مقالات مختارة

احتلال فانسحاب... فالآتي

سمير عطالله
1300x600
1300x600

منذ بداية الألفية لم يعرف فلاديمير بوتين سوى الانتصارات، سياسية وعسكرية، رئيساً للدولة أو رئيساً للوزراء. انتصار خلف آخر، من حرب الشيشان إلى حرب جورجيا إلى حرب القرم إلى حرب سوريا. حيثما كان فوز. وبعد سنوات بوريس يلتسين البائسة، تحسن الاقتصاد الروسي، ونما بمعدل 7 في المائة كل عام. وجدد الروس بسهولة «للرجل القوي» وعدّلوا من أجله الدستور بحيث يبقى بين جدران الكرملين الذهبية ما طاب له.
نحو ربع قرن تقريباً وفلاديمير بوتين عز الروس وسليل القياصرة، البطل الذي لا يُقهر، والعسكري الذي لا يُهزم. ثم فجأة انقلب كل شيء. منذ فبراير (شباط) الماضي وأحذية الجيش الروسي تغرق في طين أوكرانيا. وإذا استطاعت التفلّت من التراب فمن أجل أن تنسحب في هزيمة معلنة. لم يعد بوتين يخفي أقواس الهزائم. ها هو يعلن التغيب عن قمة العشرين في جزيرة بالي بداعي امتلاء جدول أعماله، لكن هل هناك ما هو أهم عند رئيس دولة كبرى من حضور أهم قمة دولية في هذه المرحلة؟ الرجل لا يريد أن يظهر كسير الخاطر بين رفاق كان يتقدمهم جذلاً كل عام.
يفقد الخاسر، أول ما يفقد القدرة على التعبير. قال بوتين إنه ينسحب من خيرسون من أجل استعادتها. أو «إننا من يحدد موعد ومكان الرد المناسب». لكن الآن لم تعد المسألة عند العدو الأوكراني. إنها في موسكو. في الشارع الروسي وفي الجيش الروسي وفي المحافل الروسية التي وعدها بوتين بإنهاء العصابة النازية في كييف خلال خمسة أيام، فإذا فخر القيادة الروسية يعلن أمس، أنه «تم جمع الأسلحة من خيرسون».
لم تكن الانتكاسة في خيرسون نزهة أي من الفريقين. هناك «جماجم مسحوقة وجماجم محطمة». وهناك موت كثير منذ أن دخل الروس خيرسون في مارس (آذار) الماضي، وفي أثناء انسحابهم منها. ثمة أمران يحيران المراقب العادي أمثالنا: من أين لأوكرانيا هذه القدرة العسكرية؟ وأين هي طاقة روسيا التي يفترض أنها ندّ الولايات المتحدة؟
الأمر المعلن أمام الجميع أن بوتين - وليس روسيا - تكبد نكسة كبرى ولا أحد يعرف كيف سوف يرد، أو أين. لكنه لا يستطيع أن يتحمل ويحمّل موسكو معه وزر هذا الانكسار. ومن الواضح أيضاً أن السلاح الروسي خسر أمام السلاح الغربي.
مواجهة بوتين الكبرى الآن هي في الداخل. ضعف الرجل القوي في الخارج أفقده كثيراً من الهيبة والرصيد. مزيد من التراجع انتحار، والجمود انتحار، وتحول المعركة إلى اندفاع انتحاري، ذروة الانتحار. أخذ بوتين الروس إلى حرب لا يريدونها، فواجه ما واجه نابليون وهتلر في روسيا. الآتي أعظم...

 

(الشرق الأوسط)

1
التعليقات (1)
محلل سياسي متواضع
الأحد، 13-11-2022 06:07 م
باستمرار ، أقرأ أغلب مقالاتك يا أستاذ سمير من سنوات عديدة و لقد تعلمت منها الكثير . مقالك هذا رائع من حيث تشخيص " غرق جيش بوتين في الطين" . تفتقد روسيا إلى بضاعة مهمة في مسارها في هذا العالم و هي "الدهاء السياسي" و لا يمكن مقارنة روسيا نهائياً بما لدى الغرب من دهاء يتضمن الكثير من الخبث و القدرة الفائقة على استغلال الآخرين ليخوضوا حروباً بالوكالة عنهم و هم يحسبون – كأدوات فعلية للغرب - أنهم يحسنون صنعاً لأنفسهم و لبلادهم بل قد ينفخ الغرب فيهم أنهم مستقلون عنه أو أنهم شركاء في المصالح أو أنهم قد بدءوا في التعددية القطبية. كانت بداية النهاية للسيد بوتين خريف عام 2015حين ارتضى أن يكون وكيلاً لأمريكا في سوريا مقابل منافع تافهة ، و لقد ابتلع هو و من حوله طُعْم الخداع – أي العمل كبلطجي مأجور مرتزق – مضافاً إليه التسخير للقيام بالأعمال القذرة نيابة عن الغرب مما جعل الشعوب العربية "و ليس المتحكمين بها" تمقت روسيا و تنهي رصيد المودة التي كانت تتمتع بها لدى هذه الشعوب في سنوات الاتحاد السوفيتي . بعد الوقوع في مستنقع أوكرانيا و بعد الإساءات البالغة التي تعرض لها بوتين "و تعرضت بلاده لها "من الغرب يتوجب عليه ، إن كان ذكياً ، أن يقوم بعمل دراماتيكي غير عادي يصدم الغرب و يزيح عنه خزي 7 سنوات من العمل لصالح أمريكا في سوريا وهذا العمل بسيط (( انسحاب الجيش الروسي من سوريا فوراً و إخلاء قاعدتي حميميم و طرطوس )). هذا العمل سيكون فيه توريط لأمريكا – التي لديها 24 قاعدة عسكرية في سوريا – و ستضطر أمريكا إما للرضوخ راكعة لشروط روسيا أو لإرسال المارينز لحماية قصر بشار في دمشق لتنكشف اللعبة السياسية في سوريا .