مقالات مختارة

لبنان وملوك الطوائف

أسامة غريب
1300x600
1300x600

في وثيقة الوفاق الوطني أو ما عُرف باتفاق الطائف (1990) الذي تلا توقف البنادق ونهاية الحرب الأهلية اللبنانية، جاء في البند رقم خمسة: إلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقا للقواعد الآتية:


أ- بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.

 

ب- نسبيا بين طوائف كل من الفئتين.

ج- نسبيا بين المناطق.

 

كما أن البند رقم سبعة في الوثيقة نفسها، كان نصه كالتالي: مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يستحدث مجلسا للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحياته فى القضايا المصيرية.

معلوم للجميع طبعا أن مرور كل هذه السنين، لم يؤد إلى أن يقوم مجلس النواب بوضع قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، ومن ثم لم يظهر مجلس الشيوخ. ويبدو أن جميع الشركاء أو الفرقاء في الوطن اللبناني قد استناموا إلى الصيغة الطائفية، ولم يعودوا يفكرون في تجاوزها حتى لا يخسروا الدعم الخارجي الذي يصل إلى كل منهم، ومعروف أن الطائفية وبقاءها شرط ضرورى لوصول هذا الدعم!

ونظرا إلى تغلغل الطائفية في النفوس وترجمتها إلى نظام المحاصصة في كل شيء، فإن شعور المواطن بالانتماء إلى الدولة اللبنانية ضعيف للغاية، والضعف نفسه يعتري نظرة المواطن إلى مؤسسات دولته؛ لأنه اعتاد أن الطائفة هي التي تحميه وتوفر له الرعاية والوظيفة والعلاج.. الطائفة لا الدولة. هذا لا ينفي أن جهودا قد بُذلت عقب الحرب الأهلية لجعل المواطنين يتزحزحون بعيدا عن قواعدهم الطائفية، ويسكنون في أحياء (الآخرين) حتى يتم مع الوقت الامتزاج بالاعتياد والجيرة والشراكة في الخدمات، وهناك بالفعل من استجابوا وانتقلوا للسكنى في أحياء جديدة بعيدا عن حماية الطائفة.

من ضمن الذين استجابوا لدواعي التسامح والجيرة وحب الآخر المختلف، السيدة مريم فرحات المسلمة الشيعية التي انتقلت مع عائلتها وسكنت في عين الرمانة، وهي منطقة يغلب عليها الوجود المسيحي. ومن المؤسف أن مريم قد تلقت رصاصة في الرأس من أحد القناصة، بينما كانت تقف في بلكونتها تراقب عودة أبنائها من المدرسة، وذلك يوم الخميس 14 تشرين الأول/أكتوبر ضمن أحداث جريمة الطيونة، وكانت من ضمن ضحايا مسلحي حزب القوات اللبنانية، وما يثير الأسى بالنسبة إلى مريم، أنها لم تكن ضمن المتظاهرين في الشارع، ولا بد أن من قنصها هو أحد الجيران من الذين يملأ الحقد قلوبهم ضد أي مختلف.

في الكلمة التي ألقاها السيد حسن نصر الله قبل يومين تعليقا على الجريمة، أشار إلى «أننا لم نتخذ إجراءات أمنية ووقائية يوم التظاهر بسبب حساسية المنطقة»، مضيفا؛ «أننا سلمنا رقابنا ودماءنا إلى الجيش والدولة اللبنانية». وفي ظني أن هذه الثقة التي جعلت حزب الله وحركة أمل يرسلان المتظاهرين السلميين في حماية الدولة، قد اهتزت بشدة؛ خاصة بعد ثبوت ضلوع أحد الجنود في إطلاق النار على المتظاهرين وتوثيق ذلك بالفيديو.

ويبدو أن نصرة الطائفة قد تغلبت على أداء الواجب الوطني لدى هذا الجندي الذي كان مكلفا بحماية المتظاهرين! لن ينجو لبنان إلا بتعديل اتفاق الطائف وبناء الوطن على أسس جديدة.. لكن هل يقبل ملوك الطوائف؟!

 

نقلا عن (المصري اليوم)

0
التعليقات (0)