أصدرت منظمة
الصحة العالمية نشرة تعريفية
بمرض
جدري القرود الذي سجل عددا من الحالات حول العالم، أثارت هلعا على مواقع
التواصل ومخاوف من وباء جديد رغم تطمينات الجهات الصحية.
وقالت المنظمة في نشرتها إن الفيروس
ينتقل من الحيوانات إلى البشر، وهو مرض نادر يحدث أساسا في المناطق النائية من وسط
أفريقيا وغربها وبالقرب من الغابات الاستوائية.
ولفتت إلى أنه لا يوجد علاج متاح أو
لقاح حالي للمرض الذي تتمثل أغراض إصابته للإنسان بتلك التي كانت تظهر على مرضى الجدري
الذي تم استئصاله في 1980.
وتعود أول إصابة بجدري القرود إلى عام
1970 في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي كانت تعرف باسم "زائير" آنذاك،
لطفل بعمر 9 سنوات، وتم الكشف عن الفيروس عام 1985 بمعهد الأمصال في كوبنهاغن
بالدنمارك.
فاشيات المرض
لقد كُشِف لأول مرّة عن جدري القردة
بين البشر في عام 1970 بجمهورية الكونغو الديمقراطية (المعروفة باسم زائير في
وقتها) لدى صبي عمره 9 سنوات كان يعيش في منطقة استُؤصِل منها الجدري في عام 1968.
وأُبلِغ منذ ذلك الحين عن حدوث معظم الحالات في المناطق الريفية من الغابات
الماطرة الواقعة بحوض نهر الكونغو وغرب أفريقيا، وخصوصاً في جمهورية الكونغو
الديمقراطية التي رُئِي أنها موطونة به، والتي اندلعت فيها فاشية كبرى للمرض في
عامي 1996 و1997.
وأُبلغ في خريف عام 2003 عن وقوع حالات
مؤكّدة من جدري القردة في المنطقة الغربية الوسطى من الولايات المتحدة الأمريكية، ما يشير إلى أنها أولى الحالات المُبلّغ عنها للإصابة بالمرض خارج نطاق القارة
الأفريقية، وتبيّن أن معظم المرضى المصابين به كانوا قد خالطوا كلاب البراري
الأليفة مخالطة حميمة.
واندلعت في عام 2005 فاشية لجدري
القردة في ولاية الوحدة بالسودان وأُبلِغ عن وقوع حالات متفرقة في أجزاء أخرى من
أفريقيا. وفي عام 2009، قامت حملة توعية في أوساط اللاجئين الوافدين من جمهورية
الكونغو الديمقراطية إلى جمهورية الكونغو بتحديد وتأكيد حالتين للإصابة بجدري
القردة، فيما جرى احتواء 26 حالة ووفاتين في إطار اندلاع فاشية أخرى للمرض
بجمهورية أفريقيا الوسطى في الفترة الواقعة بين آب/ أغسطس وتشرين الأول/ أكتوبر
2016.
انتقال المرض
تنجم العدوى بالمرض من الحالات الدالة
عن مخالطة مباشرة لدماء الحيوانات المصابة بعدواه أو لسوائل أجسامها أو آفاتها
الجلدية أو سوائلها المخاطية، وقد وُثِّقت في أفريقيا حالات عدوى نجمت عن مناولة
القردة أو الجرذان الغامبية الضخمة أو السناجب المصابة بعدوى المرض، علماً بأن
القوارض هي المستودع الرئيسي للفيروس. ومن المُحتمل أن يكون تناول اللحوم غير
المطهية جيداً من الحيوانات المصابة بعدوى المرض عامل خطر يرتبط بالإصابة به.
ويمكن أن ينجم انتقال المرض على
المستوى الثانوي أو من إنسان إلى آخر عن المخالطة الحميمة لإفرازات السبيل التنفسي
لشخص مصاب بعدوى المرض أو لآفاته الجلدية أو عن ملامسة أشياء لُوِّثت مؤخراً
بسوائل المريض أو بمواد تسبب الآفات. وينتقل المرض في المقام الأول عن طريق جزيئات
الجهاز التنفسي التي تتخذ شكل قطيرات تستدعي عادةً فترات طويلة من التواصل وجهاً
لوجه، ما يعرّض أفراد الأسرة من الحالات النشطة لخطر الإصابة بعدوى المرض بشكل
كبير. ويمكن أن ينتقل المرض عن طريق التلقيح أو عبر المشيمة (جدري القردة
الخلقي)، ولا توجد حتى الآن أيّة بيّنات تثبت أنّ جدري القردة يمكنه الاستحكام بين
بني البشر بمجرّد انتقاله من شخص إلى آخر.
