قضايا وآراء

وتَبْقَى الحَقيقَة غَريبَة، ومُريبَة، وضائعَة

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

 

لأسابيع، انشغلت معظم وسائل الإعلام العالمية وشغلت الناس بالانتخابات الأمريكية النصفية لمجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، وأرتنا فيما أرتنا، عنجهية ترامب الذي قدم الفيل الجمهوري مستنفرا يحطم الحيوانات الزجاجية في متحف شمع، يحرسه حمار الديمقراطيين العتيد الصابر العنيد. لقد رأت أجيالنا من خلالها الأمريكيين كما لم ترهم من قبل، في مواجهات داخلية وتخبط دولي منذ دخول ترامب الحلبة السياسية بعنصرية معززة بالبلطجية والأسلحة النارية والديماغوجية، ومواجهة خصومه الديمقراطيين له بثعلبية وأفعوانية. وكلها بعض أخف الأدوات الأمريكية في المواجهات قياسا على ما كان من حروب أهلية، وأخرى عدوانية على دول وشعوب في أرجاء العالم. 

على أفضل ما يكون كانت اللعبة/ الفُرجة، وما زالت وستستمر لسنتين قادمتين على الأقل، بأفعوانية بايدنية وهمجية ترامبية. ولن يزيدنا ذلك إلا يقينا على يقين بعدم الثقة بالسياسة الأمريكية وبمن يصنعها من الساسة، ومن يواليها ويعلي شأنها، اتباعا وانتفاعا؛ فالولايات المتحدة الأمريكية بإداراتها الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة، كانت وما زالت مصدر خطر وعدوان وشرور وويلات وثبور على دول وشعوب في العالم، وعلى شعوبنا وبلداننا وأمتنا العربية بصورة خاصة؛ لذا، أدعو غيري إلى عدم الثقة بها وبساستها بناء على استقراء تاريخها، وأدعو إلى الحذر من كل ما تقوله ويقوله ساستُها، وما تدعيه وتقوم به وتقدّمه ذرائع ومسوغات لأفعالها. إنها حتى في مساعداتها وفي ظروف ومواقف إنسانية خالصة، "ترمي كسرتها على رغيف" كما يقول المثل، ودهاقنتُها يعملون وفق ما استقر في تقاليدهم: "لا غداء من دون ثمن"؛ فمن يطعمونه اليوم ينهبونَه غدا، ومن يساندونه اليوم يخذلونه ويقتلونه أو يقتلون به غدا؛ انطلاقا من عنصرية بغيضة راسخة فيهم وشرور فطروا عليها.
 
لا يعنيني أن أتوقف عند إدارة ما من تلك الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ولا عند هذا السياسي أو ذاك، هذا الرئيس أو ذاك، هذا " البوش" أو " الأوباما" أو "الترامب" أو " البايدن" أو.. أو.. إلخ.. لأمايز بين الفروق الشَّعْريَّة الطفيفة، فكلٌ من الطينة والعجينة والبيئة والطبيعة نفسها. وما رأيناه منهم وما سمعناه وقرأناه عنهم، واستقرأناه من تاريخهم، وما نستنتجه بوعي ومسؤولية من علاقتنا معهم وعلاقة دول وشعوب أخرى بهم، يفضي إلى خلاصة واحدة: "لا تثق بهم، واحذرهم، ولا توالِهم ولا تتبعهم، وتجنبهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا". إنهم يقيمون جدارا سميكا جدا وكتيما جدا بين السياسة والأخلاق؛ فلا قيم في السياسة، ويرون أن "قيمهم" وحدها هي القيم، ولا قيمة لقيم الآخرين ولا قيمة لهم بعرفهم. 

