدام القوة الجوية والمدفعية فقط، حسب المقال.
وترى سترول، أن الطرفين عالقان في دوامة تصعيد، فمن جهة تعاني "إسرائيل" من قلة في الدبابات التي دمر عدد كبير منها في غزة وكذا نقص في الذخيرة والجنود، وهناك تقارير عن نقص في قطع الغيار والتي لن تعوض بشكل سريع مع توسع الحرب إلى لبنان.
وأشارت الكاتبة، إلى أن هذه الحرب لن تكون محدودة بنطاق أو وقت أو جغرافيا، ولا جيش يعاني من هذه المشاكل يريد فتح جبهة جديدة. ويجب على الجيش الإسرائيلي القلق من نقص الجنود، فقد ذكرت منظمة توفر الدعم لجنود الاحتياط أن 10,000 جندي بحاجة لعلاج نفسي، وتم طرد الآلاف من وظائفهم المدنية وأغلقت 1,000 مؤسسة تجارية يديرها جنود الاحتياط أبوابها. وهناك عدد كبير منهم لم يستجيبوا لدعوات الجيش للعودة إلى الجبهة.
اظهار أخبار متعلقة
وفي تموز/يوليو، التقى قادة الجيش مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو وحذروه من وضع قواتهم، فانخفاض الروح المعنوية والإرهاق المتزايد في صفوف القوة المقاتلة من شأنه أن يدفع صناع القرار في إسرائيل إلى التفكير مليا وهم يخططون لتوسيع الحرب إلى الشمال.
كما تكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر كبيرة، ومن الممكن أن تتفاقم هذه الخسائر إذا تورطت إسرائيل بحرب جديدة في لبنان. ورغم المحفزات للطرفين من أجل خفض التوتر إلا أن كليهما عالق في دوامة من التصعيد المستمر. وقد أظهر الطرفان استعدادا لتوسيع الأهداف والتي قد تخلف خسائر جانبية.
وفي النهاية ترى سترول، أن "المخرج من التصعيد هو خفض التوتر، وهنا يأتي دور الولايات المتحدة من خلال التفاوض على إطار دبلوماسي تنسحب منه قوات حزب الله مسافة أربعة أميال عن الحدود الإسرائيلية".
وتقول الكاتبة، إن "هناك حاجة لممارسة الضغط على حزب الله من أطراف إقليمية. وفي الوقت الذي تركز فيه واشنطن على خفض التوتر عليها التأكيد على التزامها بالدفاع عن إسرائيل وأن حزب الله لن يكون قادرا على دق إسفين بين أمريكا وإسرائيل"، حسب تعبيرها.