نشرت صحيفة "
ديلي تليغراف" تقريرا من إعداد كل من
توبوريون ويستر وهنري مانغو، قالا فيه إن شيرلي من
ملاوي، قررت الهروب من بيت كانت تعمل فيه في قرية عمانية تبعد أربع ساعات عن العاصمة مسقط، حيث إنها مشت بخطوات خفيفة وتسللت تحت غطاء الليل من البيت إلى سيارة كانت تنتظرها.
وقالت: "كنت أفكر بأنهم لو استفاقوا لقتلوني".. لكنها استطاعت الوصول إلى السيارة حيث كان رجل بريطاني بانتظارها، وعثرت عليه في منصة للتواصل الاجتماعي مخصصة للأجانب وعرض عليها المساعدة في الهروب. وكان خروجها محظوظا، فصوت صرير الباب الأخير ربما أيقظهم وعندما ركبت السيارة ظهرت أضواء لامعة تبحث في المكان.
وتختبئ شيرلي الآن في بيت الرجل البريطاني في واحدة من ضواحي مسقط بدون جواز سفر أو خطط لكيفية العودة إلى وطنها حيث قالت: "لم أكن قادرة على البقاء مع العائلة، لأن الحياة هناك مثل الرقيق".
وتقول تيريزا من ملاوي والتي تعيش في المنزل إنها حصلت على وعد مثل شيرلي للعمل في وظيفة جيدة في
عُمان وبراتب مغر، لكنها اكتشفت أنه كذبة.
وأقنعت شيرلي الرجل البريطاني بمساعدة تيريزا التي كانت تعمل كعاملة منزلية وتعرفت عليها من خلال "واتساب". وتمت دعوتهما إلى مجموعة من الملاويين الباحثين عن عمل في عمان. ولم يكن لدى تيريزا أي كلام للحديث عن تجربتها كعاملة منزلية، بل الدموع والقول إن "كل ما أريده العودة إلى وطني".
وتستخدم الكثير من دول الخليج نظام الكفالة الذي يربط العاملات المنزليات مثل تيريزا وشيرلي بالذين دعموا طلبهن وعادة ما يكونون هم أرباب العمل. ومعظم العاملين في عمان هم من آسيا وأفريقيا، غالبيتهم نساء وقعن عقدا لمدة سنتين للعمل كعاملات منزليات أو منظفات في بيوت خاصة. ولا يستطعن خلال هذه الفترة تغيير عملهن أو مغادرة البلاد دون إذن من رب العمل. ولو هربن فستتم معاملتهن كمجرمات وربما وجهت إليهن اتهامات بالهروب.
ولا يتم تنظيم ظروف العمل إلا بطريقة غامضة حيث تضطر العاملات للعمل مدة 20 ساعة وخدمة عائلات كبيرة بدون وقت فراغ كاف.
وعادة ما تدفع العائلات أموالا كثيرة لشركات توفير العاملات المنزليات بطريقة تزيد من منافع استثماراتها.
وتقول الصحيفة إنها حصلت عبر مصادر على أرقام هواتف لعاملات ملاويات. وقمن عبر "واتساب" بمشاركة قصصهن وهي متشابهة من العمل لساعات طويلة وغياب الحرية وتعرضهن في بعض الحالات للضرب وكلهن وعدن بحياة مختلفة لم تتحقق.
وأرسلت إحداهن رسالة صوتية طلبت فيها المساعدة، حيث تعرضت للبصاق والضرب الجسدي وأغلق عليها في غرفتها بدون طعام لأيام. وزعمت قائلة: "اليوم جاء ابن أخ رب العمل مع صديقيه وجروني من غرفتي واغتصبوني". وقال رب العمل إنه "يستطيع قتلي في أي وقت ولن يعاقبه أحد، ولا أحد سيبحث عني لأنني مجرد فتاة فقيرة من بلد فقير".
وقالت ملاوية أخرى في رسالة صوتية من مكتب توظيف محتجزة فيه إنها لا تستطيع استخدام هاتفها سوى 20 دقيقة في اليوم ولا يسمح لها بالخروج. وتريد المرأة العودة إلى وطنها ولم تعد قادرة على تحمل العمل في البيت الذي تعمل فيه نظرا للإعاقة الجسدية، وجلبها مكتب التوظيف إلى المركز الرئيسي ويطالبها بالمال مقابل حريتها.
وهذا طلب معروف، فالفتاة التي تخرق شرط العقد يجب أن تدفع 2,000 دولار لو رفضت العمل.
وقالت في رسالة صوتية: "استطاعت أمي اقتراض 1,000 دولار ودفعتها لهم لكنهم يريدون الآن المزيد".
ويشير تحليل البيانات من هاتف أنها موجودة في حي بمسقط، وهو حي مقفر بسبب حرارة المساء. وفوق محل لبيع الشراب هناك تبدو نوافذ بيت مسدلة عليها الستائر وإشارة مكتوبة عليها "الشفق لجلب الأيدي العاملة". وهي شركة معروفة للكثير من النساء الملاويات بمن فيهن شيرلي.
