كتاب عربي 21

عن الطبيب الكاتب و"عامان من العزلة" في ظل "كورونا"

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

بعنوان: "عامان من العزلة.. مآلات الجائحة"؛ صدر كتاب جديد ولافت للكاتب الطبيب، والطبيب الكاتب عاصم منصور، وذلك عن "معهد السياسة والمجتمع"، و"الأهلية للنشر والتوزيع" في عمّان.


في العادة لا يبدو من السهل التعامل مع كتاب، هو في معظم مضمونه مجموعة من المقالات المنشورة خلال فترة من الفترات، لكن الأمر يبدو مختلفا حين تتعلق جميعها بحدث كبير ومفصلي لم تعرف له البشرية مثيلا منذ قرن كامل، كما هو حال جائحة "كورونا".

 

ما يمنح الكتاب قدرا كبيرا من الأهمية أيضا، هو عدم اقتصاره على يوميات الحدث أو فصوله التي تابعها بدقة وشمولية


والنتيجة أنه يركّز على فترة فارقة وبالغة الأهمية من حياة البشرية، حيث لم تعش الأجيال الحالية شيئا مشابها، فيما قرأ بعضها عن "الانفلونزا الإسبانية" في العام 1918، مع فارق أن الأخيرة لم تشمل العالم كله، كما هو حال "كورونا" الذي وصل كل مكان تقريبا.


سيتحدث البعض عن جوائح أخرى لا ينساها الكتاب؛ قبل وبعد "الانفلونزا الإسبانية"، لكن ما بعد الأخيرة وقبل "كورونا"، لم تكن له بذات الحضور والتأثير، وزاد تأثيرها تبعا لمجيئها في ظل ثورة الاتصالات وزمن مواقع التواصل.


وما يمنح الكتاب قدرا كبيرا من الأهمية أيضا، هو عدم اقتصاره على يوميات الحدث أو فصوله التي تابعها بدقة وشمولية؛ وبعيدا عن الانطباعية والإنشائية التي تسم كثيرا من المقالات الصحفية، ووصوله إلى ما هو أعمق في التعاطي مع الجائحة وفصولها وتبعاتها وتداعياتها. وحتى حين كان يمرّ على ما جرى في السياق المحلي الأردني من حيث تقييم التعاطي مع الجائحة، فقد كان يضع الأمر في سياق أكثر عمقا وشمولا، من حيث طرح أسئلة الحاضر والمستقبل في آن، أعني في التعامل مع الملف الصحي الذي يمثّل مسألة حيوية في حياة البشر والدول، ناهيك عن قراءة تجارب الآخرين في التعامل مع الجائحة، وفي مقدمتها "المثال الصيني"، فضلا عن أمثلة أخرى عديدة.

 

الكتاب يعالج الأمر في سياقه العالمي أيضا، من حيث فضح الجائحة لأمراض المنظومة العالمية وصراعاتها، وفي مقدمتها الفجوة بين الأغنياء والفقراء


من النادر أن تعثر على مثل هذه المقاربات في الصحافة العربية، أعني تلك التي تجمع بين الطبي والفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، بل وحتى النفسي أيضا، الأمر الذي يحتاج لثقافة شمولية تجدها واضحة عند صاحب الكتاب الذي يستثمر حديث الجائحة ليكشف الكثير من أمراض مجتمعاتنا وحكوماتنا؛ إن كان في السياقات الطبية والصحية، أم على صعيد الفشل الحكومي المزمن ومنظومات الفساد، أم أنماط التفكير المجتمعي حيال الأحداث الكبرى، كما هو الحال فيما يتعلق بنظرية المؤامرة التي شاعت خلال الجائحة، وصارت وباءً من نوع آخر يهدد صحة المجتمع الجسدية والنفسية في آن، بخاصة حين تجاوز مسألة الاعتراف بوجود الجائحة، إلى التشكيك بطرائق التعامل معها، وصولا إلى تقبّل المطاعيم التي تحاصرها.


وفي حين قد يبدو التعامل مع تفاصيل الجائحة والتعامل معها في البعد المحلي؛ أقل أهمية، تبعا لظهور النتائج على الأرض، من إصابات محدودة تمت مواجهتها بإجراءات أصابت الاقتصاد ومعيشة الناس على نحو لافت، إلا أن الأمر ليس كذلك، لأنه يرسم معالم للتعامل مع الشأن الصحي برمته في المستقبل، لا سيما أن أحدا لا يمكنه الحديث عن نهاية حتمية قريبة للجائحة، في ذات الوقت الذي لا يضمن ظهور جوائح أخرى مستقبلا (دعك هنا من التبعات المدمّرة للتغير المناخي)، فضلا عن صلة الأمر بمنظومة صحية متكاملة، بل وإدارية أكثر شمولا؛ إذا أخفقت هنا، فستخفق هناك.


والكتاب يعالج الأمر في سياقه العالمي أيضا، من حيث فضح الجائحة لأمراض المنظومة العالمية وصراعاتها، وفي مقدمتها الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وقضايا التمييز العنصري، وسوى ذلك.


الكتاب جميل، وهو؛ وإن بدا من اللون الخفيف الذي لا يثقل على القارئ، إلا أن فيه الكثير من العمق في الطرح والغنى في المعلومات العلمية والتاريخية والثقافية، بجانب اللغة الجميلة، وكل ذلك يبدو نادرا في المقالات التقليدية التي تركّز غالبا على ما هو عابر، من دون أن تمنحك مادة ذات قيمة كبيرة على صعيد الربط بين الماضي والحاضر، بجانب الربط بين الأبعاد الثقافية والاجتماعية والطبية والسياسية في آن.


