قضى في سجون وأقبية التحقيق الإسرائيلية 32 عاما، منها 29 متصلة. واستثني من صفقة "وفاء الأحرار/ شاليط"، ويلقب بـ "الأسير الذي حاصر السجن ولم يحاصره السجن".
أعادت الحرب على غزة إلى الواجهة العديد من الشخصيات
الفلسطينية التي يرفض
الاحتلال الإسرائيلي الإفراج عنها بسبب التهم المنسوبة إليها والأحكام العالية بالسجن، وكان اسمه من بين الأسماء البارزة طيلة الحديث عن صفقة تبادل محتملة.
ولد
عبد الناصر عيسى عام 1968 في مدينة نابلس، لعائلة لاجئة من طيرة دندن شمال شرقي مدينة اللد المحتلة.
اعتقل والده وحكم عليه بالسجن 7 سنوات، وهدم الاحتلال منزل عائلته التي هجرت إلى مخيم بلاطة..
بدأ عبد الناصر نضاله ضد المحتل بوقت مبكر من حياته، وشارك في الاحتجاجات والمظاهرات، وأصيب برصاصة من قوات الاحتلال الإسرائيلية عام 1982، أثناء مشاركته في احتجاجات على مجزرتي صبرا وشاتيلا جنوب لبنان، ما جعل مطاردته من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية متوقعا.
التحق في عام 1983 بجماعة الإخوان المسلمين في مساجد مخيم بلاطة، واعتقل للمرة الأولى عام 1985، والثانية عام 1986، وفي تلك الفترة، التقى بالمفكر جمال منصور واستفاد منه كثيرا.
أصيب برصاصة عام 1988 واعتقل على أثرها للمرة الثالثة بتهمة إعداد عبوة ناسفة، وصناعة قنابل "المولوتوف" ورميها على دوريات جنود الاحتلال، وقضى سنوات بالسجن عذب فيها، وهدم بيت أسرته، ثم توالت عليه الاعتقالات.
اظهار أخبار متعلقة
كان "أميرا" لأسرى الحركة الإسلامية التي ضمت عناصر حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي في سجن نابلس المركزي، ما بين عامي 1990 و1991.
وعام 1994 وبعد الإفراج عنه، سارع إلى الانضمام إلى كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وتواصل مع قائد أركانها محمد الضيف لإعادة تفعيل خلايا القسام في الضفة الغربية.
كما أنه لازم الشهيد المهندس يحيى عياش وتعلم من خبراته، ما أعاد اسمه ليكون على رأس سجلات المطاردة الإسرائيلية، وليكون المطلوب الثاني بعد عياش.
اعتبرته سلطات الاحتلال "مطلوبا بالغ الخطورة" لدوره في تدريب وقيادة عدد من الخلايا العسكرية التي نفذت عمليات استشهادية داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
وفي عام 1995، اعتقل مجددا بتهمة تنفيذ عمليتي "رمات غان" و"رمات أشكول" اللتين قتل إثرهما 12 إسرائيليا وأصيب العشرات.
وكان عيسى قد تمكن من إيصال حقيبة من المواد المتفجرة للشهيد محيي الدين الشريف الذي كان يتحضر لتنفيذ عملية في مدينة القدس، وعاد أدراجه إلى مدينة نابلس، وما إن وصل إلى أحد شوارعها وهم بإجراء مكالمة هاتفية مع الشهيد عياش، حتى تفاجأ بالعشرات من جنود الاحتلال يحيطون به، لتكون تلك المحطة الأخيرة في عمل عيسى المقاوم خارج السجن.
وحكم على عبد الناصر بمؤبدين، بالإضافة إلى 7 سنوات، وأمعنت محكمة الاحتلال في إجراءاتها القاسية بحقه، فعزلته في سجن عسقلان أكثر من عامين، ومنعت عنه زيارة الأهل والأقارب، ويمضي فترة الأسر الآن في سجن رامون الإسرائيلي.