يعملون بعنصرية ضافية ومكيافلية صافية، وعندهم أن " الغاية تبرّر الوسيلة"، ويسوِّغون كل ما يرتكبونه من جرائم، وما يثيرونه ويتسببون به من أزمات، وما يقومون به من نهب وسلب وقتل وقهر للشعوب والدول والجماعات البشرية، وضرب بعضها ببعض وضربها لهم بعد إنهاكها، يسوغونه بذرائع حماية مصالحهم التي تشمل اليابسة والمائعة، الأرض والمحيطات والبحار والأنهار والبحيرات، الفضاء والكواكب وصولا إلى الثقب الكوني الأسود. ويحولون القيم الإنسانية الكبرى ذاتها إلى سلع سياسية يتاجرون بها ويخدعون الناس، ويستخدمونها للتدخل في شؤون الآخرين، وكأنهم أوصياء على الناسوت والكهنوت والملكوت، ولا يقيمون أي عمل يقومون به أو سياسة ينتهجونها أو قضايا يعالجونها سوى بالنجاح الخاص بهم وتحقيق أهدافهم، مهما كانت الوسائل والنتائج والكوارث على الآخرين. 

إن المهم لديهم أن تنجح، بصرف النظر عن السبيل والأداة والوسيلة والنتيجة، وعمّا تلحقه بالآخرين من كوارث، فعندما تنجح تكتب التاريخ على هواك، وتنهي التاريخ وتبدؤه! ـ رغم أن التاريخ عمليا ومنطقيا لا ينتهي؛ لأنه مرتبط بتجدد الوعي والجهد والإبداع في التعبير عن الوجود وتجديده ـ، إلا أنهم يسجلون نجاحهم بدم ضحاياهم على أنها انتصارات "للحرية والديمقراطية والقيم الأمريكية"، أي " لفضائل حصرية تخصهم!"، ويرفعون ما يسجلونه في صفحات فوق تمثال الحرية في نيويورك مزينا بأكاذيب وادعاءات وافتراءات هم أهلها الأُوَل، والمُجلّون في ميادينها عبر تاريخهم الذي ابتدأ بإبادة الهنود الحمر، واستعباد الأفارقة السود، والعنصرية البغيضة المكللة بالتمييز العنصري، والعزل العنصري "الأبارتايد"، وما تلا قيام دولتهم ونهوضها من حروب استخدموا فيها القنابل الذرية والأسلحة الكيمياوية والجرثومية.
 
أول هذا بعد أن أشرت إليه مرارا وتكرارا؛ لأنني أرى وطني العربي كله، وليس قضاياه العادلة فقط، وعلى رأسها قضية فلسطين وشعبها الذي طالت معاناته بسببهم هم، وسواهم من الاستعماريين والدول الكبرى صاحبة الامتيازات باسم امتلاكها للقوى التدميرية الشاملة، يُستهدَف بسياستهم وأسلحتهم وجيوشهم وأموالهم وإعلامهم وأدواتهم وصنائعهم وذيولهم و.. إلخ.. وأراقب نجاحهم وتوسعهم في توظيف معظم أموال الأمة وثرواتها، واستخدام مواقعها الجغرافية الحيوية، وقطاعات من أبنائها للنيل منها، "وجودا وقيما وعقيدة وتاريخا"، بتشكيك بها، وإضعاف وتفتيت ذاتي لها، ودفع دول وقيادات وجماعات فيها، وتسخير أخرى من جِبِلَّتها، ليكون الكلُّ سكاكين في نحور الكل.
 
ومن أسى وأسف، أن هناك مَن تداعبه أحلام يقظة ومنام، و مَن تُعشي بصره أوهامٌ وأمراض وأورام، وتفضي به أطماع ويفضي به قصور ذاتي إلى التوهم بأنه الأهم وليس المهم، فيدخل ويُدخل غيره في متاهات بعد متاهات. ولا يستطيع، وهو يغرق في خضم مدروس، أن يجري حسابات دقيقة لما هو فيه حتى لو ملك الوعي والإرادة، ولا يملك أن يتصالح مع محيطه بعد أن رَتَع بمحيطه، أو أن يتعرف على حقائق واقعه من خلال كفاءات وقدرات وطنية وقومية واعية مستقلة مخلصة، ومعطيات واسعة ساطعة، أن يتبين بواطن الأمور؛ لأنه معطوب الثقة، مسلوب الإرادة والقرار، محجوب بالطمع والقصور، مغرق في الحلم والوهم، وغارق في ما يمنونه به وتمنّيه به نفسه، ويزينه له من يغوونه ويغرونه ويدفعونه إلى الاستبداد والتّفرُّد، ويستثمرون فيه وفي ما يشكلون منه وما يملك ويحكُم. 

