مقالات مختارة

الدرس البليغ لكل الإسلاميين: العدالة والتنمية المغربي نموذجا

عبد الرزاق مقّري
1300x600
1300x600

حينما ترأس حزب العدالة والتنمية المغربي الحكومة سنة 2011 في أجواء الربيع العربي كتبت مقالا حذرت من الحالة التي وصل إليها هذا الحزب الصديق في الانتخابات التشريعية في هذه الانتخابات التشريعية الأخيرة سنة 2021. اعتبر قادة “البيجيدي” ومناضلوه في ذلك الوقت أنهم أحدثوا اختراقا كبيرا في الشأن السياسي كإسلاميين، وكانوا لا شك محقين في ذلك. واعتقدوا  آنذاك، ومعهم الكثير من الملاحظين في العالم العربي أن الحالة المغربية تمثل استثناء حيث وقع التغيير “الفعلي” دون الحاجة إلى ثورة شعبية عاصفة، وأخذ البعض يبالغ في الإطراء على حكمة ملك المغرب المغربي محمد السادس.

ما نبهت إليه يومذاك كان ينبع من واقع تجربتنا في الجزائر وملاحظاتنا لكثير من التجارب، أن الحكمة الملكية التي يتحدثون عنها ما هي إلا تدبير اتجه إليه الحاكم المطلق في المغرب بتوجيه ونصائح غربية فرنسية أمريكية لتجاوز فورة الربيع العربي. كان لدى الملك محمد السادس العديد من الأحزاب القريبة من القصر، منها التجمع  الوطني للأحرار ( الحزب الأول في الانتخابات الأخيرة) الذي أسسه أحمد عصمان سنة 1978 (صهر الملك الحسن الثاني وزوج عمة الملك الحالي محمد السادس) ويرأسه حاليا رجل الأعمال عزيز أخنوش (رئيس الوزراء المرتقب المعروف بعدائه للإسلاميين وللحجاب في المؤسسات الرسمية ورئيس وفد مغربي في مؤتمر الماسونية بأثينا سنة 2008)،   وحزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه صديق الملك محمد السادس فؤاد عالي الهمة (مهندس ملف التطبيع مع الملك قبل كشفه للحكومة) سنة 2008  بتدبير ملكي لمواجهة صعود الإسلاميين المتمثل حزبيا في حزب العدالة والتنمية،  وقد كان يُعدُّ ليكسح الانتخابات التشريعية   سنة  2011.


غير أن معطيات الربيع العربي غيرت المشهد والواقع والموازين، وأمام موجة العنفوان الشعبي الذي كان يملأ شوارع المدن المغربية لم يكن لدى النظام قدرات اقتصادية ومالية تسمح له باستيعاب الشارع كما وقع في الجزائر، ولم يكن بإمكانه انتهاج نهج القمع البوليسي الشامل الذي قد يؤدي إلى انفلات لا تقبله الدول الأوربية المهددة دوما بالهجرة من وعن طريق المغرب. وجد الملك نفسه في حالة عجز أمام قوى معارضة إسلامية ويسارية صلبة وشديدة المراس لها تأثير كبير على الشارع،  فكانت الحيلة أن يُفسح المجال، بعدم التزوير،  لحزب العدالة والتنمية للتقدم الانتخابي وتشكيل الحكومة فيقتنع الناس بأن التغيير بالصندوق ممكن ولا داعي للثورة، ويجعل الملك بينه وبين الشعب حزبا إسلاميا بهذه الخطة، إن نجح في التنمية وإرضاء الناس سيعود الفضل للملك أولا وإن فشل فإن سقوطه في وقت لاحق سيكون طبيعيا ويعود الملك إلى ورقته الأولى ” الأصالة والمعاصرة” أو أي حزب من أحزاب البلاط.


علم الملك بمتابعته لخطاب الإسلاميين وعن طريق استخباراته أن حزب العدالة والتنمية له قابلية للبقاء تحت السقف المحدد من القصر. كانت البداية جيدة بالنسبة للبيجيدي بعد نجاحه في انتخابات نوفمبر 2011  التي حاز فيها المرتبة الأولى بنسبة 27.08 % (107 مقعدا في مجلس النواب من 395) تحت قيادة عبد الإله بنكيران سواء في مجال التنمية حيث أبلى الحزب بلاء حسنا وفق الظروف الاقتصادية الصعبة للمغرب وما هو متاح له من هوامش القرار والصلاحيات، أو ما يتعلق بمستوى النزاهة لدى أفراده، وكان للوزن القيادي لبنكيران أثر في استمرار هيبة الحزب واستمرار صعوده رغم تماهيه مع المخزن والعجز التام لفعل أي شيء تجاه امبراطورية الفساد في القصر المسيطرة على البلاد كلها بل السكوت عن ذلك والتعايش معه. أحس الملك ومن ينصحه من الخلف بأن شخصية بنكيران قد تهدد خطة استيعاب الحزب وتمام تدجينه، بل أصبحت رمزية بنكيران وكاريزميته تنازع رمزية الملك عند الشعب لِما تمتّع به عبد الإله من شعبية واسعة عند بسطاء المغاربة، فكان قرار الملك إسقاط بنكيران  بعدم السماح له بتشكيل الحكومة على إثر الانتخابات التشيرعية سنة 2016  التي فاز فيها الحزب بالمرتبة الأولى مجددا   (125 مقعدا في مجلس النواب) ، وذلك من خلال التحكم في الأحزاب الناجحة الأخرى لكي تمتنع عن الانضمام للتحالف الجديد حتى يقدم الحزب الفائز بالمرتبة الأولى شخصا آخر لقيادة الحكومة غير بنكيران، وكان العثماني هو الشخص المعين كما كان متوقعا، بعد احتباس في المفاوضات دام خمسة أشهر.


