يبدو أن نتائج زيارة رئيس الوزراء
المصري مصطفى
مدبولي لقطر، الأحد، بهدف تشجيع الاستثمار في بلاده، ربما ستضع المستثمرين
القطريين في صراع مع نظرائهم
الإماراتيين وخاصة في قطاع
الصحة الذي تسيطر عليه أبوظبي وتحاول
الدوحة الولوج إليه، بقوة.
وخلال زيارة مدبولي، للدوحة، ولقائه الأمير
تميم بن حمد الاثنين، وقعت شركة استثمار القابضة القطرية، الثلاثاء، مذكرة تفاهم
مع وزارة الصحة المصرية للاستثمار في تطوير قطاع الرعاية الصحية بمصر.
وفي إطار حاجة مصر لدعم اقتصادها عبر
الاستثمارات الخليجية، وقع مسؤولو القاهرة خلال الزيارة 3 مذكرات تفاهم بين وزارة
الصحة، وعدد من الشركات القطرية، في مجال تقديم خدمات الرعاية الصحية.
"توغل وتغول إماراتي"
وللشركات الإماراتية حضور قوي ولافت ومتغلغل في
قطاع الصحة المصري، إذ تمتلك نحو 15 مستشفى كبرى، وحوالي 100 معمل تحاليل ومركز
أشعة شهير في البلاد.
وقامت الشركات الإماراتية بعمليات استحواذ
واسعة على مستشفيات مصرية خاصة، فيما كانت أهم الصفقات ما نفذته مجموعة مستشفيات
"كليوباترا" المملوكة لشركة "أبراج كابيتال" الإماراتية في 27
كانون الأول/ ديسمبر 2021، على مجموعة "ألاميدا "الإماراتية للرعاية
الصحية.
وأصبح التكتل الكبير يضم مستشفيات
"القاهرة التخصصي"، و"النيل البدراوي"، و"الشروق"،
و"الكاتب"، و"كوينز"، و"بداية"، و"السلام
الدولي" بالمعادي والقطامية، و"دار الفؤاد" 6 أكتوبر ومدينة نصر،
ومعامل "يوني لاب"، و"المركز الألماني" لإعادة التأهيل،
ومجموعة عيادات "طبيبي 24/7".
كذلك تساهم الشركات الإماراتية في قطاع إنتاج
الأدوية المصرية بقدر متزايد باستحواذات على أكبر شركات الأدوية في السوق الكبير
الذي يخدم أكثر من 100 مليون نسمة، وتقدر قيمة الاستثمارات فيه بحوالي 45 مليار
دولار.
وفي هذا الإطار، وفي 31 آذار/ مارس 2021،
قررت "أبوظبي القابضة" (A D Q) شراء الحصة الكاملة لشركة "بوش هيلث" الكندية في شركة
"آمون للأدوية" إحدى أكبر الشركات المصرية في صناعة وتسويق وتوزيع
الأدوية البشرية والبيطرية، بمقابل 740 مليون دولار.
اظهار أخبار متعلقة
وهي الخطوات الإماراتية الواسعة والمتتابعة
التي جعلت من الإمارات صاحبة الرقم الأهم في قطاعي الصحة والأدوية، ما ما دفع
مراقبون، للتخوف من تشكيل لوبي إماراتي قوي في قطاع الصحة، وخاصة محيط محافظات
القاهرة الكبرى الثلاثة (القاهرة والجيزة والقليوبية).
"حماس مصري لقطر"
ولذا فإن الدخول القطري الجديد في مجال الصحة
بتشجيع من الحكومة المصرية، وبعدما صارت الدوحة رسميا على موعد مع دخول هذا القطاع
المربح، قد يؤدي إلى تنافس محتمل بين الشركات الإماراتية والقطرية، وفق مراقبين.
وخاصة أن الحماس المصري للحضور القطري واضح،
حيث أنه وبحسب مذكرات التفاهم، فإن وزارة الصحة المصرية ستقوم بتحديد الأماكن
الأنسب للمشروعات المقرر الاستثمار فيها، وإدارتها من جانب الشركات القطرية، إضافة
إلى العمل على تبسيط مختلف الإجراءات والتراخيص اللازمة لتشغيلها.