وهذا الصنف من الزعماء والقادة والساسة والمسؤولين عندما يتصدى لقيادة الناس ورفع رايات تاريخية، وحمل قضايا كبرى تشكل مصائر الناس ويتأثرون بها على المدى الطويل، يَضِلُّ ويُضلل، ويعتقد أنه الهدى والهادي والمهتدي، فيضيع ويُضيِّع حتى لو لم يرد ذلك؛ لأنه يوضع في قفص أكبر من قدرته على إدراك حدوده، بَلْهَ المخارج منه. ولا ينفعه ولا ينفع به أن يدرك بعد فوات الأوان معاني الاستقلال والحرية، الوطنية والانتماء، الكرامة التاريخية للأمة العربية، ولا يفقه الأمور بوعي وحكمة وحنكة وفطنة، وينقصه صدق الطوية وحسن النية. ولأنه يُقاد، فإنه يقود باتجاه هَوى من يقوده ويَهوي به إلى قعر الحضيض ومهاوي الفساد.

 

حزنت وما زلت في أسى وحزن، وأنا أرى السوريين واليمنيين والليبيين والمصريين، و-من قبلهم- الفلسطينيين والعراقيين والصوماليين وغيرهم وغيرهم من أبناء الأمة العربية.. مطايا وضحايا للتدخل الأجنبي.

 



وبفرض أن قائدا من هؤلاء قاد بحسن نية، وأغرق الناس والبلاد في بلية بعد بلية، فهل يشفع له حسنُ نيته، "وجهنم مفروشة بحسن النيات"؟! وهل يمكن أن يسير شعب أو جزء من شعب خلف صاحب نية حسنة ويدفع ثمن سيره ذاك دمه وأمنه وسوء مصيره من دون أن يتنبه لذلك، ولو بعد استنزاف وخسارات ومعاناة وويلات ودروس لا تُنسى، ويبقى وراء عاجز حسن النية؟! لا أريد أن أصدق أن ذلك من الممكنات، رغم أنني أراه في حالات وحالات. ولا.. لا أظن أن دوام الحال على هذا المنوال من الفضائل المنقذات. وإن وقع شيء من ذلك، فلا دوام له إلا في حالة يكون فيها الشعب يغرق في خضم الجهل والتجهيل والظلم والفقر والقهر، ويصلت عليه سيف الطغيان والتنكيل، فيدلف من بؤس إلى يأس، أو يكون قد غُمَّ عليه من ضيق بلا مخرج، وضاق ذرعا بواقعه وذاته وبالمخارج مما هو فيه، فاستطاب أي شيء سوى ما هو فيه، وأحب أن يخرج من مأزقه حتى لو دخل في مأزق يليه، فلكل جديد لمعة، ولسان حال المظلوم المحكوم بالموت يقول: "من عمود لعمود يفرجها الرب المعبود."؛ لأنه لم يعد يتبين حسن التفكير والتدبير، وطرق النجاة والخلاص، وصادق الأقوال وحسن الأفعال، ولم يعد يثق بما يُقال له ويوعد به. وهنا تتضافر عليه ظروفه الداخلية وظروف أخرى خارجية تجعله في عمق الغمَّة، يسير كالمنوَّم من عتمة إلى عتمة. ففي مثل هذه الحالة، لا بد من أن يكون هناك سر معجز ما لدى كل من الضال والمُضَلِّل، يشدهما أحدهما إلى الآخر، ليستمر السير في مسار مكلف من هذا النوع.
 
