ملفات وتقارير

هل تواطأ القضاء مع الأمن في مقتل الباحث المصري هدهود؟

وزارة الخارجية الأمريكية طالبت القاهرة بتحقيق شامل وشفاف في وفاة هدهود- أرشيفية
وزارة الخارجية الأمريكية طالبت القاهرة بتحقيق شامل وشفاف في وفاة هدهود- أرشيفية

يواجه القضاء المصري بالاشتراك مع النيابة العامة اتهامات بالتواطؤ مع جهاز "الأمن الوطني" سيئ الصيت من أجل نفي شبهات التعذيب والإخفاء القسري والقتل خارج إطار القانون بعد أن منحه رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الضوء الأخضر لملاحقة ومعاقبة المعارضين والنشطاء.


وأيدت محكمة جنايات القاهرة الجديدة، الخميس، قرار نيابة مدينة نصر ثانٍ بإغلاق التحقيقات في القضية 738 لسنة 2022 المتعلقة بملابسات وفاة الباحث الاقتصادي، أيمن هدهود، كما قضت المحكمة برفض الدعوى المدنية المقامة ضد إدارة مستشفى العباسية للصحة النفسية.


وفي مطلع الشهر الجاري، أصدرت نيابة مدينة نصر ثان قرارًا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في وفاة هدهود، أو ما بات يعرف بريجيني المصري نسبة إلى الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي يتهم ذات الجهاز الأمني بقتله.


وزعمت تحقيقات النيابة أن وفاة هدهود كانت نتيجة "حالة مرضية مزمنة بالقلب"، فيما شككت أسرته في ذلك، حيث تعتقد أنه "قُتل" بعد تعذيبه بشكل قاس وإدخاله مستشفى للصحة العقلية والنفسية جراء التعذيب.

 

اقرأ أيضا: واشنطن تطالب القاهرة بتحقيق "شفاف" في وفاة هدهود

ودفع المحامون في الطعن على قرار النيابة، بحسب موقع مدى مصر (مستقل) بعدم حيادية النيابة العامة في التحقيقات، وإدلائها ببيان صحفي لنفي وجود شبهة جنائية نتجت عنها وفاة هدهود، وذلك قبل الانتهاء من التحقيقات، وكذلك استناد الدفوع إلى انفراد النيابة العامة بالتحقيقات دون إطلاع ذوي هدهود بالمستجدات، وكذلك منعهم من الاطلاع على أوراق القضية، واستناد النيابة العامة إلى رأي طبيبة شرعية واحدة دون غيرها.


وتظهر الصور التي التقطت أثناء تشريح الجثمان آثار تعذيب تظهر في جبين هدهود وأنحاء أخرى من جسده، خلافا لبيان النيابة العامة المصرية، التي استبعدت نهائيا وجود شبهة جنائية في الوفاة التي حدثت في نيسان/ أبريل الماضي.


تواطؤ القضاء


في حين رجحت منظمة العفو الدولية الحقوقية في بيان لها في نيسان/ أبريل الماضي، تعرض الباحث المصري لتعذيب ممنهج، وقالت إن تحقيقها القائم على السجلات الرسمية ومقابلات الشهود والخبراء المستقلين الذين فحصوا صورا مسربة لجثة هدهود، يشير بقوة إلى أنه تعرض للتعذيب أو سوء المعاملة قبل وفاته.


وعلق المنسق العام لحركة قضاة من أجل مصر، المستشار محمد عوض، بالقول: "بالتأكيد هناك تواطؤ واضح في قضية مقتل الباحث أيمن هدهود، فهناك أدلة واضحة من معاينة الجثة أن هناك آثار تعذيب واضحة للعيان من الصور المسربة مما يقطع بأنه تعرض لتعذيب بشع قبل الوفاة فكان يجب على المحكمة أن تندب قاضيا للتحقيق ولا تؤيد قرار النيابة العامة بغلق ملف القضية مما يقطع بالتواطؤ".


وقال لـ"عربي21": "هذا الحكم الذي يهدف إلى غلق قضية مقتل أيمن هدهود لا يعفي الأمن الوطني من المسؤولية لأنها من جرائم القتل والتعذيب التي لا تسقط بالتقادم وستفتح بإذن الله تعالى بعد زوال حكم العسكر ويحكم فيها بالعدل ضد القتلة أيا كان مركزهم".


واستدرك القاضي المصري بالقول: "ما يؤكد ذلك ما كنت أشاهده من خلال عملي في القضاء وخاصة بعد الانقلاب العسكري.. أن القضاء أصبح تابعا بامتياز لتعليمات مباحث أمن الدولة والسلطة العسكرية ولم يعد في مصر قضاء حقيقي يحكم بالعدل في مثل تلك القضايا السياسية والمسيسة".


قضاء في خدمة الأمن


القضاء في مصر أصبح مسيسا ويتلقى أوامره من الأجهزة الأمنية مثل أمن الدولة والمخابرات، هكذا يقول السياسي والحقوقي المصري الدكتور عز الدين الكومي، مضيفا لـ"عربي21" أن الكثير من رجال النيابة والقضاء هم بالأساس ضباط شرطة فالعلاقة بينهما قوية.

 

اقرأ أيضا: وفاة غامضة لباحث مصري تعيد طرح الإخفاء القسري والتصفية

وأوضح أن "قضية هدهود واضحة جدا، فهناك تواطؤ واضح بين الأمن والنيابة والقضاء لإخفاء سبب وفاته، وكل الشهادات والصور تدل على تعرضه للتعذيب، وتنتهي حياة الكثيرين في السجون أو في مراكز الاعتقال عند كتابة تقارير طبية متشابهة ومكررة ويغلق الملف وينتهي الأمر، ولا بواكي لهم ولا حقوق لهم".


وقال الكومي وهو رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى سابقا: "نحن أمام قضاء مسيس وأجهزة أمنية قمعية، وعدالة ضائعة، ومحاكمات هزلية، وقضايا ملفقة ومعلبة تفتقد لأبسط قواعد العدالة وبالتالي فالأحكام معروفة سلفا، وقضية هدهود سوف تنتهي كما انتهت العديد من القضايا ما يدل على انهيار منظومة العدالة في الداخل".


وأشار إلى أن "مصر مدانة في الخارج أمام كل المنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية والأممية، إذن فنحن أمام حالة غريبة وعجيبة من القضاء، وليس أدل على هذا التواطؤ مما يحدث في قضية الناشط علاء عبد الفتاح المسجون والمضرب عن الطعام ولكن الداخلية تنكر ذلك بصور قديمة ومفبركة والنيابة تصدق على هذا الكلام دون إقامة الدليل، للأسف أن القضاء يتم استخدامه عصا للنظام القمعي الديكتاتوري وغطاء شرعيا لممارساته الوحشية مع الشعب والمعارضين".


وفي أيار/ مايو الماضي، طالبت وزارة الخارجية الأمريكية، القاهرة، بتحقيق "شامل وشفاف ويتسم بالمصداقية"، في وفاة هدهود، في مستشفى للأمراض العقلية بعد اعتقاله على يد الأمن المصري.


ولا تزال أمام أسرة هدهود فرصة للطعن على قرار المحكمة أمام محكمة النقض، أعلى هيئة قضائية في البلاد.

التعليقات (0)