حاول بنكيران المقاومة داخل حزبه ولكن المؤسسية غلبته فلم يتم التضامن معه بشأن رئاسة الحكومة ولم يُسمح له بالاستمرار في الأمانة العامة لعهدة ثالثة برفض إخوانه فتح العهدات في مؤتمرهم وجاء بدله غريمه وصديقه العثماني لرئاسة الأمانة العامة.  بقي بنكيران داخل الحزب يُظهر بين الحين والحين عدم رضاه على أداء رئيس الوزراء الجديد في قضايا أساسية،  وأدى هذا التحول إلى رجّة داخلية وبروز خلافات واستقطاب غير مسبوق غذته التحولات اللاحقة.


كانت العهدة الثانية لحزب العدالة والتنمية في الحكومة والأولى للعثماني في قيادتها،  صعبة ومعقده على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاقليمية والدولية، تراجع فيها بريق الحزب وأصبح الملك يتوغل أكثر فأكثر  في العلاقة والتبعية للقوى العربية والدولية الأكثر عداوة وحقدا على التيار الإسلامي، وبعد تجاوز مخاطر  هبة الربيع العربي لم يصبح ظهور علاقة الملك بأصدقائه وأتباعه من نخب المال والأعمال وأباطرة الفساد تمثل خطرا على النظام، ولم تصبح الحاجة قائمة لحزب إسلامي مبدئي يخفي عدم رضاه على فساد الدولة ويظهر الولاء والتبعية للملك فآن الأوان لوضعه على المحك حتى يفقد كل عذريته وهو في الحكم أو يخرج منه قبل نهاية عهدته الحكومية الثانية.


لقد كان السيناريو المفضل أن يخرج هذا الجسم الغريب في الدولة من الحكم بخسارة انتخابية مدوية بعد نهاية الحاجة إليه، وكانت الخطة ثلاثية الأبعاد: أولا أن تمرر باسمه كل الموبقات التي يكرهها الشعب المغربي وتناقض مبادئ الحزب الإسلامي ويحتاجها القصر وهي ثلاث قضايا أساسية، التطبيع مع الكيان الصهيوني بإمضاء العثماني نفسه نيابة عن كل أفراد حزبه، فرنسة التعليم، وتقنين إنتاج المخدرات ” القنب الهندي” علاوة على تنازلات فرعية أخرى كثيرة،  ثانيا أن يُسلط عليه التشويه وحملات الشيطنة في ما هو مخطئ فيه وما هو مظلوم والتعتيم على كل إنجازاته في الحكومة بترسانة إعلامية عظيمة ممولة من رجال الأعمال داخليا والأطراف المعادية خارجيا، ثالثا التلاعبات الانتخابية التي تعمق خسارته إن خسر، كما وقع فعليا، وتفرض خسارته إن صمد انتخابيا.
لقد كانت نتيجة الخسارة مدوية وعميقة أبعدته عن حالة التراجع العادي للأحزاب التي تسيّر الحكومات في وضع اقتصادي صعب، وحرمته من الموقع التداولي في الديمقراطيات العريقة كحزب معارض في المرتبة الثانية أو الثالثة، يمكنه أن يعود للحكم بشكل طبيعي وغير مستغرب. لقد حل في المرتبة الثامنة ب12 مقعدا في مجلس النواب بما لا يسمح له حتى بتشكيل مجموعة برلمانية.


إن هذه الخسارة تعد انتصارا لمنهج الإدماج في التعامل مع الإسلاميين من أجل إضعافهم وإنهائهم شعبيا والتخلص منهم في الأخير كمشروع بديل لأنظمة الحكم في العالم العربي، مع إمكانية إبقائهم في المشهد السياسي ضعافا لتزيينه وشرعنة “ديمقراطية الواجهة”. إن منهج الإدماج في التعامل مع الإسلاميين منهج  مؤطر أمريكيا من قبل الديمقراطيين خصوصا ومن أغلب الدول الأوربية، ومطبق منذ القدم في الكويت واليمن والأردن، وأخذ هذا التوجه أهمية كبيرة  في المغرب العربي بعد الربيع العربي لاعتبارات يطول شرحها. وهو منهج يقابل خيار الاستئصال الذي لا يقبل أن يستفيد الإسلاميون بأي موقع في الساحة السياسية، ويعتبر أن أي  شبر  يحوزه هؤلاء بالمشاركة السياسية يتقوون به فيصعب إنهاء وجودهم من ساحات الشأن العام، وهو منهج اليمين الأمريكي المتشدد الذي أفرز الظاهرة “الترامبية”، وعدد من التيارات المتطرفة في أوربا وخاصة في فرنسا،  و هو مطبق في العالم العربي في دول الخليج وفي مصر حاليا،  وفي العراق وسوريا وتونس سابقا.