إنه لون من الكتابة لا يتوفّر بكثرة؛ لا في الصحافة، ولا في الإصدارات التقليدية، ما يجعل الكتاب جميلا ويستحق القراءة، بخاصة بعد التصنيف الموفق الذي وُضعت فيه المقالات، والذي يمنح القارئ سلاسة في الانتقال من ملف إلى آخر، ومن مرحلة إلى أخرى من مراحل الجائحة؛ محمولا على مادة علمية وثقافية ليس من السهل العثور عليها بهذا المستوى من العمق.


قيل الكثير عن "كورونا"، وحدث اشتباك عجيب وتناقضات لا تحصى في سياق توصيفه والتعامل معه، ومع تداعياته على كل مختلف الصعد، وما من شك أن لهذا الكتاب مكان في هذا السياق، وذلك نظرا لشموليته في قراءة الجائحة وأسئلتها وتداعياتها على كل صعيد.


فاصل: في العام 1947؛ صدرت رواية "الطاعون" للكاتب الفرنسي الشهير "ألبير كامو"، وذلك بعد 29 عاما على جائحة "الإنفلونزا الإسبانية" (1918).

 

خلال العامين الماضيين قرأها الملايين في العالم بلغات شتى، تبعا لتشابه الحالة والأحداث. في ظنّي أن أجيالا قادمة، ستجد في هذا الكتاب ما يعينها على فهم ما جرى؛ وإن لم يكن هدف الكاتب هو التأريخ، مع أننا لا نتمنى لتلك الأجيال أن تعيش جوائج أخرى؛ لا أسوأ ولا أقل سوءا.

 


التعليقات (2)
محلل سياسي متواضع
الخميس، 23-09-2021 04:31 م
كنت في الماضي البعيد ، أصف من هم في سلطة ما في بلد ما بأنهم "حكاماً " فتعلمت من أحد العلماء الأفاضل بأن الوصف الأدق لهم هو "متحكمون " لأن الأصل فيمن يحكم الناس أن يتحلى بالحكمة حتى يتقن رعاية شؤونهم و تدبير أمورهم أما من يتحكم بالناس الآن فهذا لا يوجد عليه شرط الحكمة قبل أن يحتل منصبه بل قد تكون صفات التفاهة و السفاهة هي من أوصلته إلى منصبه و هذا أمر ملاحظ في غالبية بلدان العالم حالياً و الأمثلة عديدة . كثيرون من البشر ، و منهم المتحكمون ، يظنون أن اكتساب القوة المادية يعطي ضمانات للعلو في الأرض و الاستكبار فيها و تكون عملية الاكتساب في ثلاثة أمور أساسية بالنسبة لهم : تكديس الأموال ، تعظيم القوات "الباطشة" ، و تجميع المعلومات . لكن تعلمنا من رب العالمين ما يفيد بتفنيد الاعتماد "الكلي" على ذلك : (الذي جمع مالا وعدده * يحسب أن ماله أخلده) ، (وَظَنُّو?ا? أَنَّهُم مَّانِعَتُهُم? حُصُونُهُم مِّنَ ?للَّهِ فَأَتَى?هُمُ ?للَّهُ مِن? حَي?ثُ لَم? يَح?تَسِبُوا? وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ?لرُّع?بَ? ...) ، (... وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا) ، ? وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ?. الحاصل أن أنظمة التحكم ، على مستوى العالم ، قامت بالتركيز على تقوية بلدانها من خلال الاقتصاد و الجيش و المخابرات و هذه التقوية ، بالطبع ، ستكون على حساب قطاعات أخرى مهمة جداً للإنسان مثل جودة التعليم بشقيه المدرسي و الجامعي و العناية الفائقة بصحة الإنسان العامة و الخاصة. جاءت جائحة كورونا من دون سابق إنذار لتكتسح العالم كله و حصدت ما يقارب من خمسة ملايين إنسان - و الأعداد في زيادة - و ضربت عدة قطاعات حياتية بضربات مؤلمة موجعة . كمحلل سياسي بسيط ، تابعت أداء المتحكمين حول العالم و كيفية إدارتهم للأزمة و خططهم لمعالجة المشكلة المتفاقمة . كلهم فاشلون و لكن مع تفاوت في درجات الفشل و كلهم كانوا باعة أوهام و أماني مع اختلاف أيضاً في الدرجات . لقد بات العالم كله بحاجة إلى تغيير و خاصة في دوائر من يتحكمون بالناس فهؤلاء ليسو فاشلين فقط و إنما أيضاً مستبدون تافهون . أنصح كثيراً بقراءة كتاب “نظام التفاهة” (Mediocratie) لمؤلفه الفيلسوف الكندي المعاصر "ألان دونو" ، و لحسن الحظ أن إحدى الأخوات ، دكتورة من الكويت العزيزة ، ترجمته للعربية و هو موجود في الانترنت و بالإمكان تنزيله . أحد أقوال دونو الرائعة في الكتاب “ربح التافهون الحرب، وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه”. يا ليته قال: و باتوا يتحكمون فيه .
سهام النبر
الخميس، 23-09-2021 01:24 م
محظوظ من يقرأ كتاب الدكتور عاصم الأنسان قبل ان يكون حكيم او كاتب .