وحدّدت الدراسات التي أُجرِيت مؤخراً
عن الحيوانات في إطار بحث نموذج انتقال جدري القردة من كلاب البراري إلى الإنسان
طورين مختلفين من الفيروسات – ألا وهما طور فيروسات حوض نهر الكونغو وطور فيروسات
غرب أفريقيا – علماً بأن الطور الأول أشد فوعة.
علامات المر ض وأعراضه
تتراوح فترة حضانة جدري القردة (وهي
الفترة الفاصلة بين مرحلة الإصابة بعدواه ومرحلة ظهور أعراضها) بين 6 أيام و16
يوماً، بيد أنها يمكن أن تتراوح بين 5 أيام و21 يوماً.
ويمكن تقسيم مرحلة العدوى إلى فترتين
كالآتي:
فترة الغزو (صفر يوم و5 أيام)، ومن
سماتها الإصابة بحمى وصداع مبرح وتضخّم العقد اللمفاوية والشعور بآلام في الظهر
وفي العضلات ووهن شديد (فقدان الطاقة).
فترة ظهور الطفح الجلدي (في غضون مدة
تتراوح بين يوم واحد و3 أيام عقب الإصابة بالحمى) والتي تتبلور فيها مختلف مراحل
ظهور الطفح الذي يبدأ على الوجه في أغلب الأحيان ومن ثم ينتشر إلى أجزاء أخرى من
الجسم. ويكون وقع الطفح أشدّ ما يكون على الوجه (في 95% من الحالات) وعلى راحتي
اليدين وأخمصي القدمين (75%). ويتطوّر الطفح في حوالي 10 أيام من حطاطات بقعية
(آفات ذات قواعد مسطّحة) إلى حويصلات (نفاطات صغيرة مملوءة بسائل) وبثرات تليها
جلبات قد يلزمها ثلاثة أسابيع لكي تختفي تماماً.
ويتراوح عدد الآفات بين بضع آفات وعدة
آلاف منها، وهي تصيب أغشية الفم المخاطية (في 70% من الحالات) والأعضاء التناسلية
(30%) وملتحمة العين (20%)، فضلاً عن قرنيتها (مقلة العين).
ويُصاب بعض المرضى بتضخّم وخيم في
العقد اللمفاوية قبل ظهور الطفح، وهي سمة تميّز جدري القردة عن سائر الأمراض
المماثلة.
وعادةً ما يكون جدري القردة مرض محدود
ذاتياً وتدوم أعراضه لفترة تتراوح بين 14 و21 يوماً، ويُصاب الأطفال بحالاته
الشديدة على نحو أكثر شيوعاً بحسب مدى التعرض لفيروسه والوضع الصحي للمريض وشدة
المضاعفات الناجمة عنه.
وقد يبدي الناس الذين يعيشون في مناطق
الغابات أو بالقرب منها مستويات تعرض غير مباشر أو منخفضة للحيوانات المصابة بعدوى
المرض، ومن المُحتمل أن يسفر ذلك عن إصابتهم بعدواه دون السريرية (غير المصحوبة
بأعراض).
ويشهد معدل الإماتة في الحالات تبايناً
كبيراً بين الأوبئة ولكنّ نسبته لا تتجاوز الـ10% في الحالات الموثقة التي تحدث
معظمها فيما بين الأطفال. وعموماً فإن الفئات الأصغر سنّاً هي أكثر حساسية على ما
يبدو للإصابة بجدري القردة.
تشخيص المرض
تشتمل التشخيصات التمايزية التي يجب أن
يُنظر في إجرائها على أمراض أخرى مسببة للطفح، من قبيل الجدري والجدري المائي
والحصبة والتهابات الجلد البكتيرية والجرب والزهري وأنواع الحساسيات الناجمة عن
الأدوية. ويمكن أن يكون تضخّم العقد اللمفاوية خلال مرحلة ظهور بوادر المرض سمة
سريرية تميزه عن الجدري.
ولا يمكن تشخيص جدري القردة بشكل نهائي
إلاّ في المختبر حيث يمكن تشخيص عدوى الفيروس بواسطة عدد من الاختبارات المختلفة
الآتية:
المقايسة المناعية الأنزيمية
اختبار الكشف عن المستضدات
مقايسة تفاعل البوليميراز المتسلسل
عزل الفيروس بواسطة زرع الخلايا
العلاج واللقاح
لا توجد أيّة أدوية أو لقاحات مُحدّدة
متاحة لمكافحة عدوى جدري القردة، ولكن يمكن مكافحة فاشياته. وقد ثبت في الماضي أن
التطعيم ضد الجدري ناجع بنسبة 85% في الوقاية من جدري القردة، غير أن هذا اللقاح
لم يعد متاحاً لعامة الجمهور بعد أن أُوقِف التطعيم به في أعقاب استئصال الجدري من
العالم. ورغم ذلك فإن من المُرجّح أن يفضي التطعيم المسبق ضد الجدري إلى أن يتخذ
المرض مساراً أخف وطأة.