وإلى جانب تلك الاتفاقيات الصحية، جرى توقيع
اتفاقية لإلغاء الازدواج الضريبي، كما أنه وفي تصريحات لوكالة "بلومبرغ"
الثلاثاء، أكدت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد، أن القاهرة والدوحة يدرسان
إنشاء صندوق استثماري مشترك.
وبدأ الظهور القطري مجددا في السوق المصري خلال
العام الماضي، بعد انتهاء أزمة المقاطعة الخليجية لقطر، الذي خاض من جانبه محادثات
لاستثمار 2.5 مليار دولار لشراء حصصا مملوكة للحكومة المصرية في شركات من بينها
"فودافون مصر".
"عربي21"، حاولت الإجابة على بعض
التساؤلات المثارة في هذا الإطار، ومنها: "هل دخول قطر في المجال الصحي
والطبي في مصر يثير غضب الإمارات؟، وهل يسبب ذلك تنافسا أو صراعا بين القطريين
والإماراتيين في القطاع الطبي المصري؟.
وكذلك: "هل يعود ذلك التنافس على نوعية
وجودة الخدمة الصحية وتكلفتها المادية؟، وكيف يؤثر الحضور القطري إلى جانب
الإماراتي على القطاع الطبي المصري الخاص منه والحكومي؟.
"توقيت جيد"
وحول هذا قال أمين صندوق نقابة صيادلة مصر
الأسبق، الدكتور أحمد رامي، إن "قطر استغلت التوتر النسبي وعدم الانسجام في
علاقات مصر والسعودية وحاولت الاستفادة من هذا الظرف ودخلت السوق المصري في هذا
التوقيت".
ولفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى شق
آخر، وهو "اختيار الدوحة الاستثمار بمجالات كقطاع الصحة المختلفة نسبيا عن
المجالات التي تركز فيها الإمارات والسعودية".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أن "الإمارات تركز أكثر على قطاع
الموانئ ولديها توجه استراتيجي للسيطرة عليها، واستثمارها في الصحة ليس بدرجة
توجهها نحو الموانئ التي تتوسع فيها، وهو ما تحس نتيجته السعودية بتهديد محتمل
مستقبلي لمصالحها".
ولفت إلى أن "أبوظبي مسيطرة على عدد من
الموانئ الممتدة من الخليج العربي حتى قناة السويس، في غياب سعودي، وهذا في رؤيتي،
سبب الخلاف الحقيقي بين الإمارات والسعودية وبين مصر والسعودية".
"لا إضافة حقيقية"
وأعرب رامي، عن أسفه من أن "الاستثمارات
الخليجية التي تضخ الآن لا تمثل إضافة حقيقية لاقتصاد مصر، لأنها غير مبنية على
إنشاء أصول جديدة ولن توفر فرص عمل إضافية وستمثل سحبا من موارد كانت تُضخ بموازنة
الدولة وستذهب لصاحب رأس المال".
واستدرك: "لكن الملاحظ أن هذا يتم في غياب
مناخ تنافسي في عرض الأصول، وفي غياب الشفافية في دولة لها سمعة سيئة في مجال
الشفافية على مستوى العالم".
وقال إن "الأصول تباع على أقصى تقدير في
غياب الشفافية والرقابة والمنافسة، وفي وقت يشهد فيه الجنيه تدهورا؛ كل هذا
العناصر تقول إنها تباع بثمن بخس يمثل إهدارا لممتلكات وأصول ومستقبل أجيال قادمة".
"سوق وريادة وكفاءات"
وفي تعليقه، قال مدير التسويق السابق لدى شركة
"فايزر" الأمريكية، الدكتور هاني سليمان، إن السوق الطبية والدوائية
المصرية كبيرة ومتميزة، مع تعداد أكثر من 100 مليون نسمة، وريادة مصرية تاريخية
قديمة بمجال الرعاية الصحية وإنتاج
الدواء".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف:
"وأيضا مع وجود كفاءات وخبرات مصرية متميزة في المجالين، لابد أن تصبح تلك
السوق مجالا لجذب الاستثمار العربي الخليجي، كأي استثمار عربي أو أجنبي بأي مجال
يعتقد المستثمر أنه مربحا".