وفي مثل هذه الحالة تقع مسؤولية الضال والمُضِل والمُضَلَّل على من يملكون القدرة والرؤية والحكمة، ومن يستطيعون التضحية براحتهم وشهواتهم وذواتهم ليخوضوا مخاضة الإنقاذ. ولكن مع الأسف الشديد، أولئك هم من تغيبهم عن مجال الرأي والإفادة، الحُكم والقيادة، تدخلاتٌ ومؤمرات وسلطات وعنجهيات  وعصبيات وتعصبات وطوائف وحسابات من أنواع شتى. ومن تغيَّب أصواتُهم أو يغيَّبون أو يغيبون ويتوارون في مثل تلك الظروف والأوقات الصعبة، ليبقى المجال مفتوحا لمن يهمهم من البقرة حليبها. 

حزنت وما زلت في أسى وحزن، وأنا أرى السوريين واليمنيين والليبيين والمصريين، و-من قبلهم- الفلسطينيين والعراقيين والصوماليين وغيرهم وغيرهم من أبناء الأمة العربية، مطايا وضحايا للتدخل الأجنبي، "الأمريكي والأوروبي والروسي والتركي والإيراني والـ.. والـ.. وتدخل "اللي يسوا واللي ما يسواش"، على حد تعبير الإخوة المصريين. وتابعتهم يُشوه بعضهم بعضا، ويلِغ بعضُهم في دم بعض، ويخوضون حروب الدول العظمى بالأصالة والوكالة، تلك الدول التي تشارك الأمريكيين بالكثير مما لا يُقبل ولا يُعقل، ولا يدخل في الإنساني والرباني. وتابعت أخبار الكثيرين منهم؛ شظايا بلا أكفان، وتحت الردم بلا إنقاذ، وغرقى في البحار، وسجناء ومعتقلين، لاجئين ونازحين، مشرَّدين في أصقاع الأرض، يقدمون لشعوب العالم وبلدانه، صورة لا تليق بهم ولا بأوطانهم وأمتهم وعقيدتهم وتاريخهم وحضارتهم، ورأيت كيف يعتلي أحد أولئك جثة أخيه أو جثة شعبه أو جثة وطنه، مأخوذا بنشوة إراقة الدم وتدمير الوطن وهدم القيم، وهو يصرخ: "ها أنذا.. انظروا إليّ"، ثم يرعد ويزبد:
 
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا      متى أضع العمامة تعرفوني

وهو حين يضع العمامة، ينكشف أداة بيد مستعمر أو عنصري صهيوني أو طائفي أو عرقي أو دموي، متفلت من كل انتماء وخلق ودين. 

بعض هؤلاء عضَّ على عظْمة السلطة بناجذيه، أو أُخْبِرَ بما يرسم له إن هو كَزَّ بأسنانه عليها وقاتل وقتل من أجلها، وبعضهم من خاضها لينقذها وينقذ بها، وبعضهم استمات في طلبها أو دُعي إلى ذلك وأغري بأن يكون منقذا، فاستجاب من دون علم ومعرفة وحساب. والكل غرق من ثمَّ أو أغرق نفسه وغيره في اللعبة السياسية القذرة والدهاليز المقبرة: " الأمريكية ـ الأوروبية ـ الروسية ـ الإقليمية، الطائفية، الـ.. الـ.. سواء أكان أداة أو ضحية، صاحب رأي ودراية أو مجردا من الرأي والدراية، ودخل كل أولئك، بنا وعلى حسابنا، وأدخلونا دائرة الدم والدمار، دائرة الخداع السياسي، دائرة الطغيان والطغاة، دائرة الفساد والإفساد، فمنهم من أبهجته صورته وصورة من حوله في فضائيات وصحف وتظاهرات، فسار إلى حتفه بظلفه من حيث يدري ولا يدري، ومنهم من تمسك بوهم استقاه وتشربه من أسياد كبار ومتبوعين عنصريين عتاة، ومضللين ومُغرين ومتآمرين، أو استمده من دون تمعن من معطيات ذات شبهات بيقين، وأفضى بنا، أو أشرف على أن يفضي بنا إلى الموقع الذي أفضى بنا إليه صاحبه التابع الذليل، أو النُّويصبة التافه العليل. 