وتعلن الشركة عن خدماتها عبر "فيسبوك" و"إي كوميرس" وحاجتها لعاملات منزليات. والثمن يعتمد على جنسية العاملات، حيث تعتبر الملاويات الأرخص، 2,300 دولار كلفة التوظيف والراتب 220-260 دولارا في الشهر. فقط العاملات من ساحل العاج هن الأرخص.
وتعتبر شركة الشفق التي لم ترد على أسئلة الصحيفة واحدة من عدة شركات تقدم خدمات العاملات المنزليات الأجنبيات.
ودعيت شيرلي في ملاوي للعمل عبر صديقة وطلب منها الانضمام إلى مجموعة "واتساب". وعرض عليها العمل في مكتب بعمان ورأت فيها فرصة للهروب من اليأس في بلدها الذي يعد الأفقر في العالم.
وفي يوم الرحيل التقت في المطار بأحد معارفها الذي حذرها من السفر وقال لها إن عمان بلد ليس جيدا و"لكنني لم أستمع له".
ولم تكن تعرف شيرلي أنها بيعت إلى شركة الشفق العمانية. وقالت إن المرأة التي باعتها "كانت ذكية وطلبت جواز سفري ولم أره منذ ذلك الوقت". وعند هذه النقطة اكتشفت شيرلي أنها خدعت وأنها ستعمل في بيت خاص.
وكانت الصدمة أكبر عندما وصلت إلى البيت واكتشفت أن عليها العمل 15 ساعة في اليوم بدون عطلة أسبوعية، وكان الراتب أقل بالثلث من الموعود. وعندما حاولت الخروج للتمشي لحقها رب البيت وصاح عليها طالبا منها العودة، وقالت: "كنت أبكي كل يوم واكتشفت أنني مجرد رقيق".
وبدأت تعاني من ألم شديد في البطن ولكن العائلة أجبرتها على العمل، وباتت أضعف، وبدأت بالبحث عن طريقة لاسترجاع جواز سفرها. وعندما كانت العائلة في الخارج اتصلت مع الوكالة وناشدتها مساعدتها و"لكنهم أخبروني أنني كسولة وأن علي دفع 2,500 دولار إن أردت العودة"، كما تقول، واكتشفت أن الفرصة الوحيدة هي الهروب.
وفي خريف عام 2022 قامت شرطة ملاوي بملاحقة تجار البشر المشتبه بهم والذين يبيعون النساء إلى دول الخليج. وهناك عشرة مشتبه بهم خلف القضبان. ومن بينهم رجلان يعملان في الشرطة وعاملان في الصحة بمستشفى لينغولو المركزي وضابط في مطار كاموزو الدولي.
وقال المتحدث باسم الشرطة الملاوية، بيتر كلايا: "دورهم في الشبكة كان هو تسهيل عمليات الخروج المشبوهة للبنات حتى لو كانت هناك شبه بشأن الاتجار بهن. ونفس الأمر ينطبق على العاملين في المستشفى المركزي"، أما البقية فهم متهمون بالتخطيط وإغراء وتجنيد الفتيات حول البلاد.
وواحدة من المتهمين امراة ملاوية عاشت في دبي.
وقالت عدة نساء تحدثن مع الصحيفة إنها كانت وراء إغرائهن.
ولا تزال ناشطة على الإنترنت حيث كتبت على "فيسبوك" هذا الصيف إن لديها نساء جاهزات للسفر إلى الخليج وتبحث عن شركات توظيف بعمولة جيدة.
وتعيش آلاف الفتيات الهاربات من البيوت التي عملن فيها في الخفاء بدون أي طريقة قانونية للعودة حتى لو كان معهن جوازات السفر، حيث إنهن سيمنعن من ركوب الطائرة.
ولكن عمان تعرض عفوا مرة في كل عدة أعوام، حيث يسمح لكل النساء المتهمات بالفرار في فترة العفو بمغادرة البلاد.
وقالت مؤسسة منظمة "دو بولد" إيكاتيرنا بوراس سيفولوبايا: "العفو هو أسهل طريق للخروج".
وهناك طريقة أخرى وهي التفاوض مع رب العمل كما تقول سيفولوبايا، "وهي الأصعب وتطالب العائلة في معظم الحالات بالمال، ودفعوا الكثير من المال لشركة التوظيف وتريد استعادة مالها".
ولو نجحت المفاوضات فسيتم إلغاء التأشيرة وتستطيع العاملة المغادرة. وأحيانا يتم اعتقال النساء الهاربات ويتم توجيه تهم لهن ويصدر عليهن حكم الترحيل، ولكنه الأصعب والأخطر حيث يحتجزن لأشهر خلف القضبان قبل أن يتمكن من دفع المال للمغادرة.
وتحاول بعض الدول المصدرة للعمالة التوصل إلى اتفاقيات ثنائية حيث يتم من خلالها استعادة مواطنيها، وحتى الآن فالمحادثات بين ملاوي وعمان لم تنتج شيئا.