صحافة دولية

NYT: "ولد صلاحي" شاهد على حقبة التعذيب بعد 11 سبتمبر

بعد عقدين على الهجمات يظل إرث التعذيب بالنسبة لصلاحي والولايات المتحدة معقدا ومتعدد الوجوه- ا ف ب
بعد عقدين على الهجمات يظل إرث التعذيب بالنسبة لصلاحي والولايات المتحدة معقدا ومتعدد الوجوه- ا ف ب

قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن المعتقل السابق في غوانتانامو، الموريتاني محمد ولد صلاحي، هو شاهد على إرث التعذيب الأمريكي في مرحلة ما بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر ولا تزال الولايات المتحدة تعاني من تداعيات التحقيقات الوحشية التي قامت بها باسم الأمن القومي.

وأشارت كارول روزنبيرغ إلى أن صلاحي دقيق في التفاصيل عندما يتحدث عن التعذيب الذي عاناه صيف 2003 في معتقل غوانتانامو.

وقال: "كان هناك حرس خوفوه وهاجموه بالكلاب وضربوه ضربا مبرحا حتى كسروا أضلاعه. وقام الجنود بتقييده وأزعجوه بموسيقى روك عالية وأعموا عينيه بالأضواء الساطعة وأغرقوه بالماء المثلج وحرموه في النهاية من النوم لعدة أشهر. وعزلوه بشكل خدر عقله بعيدا عن القرآن. وعملت الحارسات على التحرش به ولمس أعضائه الجنسية للاستهزاء بدينه والتزامه الديني".

وتحمل صلاحي كل هذا ولكن ما لم يتحمله هو المحقق الذي حاول أن يهدده وطلب منه الاعتراف بالتواطؤ في الهجمات الإرهابية، وقال مهددا: "إن لم تعترف فسنقوم بخطف أمك واغتصابها". ويعلق صلاحي قائلا: "أتذكر أنني قلت لهم: هذا ليس عدلا، هذا ليس عدلا"، ورد المحقق: "أنا لا أبحث عن العدالة أنا أبحث عن طرق لمنع الطائرات من ضرب البنايات في بلدي"، ورد صلاحي: "أنت بحاجة إلى اعتقال هؤلاء وليس أنا".

واليوم يعيش صلاحي، 50 عاما، حرا في بلده موريتانيا بعدما قضى 15 عاما في المعتقل، عاش الجزء الأول تحت التهديد والحكم عليه بالإعدام وأفرج عنه في النهاية عام 2016، بدون توجيه تهم له وسحب الاعتراف الذي أجبر عليه، ولم يرض القاضي الدعوى التي قدمها ممثل الادعاء ضده لأنها لا تستحق النظر فيها، وبسبب الوحشية في التحقيق والتعذيب.

وقال صلاحي: "كنت ساذجا ولم أفهم طريقة عمل القانون الأمريكي".

وبعد عقدين على الهجمات يظل إرث التعذيب بالنسبة لصلاحي والولايات المتحدة معقدا ومتعدد الوجوه، ففي المرحلة بعد 11 أيلول/ سبتمبر قررت إدارة جورج التخلي عن القيود الأخلاقية باسم الأمن القومي. وتوقفت الولايات المتحدة عن استخدام أسلوب التعذيب المعزز في التحقيق مع المشتبه بهم بعدما أثبتت الدراسات أنه أسلوب عبثي أو أنه يترك آثارا وتداعيات سلبية، سواء في السجون "السرية/ السوداء" التي أدارتها "سي آي إيه" أو في معتقل غوانتانامو. ومع ذلك فاللجوء إلى أسلوب التعذيب وبموافقة الحكومة لا يزال لطخة تشوه سمعة البلد وقد قوضت سلطتها لمواجهة الاضطهاد في أماكن أخرى.

وحتى اليوم، فإن هناك مخاطر على مسؤولين في إدارة بوش من السفر إلى أوروبا وإمكانية تعرضهم للمساءلة بناء على ميثاق الأمم المتحدة ضد التعذيب.

وذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول لقاء له مع الرئيس جوزيف بايدن في حزيران/ يونيو، الصحفيين بأن معتقل غوانتانامو لا يزال مفتوحا وأن "سي آي إيه" مارست التعذيب "هل هذه حقوق إنسان؟"، تساءل.