المثوى الطبيعي لفيروس جدري القردة
تبيّن في أفريقيا أن عدوى جدري القردة
تحملها أجناس كثيرة من الحيوانات الآتية: السناجب المخطّطة وسناجب الأشجار
والجرذان الغامبية والفئران المخطّطة والزغبات والمقدمات. ولا تزال هناك شكوك تحيط
بالتاريخ الطبيعي لفيروس جدري القردة ويلزم إجراء المزيد من الدراسات لتحديد
مستودعه بالضبط وكيفية بقائه في الطبيعة.
وثمة من يرى في الولايات المتحدة
الأمريكية أن الفيروس انتقل من حيوانات أفريقية إلى عدد من أجناس الحيوانات غير
الأفريقية الحسّاسة للفيروس (مثل كلاب البراري) التي كانت تشترك معها في المأوى.
الوقاية من المرض
الوقاية من اتساع نطاق انتشار جدري
القردة عن طريق فرض قيود على تجارة الحيوانات قد يسهم في تقييد عمليات نقل الثدييات
الأفريقية الصغيرة والقردة أو فرض حظر على نقلها إسهاماً فعالاً في إبطاء وتيرة
اتساع نطاق انتشار الفيروس إلى خارج أفريقيا.
وينبغي ألا تُطعّم الحيوانات المحبوسة
ضدّ الجدري، بل ينبغي عوضاً عن ذلك عزل تلك التي يُحتمل أن تكون مصابة منها بعدوى
المرض عن الحيوانات الأخرى ووضعها قيد الحجر الصحي فوراً. وينبغي أيضاً وضع جميع
الحيوانات التي قد تخالط أخرى مصابة بعدوى المرض قيد الحجر الصحي ومناولتها في
إطار اتخاذ التحوطات المعيارية وملاحظتها في غضون 30 يوماً من أجل الوقوف على
أعراض إصابتها بجدري القردة.
الحد من خطورة إصابة الناس بعدوى المرض
إن المخالطة الحميمة للمرضى أثناء
اندلاع فاشيات جدري القردة البشري هي من أهمّ عوامل الخطر المرتبطة بالإصابة بعدوى
الفيروس المسبّب للمرض. وفي ظل غياب علاج أو لقاح محدّد لمكافحته، فإن الطريقة
الوحيدة للحد من إصابة الناس بعدواه هي إذكاء الوعي بعوامل الخطر المرتبطة به
وتثقيف الناس بشأن التدابير التي يمكنهم اتخاذها من أجل الحد من معدل التعرّض له.
ولا غنى عن تدابير الترصد والإسراع في تشخيص الحالات الجديدة من أجل احتواء
الفاشيات.
وينبغي أن تركزّ رسائل التثقيف بشؤون
الصحة العمومية على الحد من الخطرين الآتيين:
الحد من خطر انتقال العدوى من إنسان
إلى آخر. ينبغي تجنّب المخالطة الجسدية الحميمة للمصابين بعدوى جدري القردة، ولا بد
من ارتداء قفازات ومعدات حماية عند الاعتناء بالمرضى، كما أنه ينبغي الحرص على غسل
اليدين بانتظام عقب الاعتناء بهم أو زيارتهم.
الحد من خطر انتقال المرض من الحيوانات
إلى البشر. ينبغي أن تركّز الجهود المبذولة للوقاية من انتقال الفيروس في البلدان
الموطونة به على طهي كل المنتجات الحيوانية (الدم واللحوم) بشكل جيّد قبل أكلها، وينبغي ارتداء قفازات وغيرها من ملابس الحماية المناسبة عند مناولة الحيوانات
المريضة أو أنسجتها الحاملة للعدوى وأثناء ممارسات ذبحها.
مكافحة العدوى في مرافق الرعاية الصحية
ينبغي أن يطبق العاملون الصحيون
التحوطات المعيارية في مجال مكافحة العدوى عندما يعتنون بمرضى مصابين بعدوى يُشتبه
فيها أو مؤكدة من فيروس جدري القردة، أو يتناولون عيّنات تُجمع من أولئك المرضى.
ولا بد أن ينظر العاملون الصحيون
والمعنيون بعلاج المرضى المصابين بجدري القردة أو الأفراد الذين يتعرّضون لهم أو
لعيّنات تُجمع منهم، في إمكانية حصولهم على تطعيم ضدّ الجدري من سلطاتهم الصحية
الوطنية، على أنه ينبغي ألا تُعطى لقاحات الجدري القديمة لمن يعانون من ضعف في
أجهزتهم المناعية.
وينبغي أن يتولى موظفون مدرّبون يعملون
في مختبرات مجهّزة بالمعدات المناسبة عملية مناولة العيّنات التي تُجمع من أشخاص
يُشتبه في إصابتهم بعدوى فيروس جدري القردة ومن حيوانات يُشتبه في إصابتها بها.