هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
جاء في تصريح للمدير العام لشركة "سوناطراك" الجزائرية توفيق حكار، بداية شهر نيسان/ أبريل الجاري، أنه "منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، فقد انفجرت أسعار الغاز والبترول. وقد قررت الجزائر الإبقاء على الأسعار التعاقدية الملائمة نسبيا مع جميع زبائنها. غير أنه لا يستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الإسباني".
وتزامن هذا التصريح مع انخفاض في مستوى إمدادات الجزائر من الغاز الطبيعي تجاه إسبانيا، وكانت صحيفة "أوكي دياريو" الإسبانية ذكرت أن حجم إيرادات الغاز الطبيعي الجزائري نحو إسبانيا قد انخفضت بشكل كبير وأن الموانئ الإسبانية لم تستقبل سفينة غاز طبيعي واحدة من الجزائر في الأشهر الأخيرة.
وفي نفس السياق قالت الصحيفة الإسبانية إن مدريد باتت تعتمد على استيراد الغاز من الولايات المتحدة بشكل أكبر من الغاز الجزائري.
أصل المشكل
وأعلنت الجزائر في تشرين الأول/ نوفمبر الماضي عن عدم تجديد عقد إمداد إسبانيا بالغاز عبر المغرب، وأكدت أن ذلك لن يؤثر في حجم الإمدادات وأنها ستعوض ذلك من خلال الرفع في حجم ضخ الغاز عبر الخط البحري الذي يربط الجزائر بإسبانيا مباشرة "ميدغاز" والذي تشترك في ملكيته كل من "سوناطراك" الجزائرية بنسبة 51 بالمئة، وشركة "ناتورجي" الإسبانية 49 بالمئة، فيما يؤمن "ميدغاز" تصدير 10.7 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز الجزائري إلى إسبانيا، مع إمكان زيادتها إلى 16 مليار متر مكعب إذا تطلب الأمر.
ويأتي التخفيض الحاصل إثر الموقف الإسباني الجديد من قضية الصحراء الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، حيث أعلنت مدريد الجمعة 18 آذار/ مارس 2022 عن تغير جذري في الموقف الإسباني من قضية الصحراء، حيث جاء في بيان أصدره الديوان الملكي المغربي بالمناسبة، أن رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز أكد في رسالة إلى الملك المغربي محمد السادس أنه "يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب"، وأن إسبانيا تعتبر"مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف".
ويربط عديد المتابعين بين تخفيض إمدادات الغاز الجزائري نحو إسبانيا بموقف الأخيرة من قضية الصحراء، وهو ما أكده الباحث في العلوم السياسية من جامعة أم البواقي الجزائرية عمار سيغة لـ"عربي21"، قائلا: "قرار الجزائر تخفيض إمدادات الغاز إلى إسبانيا والترفيع في سعره هو نتيجة مواقف رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز من قضية الصحراء الغربية".
وأضاف سيغة أن "الحكومة الإسبانية هي التي اتخذت خطوات تصعيدية لم تراع موقف الشرعية الدولية وتتحمل مسؤولية نتائجه".
وفي نفس السياق، قال عمر روابحي أستاذ القانون الدولي والباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط أورسام بإسطنبول لـ"عربي21" إن "الموقف الجزائري يعتبر ردا طبيعيا على تغير موقف إسبانيا من قضية الصحراء الذي قرأته السلط الجزائرية على أنه جاء بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الضغط على الجزائر باعتبارها حليفا استراتيجيا لروسيا، باعتبارها الطرف العربي القوي الذي لا يزال يقاوم موجة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني لحد الآن".
ويفسر الدكتور هذه القراءة بالبرودة التي استُقبل بها وزير الخارجية الأمريكي عند زيارته الأخيرة للجزائر، حيث لم يكن في انتظاره لدى وصوله إلى مطار الجزائر أي مسؤول جزائري، بحسب قوله.
وذكر أن الجزائر استدعت سفيرها في مدريد احتجاجا على "انقلاب الموقف الإسباني"، وربطت مسألة عودة السفير بتقديم إسبانيا توضيحات حول موقفها الجديد.