وتعلق الصحيفة بأن مسألة التعذيب عقدت من جهود محاكمة الخمسة المتهمين بالتآمر في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر وتقديمهم للعدالة. وتقول أديل ويلتي، التي توفي ابنها الذي كان يعمل بالإطفائية أثناء جهود مواجهة الحريق في نيويورك يوم الهجوم: "كان هناك تعذيب". وتساءلت عن ما إذا كانت اللجان العسكرية في غوانتانامو قادرة على تحقيق العدالة و"حقيقة أن بلدي قام بهذا هو بربرية، وهو ما يزعجني" و"أي ناس نحن عندما قمنا بعمل هذا ضد إنسان آخر، وهل كنا نعتقد أن ما كانوا يقولونه تحت التعذيب هو الحقيقة، أم أنهم كانوا يقولون هذا لوقف التعذيب؟".

ويقول ستيورات كاوتش، محامي الاتهام في البحرية والذي كانت مهمته هي تقديم صلاحي إلى المحاكمة، ولكنه رفض عندما علم بما فعله الجيش له، إن الولايات المتحدة لا تزال تعاني مما وصفها "آثار جاك باور"، وهو اعتقاد أنك تستطيع استخراج اعتراف من المشتبه به وتنهي القضية وتظهر بطلا كنجم المسلسل التلفزيوني "24" الذي بث على قناة فوكس في 2001.

وعانى صلاحي من هذا الفهم الخاطئ، مع أنه حقق مستوى من الشهرة، وتم تحويل مذكراته "يوميات غوانتانامو" إلى فيلم بعنوان "الموريتاني". وفي الوقت الذي يمنع فيه من السفر بسبب عدم حصوله على تأشيرات إلا أنه زار في الفترة الأخيرة لندن وشارك في مهرجان أدبي وأعد له مخرج الفيلم كيفن ماكدونالد حفل استقبال.

ودرس صلاحي الكمبيوتر، ولديه جهازا كمبيوتر وواي فاي في بيته الذي بناه حديثا منذ الإفراج عنه. وقضى فترة طويلة من العزلة أثناء الاعتقال، لكنه اليوم يقضي وقتا طويلا في حوارات حول العالم من خلال الرسائل النصية والحديث عبر الفيديو والاتصالات الهاتفية. ومن جانب فقصته هي عن الأمل وقال في رسالة عبر يوتيوب بعد الإفراج عنه: "أسامح ومن صميم قلبي كل من ظلمني أثناء اعتقالي" و"عفوت لأن العفو هو مصدري الذي لا ينضب".

لكن آثار ما عاناه في غوانتامامو لا تزال محفورة في داخله. فصلاحي يعاني من آثار ما بعد الصدمة "أرق، عدم تركيز في الانتباه أو انتباه مفرط وتفكير مشتت". ويعاني من مشاكل في السمع والتي نتجت بسبب تعريضه لموسيقى صاخبة لحرمانه من النوم بالإضافة إلى آلام مزمنة في الظهر بسبب وضعه في القيود لأشهر عدة. وعندما يتذكر فترة الاعتقال فإن ذاكرته حية في بعض الفترة ولا يمكنه تذكر الأخرى.

وعندما يناقش التعذيب يجمع رواياته عن الانتهاكات التي تعرض لها أثناء الاعتقال في غوانتانامو مع الأغاني التي سمعها هناك، "حوض غارق" و"اترك الجثث تسقط على الأرض"، لحرمانه من النوم وأغنية جاستين تيمبرليك "سينيوريتا" التي خففت من عزلته عندما كانت تنساب من مركز حراسة قريب.

وكان صلاحي واحدا من سجينين عذبا في غوانتانامو بناء على برنامج وزير الدفاع في حينه دونالد رامسفيلد. وأرسلت الولايات المتحدة 119 سجينا إلى شبكة من السجون السرية بمن فيهم المتهمون في هجمات 9/11، حيث حرم السجناء من النوم وتم تقييدهم بطرق غير مريحة وعرضوا للانتهاكات من فتحة الشرج وغير ذلك من وسائل التعذيب.

واعترفت الولايات المتحدة بتعرض ثلاثة من المعتقلين لأسلوب الإيهام بالغرق، وموت آخر نتيجة التعذيب. وتعرض الكثيرون للوحشية مع تعديل وتطوير المحققين وسائلهم.

