هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يبرز الاقتصاد الموازي في الجزائر كمعضلة أرّقت السلطات، وفشلت حكومات متعاقبة في إيجاد حل لها، بعد أن بلغت مستويات قياسية وأسست للتعامل بـ"أكياس الأموال" المعروفة محليا بـ"الشكارة" بعيدا عن المعاملات البنكية الرسمية.
ويتجلى الاقتصاد الموازي في الجزائر في ثلاثة مظاهر رئيسية، الأول نشاط آلاف التجار وحتى رجال أعمال خارج الأطر الرسمية، ودون تصريح لدى السلطات، ولا هيئة الضرائب ودون اشتراطات في صندوق التقاعد والضمان الاجتماعي.
أما المظهر الثاني، فهو ظاهرة خزن أموال ضخمة خارج البنوك والمؤسسات المصرفية، أو ما يعرف محليا بـ"الشكارة".
ومصطلح "الشكارة"، هو أكياس الأموال؛ وظهر المصطلح إبان العشرية السوداء (تسعينيات القرن الماضي)، للدلالة على استعمال مبالغ مالية كبيرة تعبأ في أكياس للدفع نقدا بعيدًا عن المعاملات البنكية.
والمظهر الثالث هو السوق الموازية للعملة الصعبة (النقد الأجنبي)، وينتشر نشاط صرف العملات الأجنبية في السوق الموازية التي تقدم أسعارا مغرية مقارنة بالمعاملات الرسمية في البنوك.
وبلغ سعر الدولار 175 في سوق "سكوار بور سعيد" الشهير بقلب العاصمة لصرف العملات الأجنبية، في حين وصل "اليورو" إلى 213 دينارا لكل واحد يورو.
اقرأ أيضا: غلاء وبطالة وإضرابات.. هل تواجه الجزائر أزمة اجتماعية؟
ويلاحظ يوميا إقبال المئات من المواطنين الراغبين في بيع النقد الأجنبي أو شرائه من سوق "سكوار بور سعيد" بقلب العاصمة، كما تتواجد أسواق مشابهة له في كل المدن الجزائرية دون استثناء.
ووفق بيانات بنك الجزائر (المركزي) فإن السعر الرسمي لصرف 1 دولار خلال أكتوبر الجاري بلغت 137 دينارا (175 في السوق الموازية)، و158 دينارا للعملة الأوروبية الموحدة اليورو (213 في السوق الموازية).
ومنذ سنوات، تقول الحكومة إنها تدرس اعتماد مكاتب صرف رسمية للعملات (النقد) الأجنبي، لكن المشروع بقي "حبرا على ورق" ولم يجسد إلى الآن.
75 مليار دولار
وقبل أيام، قدّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حجم الاقتصاد الموازي في البلاد (خارج النظام المالي الرسمي) بنحو 10 تريليونات دينار، ما يعادل 75 مليار دولار.
جاء ذلك، خلال كلمة للرئيس تبون، لمناسبة تنصيب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي (هيئة استشارية تابعة للرئاسة).
وذكر تبون خلال نشاط له بالعاصمة نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي بالقول: "لا أحد ينكر وجود أموال ضخمة متداولة في السوق الموازية، رغم أنه لا توجد أرقام رسمية ولا تملك أية هيئة لحد الآن إحصائيات دقيقة".
واستدرك قائلا: "تقديراتنا تشير إلى وجود نحو 10 آلاف مليار دينار في السوق الموازية ما يعادل 75 مليار دولار.. نعلم أن هناك أموالا كبيرة مخبأة (في إشارة للسوق الموازية) ويجب أن تخرج وتمول الاقتصاد".
ومنذ سنوات يقدر خبراء ومتابعون حجم الاقتصاد الموازي في الجزائر ما بين 40 و60 مليار دولار.
وفشلت محاولات سابقة خلال عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999- 2019)، في احتواء كتلة الأموال المتداولة في السوق الموازية.
ففي عام 2016، أطلقت الحكومة الجزائرية سندات خزانة لم تتمكن من استقطاب سوى 5 مليارات دولار فقط، ورفضت على نطاق واسع بسبب فوائدها الربوية.
اقرأ أيضا: هل تجذب الصيرفة الإسلامية أموال الجزائريين للبنوك؟
كما لم تفلح مساع حكومية لإدراج الصيرفة الإسلامية كوسيلة لاستقطاب الأموال المتداولة في السوق الموازية، وبقي الاعتماد عليها في تمويلات محدودة أغلبها استهلاكي.
سنوات الإرهاب
في السياق، يرى المدير العام الأسبق للرقابة وقمع الغش بوزارة التجارة عبد الحميد بوكحنون، في حديث للأناضول، أن السوق الموازية في الجزائر شهدت رواجا كبيرا نهاية التسعينيات، بالتوازي مع الوضعية الاقتصادية والاجتماعية السيئة الناتجة عن سنوات الإرهاب.
وأوضح بوكحنون، أن تحرير التجارة الخارجية وفتح مجال الاستيراد على مصراعيه، تسبب أيضا في انتشار السوق الموازية، دون أن تكون هنالك آليات للضبط ووسائل الرقابة الكافية لكبح ومحاربة الممارسات التجارية غير الشرعية.
وبعد أكثر من عشرين سنة، أصبح الاقتصاد الموازي في البلاد سيد الموقف، سواء كان ذلك في مجال التعاملات البنكية وبيع وشراء العملة الصعبة (النقد الأجنبي)، أو الممارسات التجارية التي تتم في غالبيتها بطرق غير شفافة.
حلول ممكنة
من جهته، يرى المحلل الاقتصادي والخبير السابق لدى البنك الدولي محمد أحميدوش، أن التقليل من سطوة السوق الموازية في الجزائر، ممكن، شريطة تطبيق حلول اقتصادية وليس التسيير بقرارات إدارية.
وأوضح حميدوش، أن مشكلة السوق الموازية للعملة يجب أولا العمل على تحرير سعر الدينار، وجعل تداوله يتم وفق قيمته الحقيقية الاقتصادية وليس الإدارية.
وأوضح المتحدث أن غياب مكاتب الصرف المعتمدة في الجزائر، رغم وجود نصوص قانونية بشأنها، يعود لهذه الأسباب المتعلقة بجعل تداول الدينار يتم بسعره الحقيقي وليس الإداري.