وتعتبر الجزائر ملف الصحراء قضية تصفية استعمار وتدعم جبهة البوليساريو المطالبة باستقلال منطقة الصحراء عن المغرب.
من الخاسر؟
ويطرح السؤال "من الخاسر" بين الجزائر ومدريد جراء تداعيات التغير الحاصل في مستوى حجم المبيعات من الغاز الطبيعي، خاصة أن الجزائر كانت توفر في حدود 45 بالمائة من حاجيات إسبانيا؟
واتجهت إسبانيا إلى بحث إمكانية تعويض الغاز الجزائري بالغاز الأمريكي، وفي هذا الصدد قال الخبير الجزائري عمار سيغة: "صحيح أن السوق الإسبانية مهمة بالنسبة للجزائر، ولكن يمكن تعويضها بسوق أخرى في ظل الطلب المتزايد على هذه المادة عالميا".
وأضاف سيغة أنه "عقب زيارة رئيس الحكومة الإيطالية إلى الجزائر، تقرر إبرام عقود لزيادة ضخ كميات كبيرة من الغاز إلى إيطاليا عبر الأنبوب الرابط بين البلدين، والذي تزيد طاقته الإجمالية على 31 مليار متر مكعب".
واعتبر الباحث في الشؤون السياسية والأمنية الجزائري أن بلاده "تعمل في هذا الوقت على إعادة ترتيب أوراق سياستها الطاقوية تجاه دول أوروبا كل على حدة، بحسب المواقف المتخذة من ملف الصحراء الغربية. فما دامت الحكومة الإيطالية ما فتئت تتمسّك بالشرعية الدولية في الصحراء الغربية، فإن من المنطقي أن تعطي الجزائر الآن الأولوية لعلاقتها مع إيطاليا على علاقاتها مع إسبانيا".
أما في مستوى تداعيات الأزمة على إسبانيا، فقال سيغة إن "عواقب هذه الأزمة ستكون سلبية على الطموحات الاستراتيجية لإسبانيا، التي كانت تسعى لتصبح مركزا لنقل الغاز الطبيعي إلى بقية أوروبا انطلاقا من امتلاكها محطات هامة للغاز".
تداعيات أخرى
من المنتظر أن تزيد الأزمة الجزائرية-الإسبانية وتأخذ أبعادا دبلوماسية واقتصادية وأمنية أخرى، خاصة أن الجزائر أكدت في تصريح المبعوث الخاص المكلف بقضية الصحراء الغربية ودول المغرب العربي في وزارة الخارجية الجزائرية، عمار بلاني، أن "غضبها ليس مسألة وقت وسيزول كما يأمل رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز".
وبالإضافة إلى الاضطرابات في مستوى إمدادات الغاز، فإن هذه الأزمة تؤثر في مستوى المبادلات التجارية بين البلدين.
اقرأ أيضا: تجدد التصعيد بين المغرب والجزائر.. ما احتمالية الحرب؟
وفي هذا الصدد، قال أستاذ القانون الدولي عمر الروابحي لـ"عربي21" إن "الأزمة لن تتوقف عند صادرات الغاز بل تتعداها إلى بقية المبادلات التجارية التي تجاوزت الأربعة مليارات دولار سنة 2019".
وفي الأشهر التسعة الأولى لـ2020، بلغ حجم المعاملات بين الجزائر وإسبانيا 6.3 بالمئة من قيمة الواردات الإجمالية إلى الجزائر، والمقدرة بـ25 مليار دولار و9 بالمئة من قيمة الصادرات الجزائرية الاجمالية المقدرة بـ18 مليار دولار، فيما تعتبر إسبانيا المصدر الخامس والمستورد الثالث للسلع الجزائرية عالميا.
وقد يكون للأزمة تداعيات أمنية في مستوى تدفقات الهجرة غير الشرعية، حيث من المنتظر أن تلعب الجزائر ورقة التساهل في مستوى مراقبة الحدود البحرية مع إسبانيا وفق المعارض الجزائري محمد العربي زيتوت.