وكشفت دراسة شاملة أعدتها لجنة مختارة للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ أن أساليب التعذيب التي استخدمت في السجون السرية وغوانتانامو لم تؤد لحماية أرواح ولا إلى إحباط هجمات ولم تكن ضرورية. وهي نتيجة رفضتها "سي آي إيه"، وصدر ملخص عن الدراسة في 2014، ولكن التقرير لا يزال سريا.

وتقول الصحيفة إن قصة صلاحي ظهرت من مقابلات وشهادات وتحقيقات قام بها الكونغرس وامتدت على مدى عشرين عاما قامت فيها الولايات المتحدة بالتستر والاعتراف ومعالجة التداعيات الدبلوماسية والإنسانية لبرنامج التعذيب الذي استخدمه فريق بوش.

وكان صلاحي شابا ذكيا لديه فضول للمعرفة في عائلة مكونة من 12 ولدا، وهو الأول من أشقائه الذي يذهب للدراسة في الخارج. وفي أثناء دراسته لشهادة الهندسة في ألمانيا سافر إلى أفغانستان للتدرب ضد الاحتلال الشيوعي، وهو جهاد دعمته الولايات المتحدة. وعاد إلى بلده في 11 أيلول/ سبتمبر 2001. ويقول المحللون الأمنيون الذين بحثوا في السجلات إنهم عثروا على سجل مكالمة تلقاها مابين 1998 و1999 من هاتف استخدمه أسامة بن لادن. وكانت المكالمة تتعلق بأمر عائلي وجاءت من قريب له كان من الدائرة المقربة من زعيم القاعدة، كما قال صلاحي. واعتقدت المخابرات الأمريكية أن صلاحي استقبل في بيته بديوزبرغ في ألمانيا ثلاثة رجال مسلمين، وذلك في تشرين الثاني/ نوفمبر 1999. وكان من بينهم اثنان شاركا لاحقا في هجمات 9/11، ورمزي بن الشيبة المتهم بتجنيد ما أطلق عليها "خلية هامبورغ "ويواجه حكما بالإعدام في قضية ضده بغوانتانامو. ونفى صلاحي اللقاء قائلا إنه كان عرضيا، وأن ما قام به هو واجب الضيافة لمسلمين. وقال إنه لم يتذكر اسم رمزي عندما قدمه المحققون له.

ولاحظ المحققون أن صلاحي انتقل إلى مونتريال في 1999 وصلى بنفس المسجد الذي كان يرتاده الجزائري أحمد رسام المعروف بمحاولته القيام بتفجيرات الألفية بمطار لوس أنجلوس الدولي في ليلة السنة الميلادية عام 1999. وحقق محققون فيدراليون مع صلاحي في كندا وغادرها إلى وطنه بعد شهرين.

وفي 2001 أقنعت الولايات المتحدة الحكومة الموريتانية بتسليمه لمحققين أردنيين. ومن ثم نقل إلى غوانتانامو في آب/ أغسطس 2002، وبعد أن قضى فترة قصيرة ولكنها قاسية في قاعدة باغرام بأفغانستان. وفي المعتقل الجديد حاول الحرس تحطيمه جسديا ونفسيا، وفي حالة وصفها صلاحي قامت بها الحارسات بالكشف عن أجسادهن وحاولن لمسه وهو مقيد لكرسي في غرفة التحقيق. وقام حارس بالسخرية منه في وقت خلعت فيه حارسة ملابسها. ويقول صلاحي: "كان هناك الكثير من اللمس، مهين بشكل كبير ومدمر".

وبعد شهر من التعذيب اعترف بأنه كان يخطط لتدمير برج "سي أن" في تورنتو، واعترف لاحقا بأنه لم يكن يعرف بوجود برج كهذا من قبل. وتم منع محاكمته عندما شاهد كاوتش، الذي كان برتبة مقدم في مشاة البحرية، وبالصدفة حالة تعذيب سجين آخر كان مقيدا وعاريا وملقى على الأرض واندلعت من حوله موسيقى صاخبة. وشعر كاوتش بالصدمة وقام ببعض البحث ليجد أن اعتراف صلاحي كان تحت التعذيب.

ولم توجه اتهامات لصلاحي وظل في المعتقل حيث اعتبر خطرا ولا يمكن الإفراج عنه. ولكن صدور كتابه في 2015 دفع المحامين عنه للبحث عن طرق لرفع السرية عن ملفاته وتسليط الضوء على حالته. وكتب حارس سابق وهو ستيف وود من أوريغان إلى لجنة العفو الشاملة في إدارة باراك أوباما قائلا إنه لا خطر من صلاحي وهو مستعد لاستقباله في بيته. لكن الجيش الأمريكي سلم صلاحي لموريتانيا ونقل إلى غوانتانامو معصوب العينين وبالقيود.