وأكد أن "الإمارت سبقت بدخول هذا المجال
بمصر، عبر تملك مجموعة مستشفيات كبيرة وسلاسل معامل تحاليل شهيرة، وقامت السعودية
بنفس الشيء لكن ربما على نطاق أضيق من الإمارات".
اظهار أخبار متعلقة
ولفت إلى أن "السعودية دخلت مجال الرعاية
الصحية المصري مباشرة بإنشاء (المستشفى السعودي الألماني) بالقاهرة منذ سنوات، على
غرار فروع المستشفى بالمنطقة العربية والشرق الأوسط، وفي الطريق افتتاح فرع للمستشفى
ببرج العرب بالإسكندرية".
مدير التخطيط الاستراتيجي السابق في فايزر
الشرق الأوسط ألمح، إلى أن "هذا المستشفى ليس حكوميا أو مملوكا للسعودية
مباشرة، لكنه استثمار خاص لعائلة (البترجي) السعودية، لكن المملكة تشارك فيه بحصص
معينة".
"تنافس مؤكد"
ويرى سليمان، أن "مسارعة قطر لمحاولة
الدخول بالمجال الطبي المصري طبيعي ومنطقي، فهي الآن المنافس الأول للإمارات
والسعودية بالمجالات السياسية والاقتصادية بالمنطقة العربية، و(عدوهما) اللدود
لوقت قريب".
وأضاف: "الاستثمار بمصر، الدولة (الأم) لكل
العرب، والكبيرة حجما ومكانة وتاريخا واقتصادا، سيكون بالتأكيد من مصلحة قطر، بما
فيها من قطاعات وكيانات صحية ودوائية كبيرة وعملاقة، وربما لن ترحب الإمارات ولا
السعودية كثيرا بالمنافسة القطرية بأي مجال مصري، والقطاع الصحي والدوائي، أحد
القطاعات المربحة لو أحسنت إدارته، وهذا ما تقوم به الرياض وأبوظبي وتحاول الدوحة
اللحاق بهما فيه".
ويرى أن "تحسين إدارة القطاع الصحي
والدوائي المصري عبر التنافس الخليجي مفترض أن يؤدي لتحسين نوعية الخدمة الطبية
المقدمة، ورفع مستوى إنتاج الدواء، وتحسين طرق تقديم الخدمة، ورفع كفاءة العاملين
بالقطاع".
لكن سليمان، حذر من بعض التبعات لذلك، مؤكدا
أنه "سيكون هذا مقابل رفع تكلفة الخدمة الطبية وأسعار الدواء، على الأقل
لتحقيق أكبر ربح ممكن للأطراف المستثمرة".
"قلة من المصريين"
وقال: "وهنا يبرز السؤال المهم: لمن
سُتقدم هذه الخدمات الصحية والدوائية في مصر؟.
وتابع: "بالطبع لن تُقدم لأغلبية المصريين
الذين يعتمدون على الخدمة الطبية الحكومية المجانية أو شبه المجانية، والتي رغم
عدم كفاءتها وعدم تلبيتها لاحتياجات الغالبية، إلا أن معظم المصريين من ذوي الدخل
المحدود لا يوجد أمامهم سواها".
وأكد أن "الاستثمار الخليجي بقطاع الرعاية
الصحية المصري سيستهدف بالأساس الطبقة الوسطى العليا والطبقة الغنية، شأنه شأن
المستشفيات الكبرى الخاصة بمصر".
ويرى أنه، "وحتى لو امتد هذا الاستثمار
إلى القطاع الصحي الحكومي، فبالتأكيد سيتضمن رفع تكلفة وأسعار الخدمات المقدمة،
وبالتالي سنعود لنسأل: لمن ستقدم تلك الخدمات الصحية التي كانت حكومية؟".
وفي السياق، يعتقد سليمان، أن "الدخول
القطري، ربما ينشط صفقات الشركات الـ32 التي عرضتها مصر للاستثمار ويثار الحديث عن
ضعف الإقبال عليها وخلاف حول التسعير بالجنيه أو الدولار، فربما تتشجع السعودية
والإمارات للتنافس مع قطر، وعدم ترك الاستحواذ لها على تلك الشركات، التي تبدو
مربحة مع الاستثمار الجيد والمخطط له".