كتاب عربي 21

صعود أحزاب العفاريت والجان في ممالك الطغيان

أحمد عمر
1300x600
1300x600
دأب الطغاة على استخدام السحر منذ فرعون، لكن سحر سحرة فرعون كان محصورا في التخييل وإزاغة الأبصار، وتحويل العصي والحبال إلى حيات وثعابين. فقد اختلفت حيل الطغاة الجدد عن حيل سحرة فرعون، فليس لسحرة فرعون المساكين قنابل وألغام، ولا طائرات شبح، وليس لديهم هوليود ولا وسوبر ستار ولا أفلام أنيمي، ولا حسناوات مثل مارلين مونرو، ولا مطربات مثل نجوى كرم لها قدرة على شمِّ عطر النصر في قلب المصيبة، ولا ممثلات مثل زرقاء اليمامة المصرية إلهام شاهين ترى العواصف الغبارية في سورية على مبعدة ثلاثة أيام.

تقاعد العفاريت والجان من شدة بأس البشر، وهم يعملون على البسطات لدى بعض المشعوذين بالترمس والبليلة، وبناء الكباري بين العشاق المتباعدين، وهدم الجسور بين الأحباب المتقاربين.

وقد عكف كاتب هذه السطور على صفحة ساحر يمني تائب آمن برب موسى وهارون، فوجد أن التربح من هتك أستار السحر وفضح ألاعيبهم ونيرناجاتهم أكسبُ من السحر نفسه، ولعل الساحر اليمني -وهو ساحر خدع وحيل- رأى أن أرباح اليوتيوب وفيسبوك وتيك توك أكبر من غنائم الكيد بين الضرائر والكنائن والحموات ومن أنفال التفريق بين المرء وزوجه، فأبطل سحر كثير من الساحرين. وله متابعون كثر، حتى أني استطعت بعد مراقبة بعض فيديوهاته كشف سرّ شعوذة قبيلة الفودو، والساحر اليمني ليس أول السحرة الثائرين.

يزعمون أننا في عصر إبطال السحر عن العالم، ويعرف من ضم مجلسنا أن عصر السيرك انتهى، بعد أن تحول لوح في اليد إلى منصة لكل أنواع السحر التي تخطف العقول وتسبي الألباب. وكان عصر السيرك عصراً شاقاً، تتنقل فيه أسرة السيرك ببهلواناتها وسحرتها وفيلتها وأسودها ونسائها الحسناوات البارعات في خطف الأبصار من مدينة إلى مدينة. لكني وجدت أن الطلب على السحر يزداد، وأن أكثر الشعوب طلبا للسحر هم الأمريكان، وأن كل السحر في المرأة.

وشهدت صبياً سيركاً مصرياً هندياً مشتركاً، كان الساحر ينطق بلهجته المرشوشة بالسمسم وجوز الهند، ويفتن المشاهدين بمصباح صغير هاتفاً بلغته الحلوة ومعه حسناء عارية: "حط اللمبة على أي حتة في جسمها تنور، على سدرها تنور، على فخدها تنور". وهي خدعة لم نكن نعلمها في ذلك الزمان، وهي شديدة البساطة، فاللمبة لها بطارية تنار باللمس، ولم نكن مذهولين بالمصباح قدر ذهولنا بجسم المرأة العاري في ثياب البحر الهائج. وكان الساحر خبيثاً، فلا يضع مصباحه إلا على قمم الجبال التي لا تبلغها النسور القشاعم.

وكبرنا وصرنا طلاباً في الجامعة، ملزمين بيوم من أيام الأسبوع في التدريب العسكري على مواجهة جيوش السراب والذباب، وهي أيام شاقة خالية من المنفعة وكثيرة الضرر، نقضي ساعات إحقابيه في سماع أسماء الطلاب، بحثاً من الرقيب الناظر عن الهدهد الغائب، وكان بعضنا يخدع الضابط الهمام، فيجيب عن رفيقه الغائب.

وغالبا ما يوافق التدريب العسكري مناسبة وطنية لكثرتها، فيخطب خطيب زائر خطبة سمعناها مئات المرات، من التلفزيون والإذاعة، حتى صدئت وجيفت وأنتنت، لكنه بذكاء أجهزة الدكتاتورية، وخبرة فرعون القديمة في ذبح الذكور واستحياء النساء، كان يحضر معه جارية من رفيقات الحزب، حسناء غيداء في كسوة تصف وتشف، تقف إلى جواره وتؤازره بكتائب حسنها. الحسناء خطبته، وهي بيانه الساحر، وكنا ننتظر حركة الصبية الحسناء، ونصفق لها إن استدارت أو انحنت، أو بدلت ساقاً على ساق، أو ذبّت ذبابة من ذكران الذباب تحرش بها، ونصفق ونهتف إن وافق حركتها ذكر الخطيب لاسم العدو المنكر، على نقيض ما يجب أن يكون!