وفي الوقت الذي أفرج فيه عن صلاحي كانت سلطات المعتقل لا تزال تدرس ماذا تفعل مع البقية بمن فيهم الخمسة الذين خططوا للهجمات. ومن بينهم "العقل المدبر" خالد الشيخ محمد الذي قام متعهدون أمنيون تابعون لـ"سي آي إيه" بممارسة أسلوب الإيهام بالغرق معه 183 مرة. ومن المفترض أن تقوم محكمة الحرب في سجن غوانتانامو التي يديرها الجيش الأمريكي بالموازنة بين مصالح الأمن القومي وحقوق المتهمين. ولم تذكر الجرائم وهو ما أثار إحباط عائلات 3,000 من الضحايا خلال العقد الماضي.


وبدلا من ذلك، فقد استطاع محامو الدفاع تقديم "سي آي إيه" للمحاكمة حيث حاولوا استبعاد الأدلة ضدهم، بما في ذلك الاعترافات التي قدموها في الأشهر التي قضوها في غوانتانامو وكانت نتاجا للتعذيب.

ويطالب محامو الدفاع عن مصطفى الحوساوي الذي يجلس غير مرتاح على وسادة بسبب ألم في فتحة الشرج نتيجة الانتهاكات التي تعرض لها عندما كان في مراكز "سي آي إيه" السرية، بإلغاء القضية ضده وبسبب السلوك الصارخ للحكومة.

وفي محاولة لتسريع الإجراءات القانونية وربما حماية هوية موظفي "سي آي إيه" أنفسهم بدأ المحققون بالاعتراف بأن الولايات المتحدة مارست التعذيب في السجون السرية، وهم لم يقولوا هذا علانية ولكنهم قرأوا في أوراق المحكمة أن فريق الدفاع لديه الكثير من الأدلة عما حدث لموكليهم من فظاعات، فإما أن يطلب رفض الدعوة أو استبعاد حكم الإعدام حال أدين موكلوهم.

وقال ممثلو الادعاء عام 2018 إنه يجب ربط كل شيء بالواقع لتجنب معركة الأمن القومي والكشف عما حدث في السجون السرية في الخارج. وقال ممثل الادعاء جيفري غروهارينغ: "لن نستدعي شهودا ونناقش أن السيد محمد قد تعرض للتعذيب بناء على أسلوب الإيهام بالغرق 183 أو 283 مرة، ونعتقد أن هذا لا علاقة له باللجان والموضوعات التي ننظر فيها"، مع أن هناك الكثير من الأمريكيين الذين لم يغفروا للخيارات التي اتخذت بعد 11 أيلول/ سبتمبر.

فالاشمئزاز من التعذيب "يعود إلى الأيام الأولى للجمهورية" كما قال القاضي في المحكمة الفيدرالية بمنهاتن جيد أس راكوف. وكتب في كتاب جديد: "لماذا يعترف الأبرياء بالذنب ويخرج المذنبون أحرارا؟"، و"ليست بهذه الطريقة تقوم مستعمرة حضارية وفيما بعد الولايات المتحدة بالتعبير عن نفسها" و"أعتقد أن النهج الأخلاقي الأساسي قد تم تقويضه في أعقاب 9/11 وما حدث في غوانتانامو".

ولا تبعد محكمته سوى عدة بنايات عن موقع تفجير 9/11 "نقطة الصفر" و"لا تزال مشاهد الناس وهم يقفزون من نوافذ مركز التجارة العالمي محفورة في ذاكرتي لأن الخيار هو الموت حرقا في الداخل" و"لا يمكن لأحد نسيان جريمة ذلك الهجوم، ولكن عندما تحدث الجرائم فإن حكم القانون يكون محل امتحان".

ولم يفرج إلا عن حفنة صغيرة من الذين تعرضوا للمعاملة التي أقرتها إدارة جورج بوش أو تحدثوا عن تجربتهم حيث كان صلاحي أبرزهم. وقال الشهر الماضي: "ليس لدي إلا القانون" و"لو تخلى عني القانون فلن يبقى لي أي شيء".

0
التعليقات (0)