وفي ظني أنه سيندم العاقل ذو البصيرة والضمير، أيا كان شأنه أو موقعه، إذا قيّظ له أن يخرج من تلك الزَّفة ويتفرج عليها من الخارج، وأنه سيكون هناك من لا يغفر لنفسه أخطاءها وخطاياها، وقد يشقيه ضميره إن كان من أصحاب الضمير الحي. وسيكون هناك مَن لن يشعر بأدنى شعور بالذنب بسبب التهلكة التي تسبب بها للأمة والوطن لخداعه واتِّباعه المخادعين، وإقباله النهم على سياسة الخداع والتبعية وممارسة القتل والتدمير؛ لأنه لم يكُ شيئا ليحرص على ما كان ويكون، ولأنه أدمن الخداع والتبعية والكذب.. وسيكون.. وسيكون.. وسيكون. 

وسيعاني طويلا بعض المفكرين والمبدعين والمثقفين الأخلاقيين المنتمين بوعي وصدق لأمتهم، المسكونين بضمائر حية، وعقول نيرة، وعقيدة وقيم، وربما يمضون عمرا في المعاناة من دون أن يصلوا إلى وثائق ووقائع وحقائق تمكنهم من استنطاق هذه الحقبة من التاريخ، ولا إلى يقين بحقيقة ما كان لكثرة من اصطف في هذا الصف أو ذاك من شرائح بشرية تنتمي إليهم وينتمون إليها. وربما لن يروا الوجوه الحقيقية للاعبين الكبار من الزعماء والقادة والساسة الذين تلاعبوا ويتلاعبون بالقضايا والوقائع والحقائق والتاريخ، بالشعوب والأرواح والقيم، بالضمائر والمصائر، فأولئك يدخلون في دائرة المحظور النظر إليهم ويحجبهم عن الرؤية أمواج من الدماء والادعاء. ولن يضعوا أولئك الأشخاص في المواقع التي يستحقونها، وربما يقعون هم أنفسهم في الفخ ويوقعون غيرهم فيه، ويدخلون صفحة من صفحات تاريخ ما، ولا يعنيهم أو يهمهم حكم التاريخ، وقد يكتوي بعضهم بنار من نوع ما، ويعضُّهم اليأس والأسف، ويصبحون من بين الضحايا والقضايا في آن معا، ويجلسون على مفرق من مفارق الزمن ينتظرون الحقيقة والنصير والمصير، وقد يشيخون من الهم والغم وهم ينتظرون ما لا يجيء ولن يجيئ، شأنهم شأن من ينتظر " غودو"، إن كانوا من أصحاب العبثية واللامعقول. وتبقى الحقيقة غريبة ومريبة وضائعة.

وفي كل حال وعلى كل حال، سيجلسون تحت ظلال شجرة السياسة بعد الندم أو الهرم، جلسة الشيخ اليماني الهَزَّانيّ الذي جلس تحت نخلة سامقة وقد هدَّه التعب والسّغَب، وأخذ ينظر إلى ثمرها العالي، يتشهَّاه ولا يَطالُه، ويهزها حسب اقتداره فلا تهتز ولا يَسَّاقط عليه من ثمرها شيء، فيقول لنفسه، وقد هدَّه الكبر والجوع وطول الانتظار واستطالة الوهم: "تقاصري آكلْ جَناك قاعدا"!!. وحين لا تستجيب له، وتبقى في عليائها متعالية، عابثة لاهية.. حينذاك، ربما يدرك وضعه وما جناه على غيره وما جنته عليه الأيام، فيقول ما قاله عبيد بن عبد العزى الربعي، والحسرة تعصف بكل كيانه:
 
إن الليالي أسرعت في نقضي             أكلْنَ بعضي وتركنَ بعضي
حَنَيْن طولي وطَوَيْن عَرضي              أقعدنني من بَعد طول نَهضي

ولا حول ولا قوة إلا بالله.


التعليقات (0)

خبر عاجل