نشر موقع "
المركز الروسي الاستراتيجي للثقافات" تقريرا تحدث فيه عن النزاعات الإمبريالية في
أفريقيا، التي شهدت مؤخرا تقاربا بين تركيا وإيطاليا - المتنافسة مع
فرنسا في
ليبيا - من خلال سلسلة اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية والداخلية.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن الاحتلال الإيطالي لليبيا التي كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية من سنة 1911 إلى سنة 1942 يُفسّر أهمية الحفاظ على موطئ قدم في ليبيا باعتبارها بوابة لأفريقيا.
وذكر الموقع أن تعاون الدول الأفريقية مع روسيا في مجال الاقتصاد وتعزيز الأمن يقض مضجع كل من روما وباريس، التي تتقاطع مصالحها هناك - المتمثلة أساسا في السيطرة على الثروات الباطنية الليبية.
وفي نهاية شهر كانون الثاني/ يناير، وقّع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال زيارتها إلى طرابلس اتفاقية بشأن استثمار 8 مليارات دولار من قبل شركة "إني" الإيطالية في تطوير حقول الغاز والنفط الليبية. ومن المقرر انطلاق العمل على هذا المشروع في سنة 2026.
تعتبر شركة "إني" منافسة لشركة توتال الفرنسية، لذلك ترى باريس أن صفقة الطاقة بين طرابلس وروما تشكل تهديدًا لمصالح فرنسا الاقتصادية في شمال أفريقيا، وتقديم تركيا الدعم لإيطاليا هناك يفاقم العلاقات الفرنسية التركية. ومن أجل منع توسع الشراكة الإيطالية التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، حاولت باريس التقرب من أثينا التي لديها خلافات مع أنقرة حول ملكية الجزر في بحر إيجه.
وأشار الموقع إلى أن نصف المهاجرين إلى
إيطاليا يمرّون عبر ليبيا. وهذا يعني أن التطرق إلى أمن الهجرة بالنسبة للجانب الإيطالي خلال المفاوضات مع الجانب الليبي لا يقل أهمية عن الطاقة. ومن جانبها، تعول فرنسا - التي تبحث عن حلفاء - على ألمانيا من أجل تشكيل المحور الجيوسياسي باريس برلين على خلفية ديناميكيات تعزيز العلاقات الإيطالية الأمريكية. وفيما يتعلق بالشأن الليبي، لن تُقدّم برلين الدعم الكامل لباريس كونها مهتمة تمامًا مثل إيطاليا بخفض الهجرة عبر ليبيا إلى الاتحاد الأوروبي ولا تنوي التدخّل في الشراكة الإيطالية الليبية.
أثارت زيارة رئيس وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى ليبيا قلق فرنسا، غير الراضية عن آفاق التعاون بين واشنطن وروما في المسرح الليبي. وقد أكد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، خلال مفاوضات مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، أن إيطاليا تسعى إلى تعزيز العملية السياسية في ليبيا تحت رعاية الأمم المتحدة من أجل تنظيم انتخابات من شأنها إضفاء الشرعية على مؤسسات الدولة. ومن أجل احتواء روسيا وتقليص حجم الفوائد الاستراتيجية للشراكة الإيطالية التركية، تكتسب فرنسا موطئ قدم في منطقة البحر الأسود عن طريق تطوير علاقاتها مع رومانيا.
وأفاد الموقع بأن باريس تدعي أن سياستها تهدف إلى تعزيز القدرة الدفاعية لرومانيا والسياسة العامة لحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود، غير أنها تحاول من خلال ذلك تأمين ظروف استراتيجية ملائمة خلال حوارها مع المنافسين. وفي الوقت ذاته، تتبع فرنسا سياسة متناقضة عن طريق دعمها عسكرة الأنجلوسكسونيين لليونان وبحر إيجه وتعاونها مع حكومة رومانيا الموالية لأمريكا، والعمل في آن واحد مع ألمانيا للحد من النفوذ الأنجلو سكسوني في أوروبا ودخولها في منافسة مع إيطاليا التي تدعمها أمريكا في ليبيا.
ونظرا لاعتبار جميع الدول المذكورة موارد الطاقة في شمال أفريقيا خير بديل للصادرات الروسية، فهي مضطرة للتحاور مع بعضها البعض. وفي الحقيقة، يعكس التنافس الفرنسي الإيطالي في ليبيا الجهود الكبيرة التي تبذلها القوتان الأوروبيتان في سبيل الحفاظ على إرثها الاستعماري السابق. وتعتزم إيطاليا تعزيز وجودها في منطقة الساحل عند تقاطع حدود ليبيا وتشاد والجزائر. وفي النيجر، المتاخمة حدودها لهذه الدول، يتمركز حوالي 470 جنديًا إيطاليًا، و4 آلاف جندي فرنسي.
اظهار أخبار متعلقة
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع البحر الأبيض المتوسط الموسّع ليس له حدود جغرافية محددة وهو مجرد أداة لإبراز وجود إيطاليا في أماكن مهمة استراتيجيًا على غرار شمال أفريقيا والمناطق الاستوائية وفي منطقة البحر الأسود وفي الشرق الأوسط دون الأخذ بعين الإعتبار مصالح فرنسا.
وفي الختام، نوه الموقع بأن باريس تعتبر ظهور إيطاليا في الساحل بمثابة غزو لمنطقة مصالحها التقليدية ما يفسر سعيها إلى الوصول إلى حدود ليبيا عبر مالي والنيجر وتشاد، التي تعتبرها روما ملكية استعمارية قديمة.