كان الخطيب يمدح الأسد القائد، ولم نكن نرى سوى اللبوة التي حرمنا من رؤيتها أسبوعين في الكسوة العسكرية كأنها كائن من كوكب بعيد، ومخلوق خلقه الله من ضلع الرئيس.

تتدفق على صفحتي فيديوهات عن السحرة، بخوارزميات المتابعة، والخوارزميات أيها السادة مثل الكيس الذي خرقه علي بابا لتتبع آثار الأربعين حرامي، فلا أجد ساحراً وهو يقوم بحيله إلا ومعه أنثى جسدها عريان. وكل العروض السحرية بطلاتها من الغيد الأماليد، فما تزال المرأة وزير الساحر الأول، لها المحل الأول، والخدعة السحرية لها المحل الثاني.

ويجد المرء أنَّ أكثر شخوص مقالب السحرة من النساء، وكلهن مضيئات مثل الحباحب. ويدرك الطغاة والتجار سحر جسد المرأة، فلا تسير بضاعة في السوق إلا بجسد المرأة، بدءاً من حبوب الصداع، وانتهاء بالحرب على الإرهاب، ويعلم الطغاة يقيناً أن أهم أدوات الصراع بعد الخبز هي المرأة، فهي الخبز الثاني، فإما هم يقيدونها في البيوت كما فعل الحاكم بأمر الله، أو يدعون إلى إطلاقها وتحريرها مثل الوحش اللطيف، مشترطين حصة في البرلمان بنسبة الثلث للنساء من غير انتخابات.

لنتذكر أن السيسي وهو يخطب في مؤتمرات الشباب، لا يخطب إلا وبجانبه حسناء، فمن سيسمع خطب الرئيس العصماء من غير حسناوات يحبلن بنجمه، ومطربات مثل نجوى كرم يشممن ريح النصر من دمشق، وممثلات عالمات بالمناخ والعواصف الغبارية، ومذيعات يقبلن بشفاههن الحمراء الجزمة العسكرية على الشاشة!

تردني أخبار من مسقط الرأس (الجزيرة السورية) عن انتشار السحر في بلدتي، حتى أنَّ السحرة باتت لهم عيادات مثل الأطباء وتجار العقارات، والناس في ضيق. وساحر بلدتي شيخ سلفي حول مهنته من الوعظ إلى السحر، وتعاقد مع بعض الجان، وأغلب وصفاته السحرية مياه تليت عليها زمزمات، وقرأت عليها تعاويذ تدسُّ خلسة في سقاء الضحايا.

تساءل صديق لي، مهتم بشؤون ألعاب الخفة والحيل السحرية، عن سبب عدم لجوء الطغاة للسحرة في السيطرة على الشعب، كدسِّ التمائم السحرية في خزانات مياه الشرب، لا سيما أنّ الملوك يصرفون أموالاً طائلة على السحرة ومعرفة الغيب.

فقلت لصاحبي: الأمر أيسر من ذلك، والسحرة الكبار انقرضوا، وطغاتنا في رخصة من تلاوة التعاويذ السحرية على المياه، فهم يحبسونها عنا، فنعطش ونرجوهم قطرة ماء، ويرفعون سعر الخبز ويحتكرونه، فنجوع ونتوسل إليهم أن يرحمونا، ولهم عفاريت من البشر يأمرونهم فيأتمرون. وإن تحويل العصي إلى حيات يحتاج إلى علوم باطنية وتدريبات شاقة، وقراءة ما تحت سطور كتب السحرة وفهمها، واستخدام العصي في العقاب أجدى وأسرع وثمرتها أطيب لهم من تحويلها إلى حيات. وهم في هذه الأيام، بدلاً من تحويل العصي إلى حيات يحولون الرجال إلى نساء رقيقات ولطيفات وطيعات. ألا ترى ارتفاع نسب الطلاق في سوريا ومصر وأخواتهما؟ فالسيسي يسعى إلى أن يكون ولي أمر نساء مصر جميعهن، وشياطينه يدأبون ليل نهار في التفريق بين المرء وزوجه، بسنّ القوانين، فقد تحوّل الدستور إلى كتاب سحر أسود!

كنت قد عرضت لصديق مهتم بشؤون الخدع، مشهداً لساحر يحوّل كوب القهوة إلى كومة ورق أرخص من الدساتير العربية، والكوب لحسناء ترتدي ثياب البحر على البر، وتحديته في معرفة سرّ الخدعة، فرآها مرتين لكنه عجز عن بلوغها لأنّ سحر الصبية في ثياب البحر المالح بجوار الساحر كان يصيبه بالعطش ويصرفه عن كشف الخدعة.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (0)