ولم يتمكن من وداع والديه، إذ توفي والده عام 2006، وكان قد منع من زيارته قبل وفاته، وتوفيت والدته عام 2012 دون أن يسمح له بوداعها.
كانت فترة سجنه كلها تحد وإصرار لا يلين لكسر الحاجز النفسي للسجن، فقد حصل على درجة البكالوريوس من الجامعة العبرية في تخصص العلوم السياسية عام 2007، واحتاج إلى سبع سنوات لإنهاء دراسته الجامعية بسبب عقوبات في السجن، وعرقلة دراسته ومنعه من إكمالها.
ثم باشر دراسته لنيل درجة الماجستير في دراسات الديمقراطية عام 2009، لكن بعد أشهر ألغت مصلحة
السجون الإسرائيلية تسجيله للدراسة من جديد لـ"أسباب أمنية" بحسب الاحتلال الذي أصر على استثناء عبد الناصر من صفقة "وفاء الأحرار" لتبادل الأسرى مقابل الجندي شاليط عام 2011.
وفي 2014 استطاع أن يكمل مشواره وينال شهادة الماجستير في "الدراسات الإسرائيلية" من جامعة القدس في أبو ديس.
اظهار أخبار متعلقة
ولم يتوقف عن نشاطه السياسي حتى وهو في السجن فقد أدى دورا رئيسيا في تشكيل أول هيئة قيادية عليا لحركة حماس في السجون، وانتخب لرئاستها، إلى جانب يحيى السنوار وروحي مشتهى وصالح العاروري وعبد الخالق النتشة وغيرهم.
وفي عام 2015 انتخب منسقا عاما للهيئة العليا لحركة حماس في السجون ونائبا للرئيس، وعمل مسؤولا للجنة السياسية ما بين عامي 2019 و2021، وتسلم مسؤولية ملف التعليم الأكاديمي في السجون.
واصل نشاطه الثقافي والفكري بإنشاء مركز للدراسات يتابع حراكا فكريا وعلميا ويساهم بشكل فاعل في ترسيخ الفكر المقاوم لسياسات الاحتلال. كما أنه ترأس تحرير مجلة "حريتنا" التي تعبر عن روح الحركة الأسيرة وغاياتها، وكان له دور بارز في تأسيس العمل التنظيمي بالسجون وتفعيل خطوط الإنتاج.
وكان عبد الناصر عيسى المشرف على البرنامج الثقافي العام بالسجن، إضافة إلى كونه باحثا وكاتبا.
وكتب مع الأسير القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي وعاهد غلمة قائد الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كتاب "مقاومة الاعتقال" وأغنى المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي بثلاثة مجلدات بدأ بنشرها عام 2018.
وفي عام 2022، نشر كتابه "وفق المصادر" الذي يعد المؤلف الخامس بعد أن صدرت له "مقالات حرة" و"دراسات حرة" علاوة على عدد من الأبحاث المحكمة.
وهو إلى جانب كل ذلك قارئ من طراز فريد، فهو يقضي أكثر من 18 ساعة في اليوم بين القراءة والكتابة، حتى إن نصف مخصصاته المالية التي تدخل على حسابه في "الكانتينا" تذهب لشراء الكتب والدوريات العالمية المشترك بها.
ومن ناحية أخرى، فهو شخصية محبوبة بين أوساط جميع الأسرى من مختلف التنظيمات وليس داخل التنظيم الذي ينتمي إليه فقط.
يبقى القائد عبد الناصر عيسى شخصية ملهمة داخل السجون وخارجها، نجح في إكمال دراسته العليا وتقديم إسهامات مؤثرة في المجال الثقافي على الرغم من قيود السجن.
وربما يرى شمس الحرية قريبا في حال نجاح أية مفاوضات مقبلة لإطلاق سراح الجنود الإسرائيليين لدى المقاومة مقابل تبيض سجون الاحتلال.