لا أظن أن الملك فكر في أمر إنهاء الإسلاميين سياسيا وحده، أعتقد جازما بأنه شُجّع من جهات عربية معلومة ذات توجه استئصالي لتسريع  الأمر وعدم ترك أي فرصة قريبة لحزب العدالة والتنمية ليصحح أخطاءه. فالملك يحتاج إلى أموال عربية كبيرة يواجه بها مشاكله الداخلية والخارحية، وقد يحصل عليها فعلا الآن بعد التخلص من حزب العدالة والتنمية.  غير أن هؤلاء وحليفهم الملك ورجال الأعمال في الداخل المغربي سينفقون أموالهم ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون، فالحركة الإسلامية في المغرب متجذرة ولها ركائز قوة أخرى كثيرة غير العدالة والتنمية، والعدالة والتنمية ذاته له إمكانات بشرية وهيكلية وفكرية كبيرة ومتنوعة تسمح له بالاستدراك إذا اعترف بأخطائه وجدد نفسه، مع التنبيه بأن بنكيران الذي طلب من العثماني الاستقالة لن يستطيع أن يكون البديل إن لم يكن هو ذاته ضمن موضوع التجديد، إذ لا يختلف فكريا مطلقا مع العثماني في أبرز القضايا الفكرية والسياسية التي أضعفت الحزب.


وإذ أقول هذا فإني أشبه أمرهم بأمر حركة مجتمع السلم في الجزائر التي لم تستطع الوقوف بعد عثراتها والرجوع للصدارة والتحرر من التبعية العقيمة للنظام السياسي وإبراز أجيال قيادية جديدة  وتحقيق نتائج جيدة في الانتخابات التشريعية السابقة رغم التزوير إلا بمجهود تجديدي شامل في الفكر والسياسة والعمل الاجتماعي استهدف كبار قادة الحزب السابقين الذين كان عدد منهم  يتصارعون بينهم، ليس على أساس فكري تجديدي، بل من يكون منهم أقرب إلى السلطة. ولا تزال حركة حمس إلى الآن تكافح للتخلص من أخطاء الماضي ولم تصل بعد إلى التجديد الكامل المؤهل للريادة والاستنهاض الحضاري حيث أنها تأخرت كثيرا قبل الانطلاق في هذه المسيرة التجديدية التاريخية، وكلما بدأ حزب العدالة والتنمية المغربي سريعا بعد النكسة كلما كان الاستدراك أقرب.


لقد نصحت العديد من قادة حزب العدالة والتنمية ليعتقوا أنفسهم من فخ التطبيع ولو أدى بهم الحال إلى الخروج من الحكومة و قلت لهم ما مفاده أن الانتخابات التشريعية قريبة وستكون لكم حظوة كبيرة عند الناخبين لو استقلتم من الحكومة بسبب التطبيع الذي أريد لكم أن تكونوا أنتم من يمضيه ويتصدره، وحتى إن تعرضتم للتزوير الانتخابي فستكون خسارتكم مشرفة، وأنكم إن صممتم على الفعل المشين ستدفعون الثمن في الانتخابات المقبلة بمذلة.للأسف الشديد حصل الذي خشيته، ولم ينفعهم حتى استغلال رمزية  حماس الفلسطينية وقائدها المجاهد أبو العبد هنية ووفده المرموق حين استقدموهم لزيارتهم (في وقت غير مناسب بالنسبة للقضية الفلسطينية) طمعا في معالجة الأثر الشعبي السلبي على مصيرهم الانتخابي … وفي الأخير انتقمت فلسطين وخسر حزب العدالة والتنمية.


قد تكون خسارة حزب العدالة والتنمية بهذا الشكل الموجع سببا لاستفاقة الحركة الإسلامية كلها وليس هذا الحزب فقط، هذا الحزب الذي عوِّل عليه كثيرا في تقديم نموذج ناجح يتسم بالديمومة والتطور المتصاعد. إن هذا الدرسَ البليغ  درسٌ لكل حركات المشاركة السياسية الحكومية العقيمة التي باتت تزيد في عمر الأنظمة الفاسدة الفاشلة العميلة في كل العالم العربي،  من حيث أرادت هذه الحركات الإسلامية بالنسبة لبعضها، ومن حيث لم ترد بالنسبة لأغلبها .


إن سبب خسارة حزب العدالة والتنمية ليس أداؤه بل منهجه، هو ذلك المنهج الذي يدور حول عبارات أضحت فارغة تنتمي للغة الخشب مثل التنازل من “أجل الوطن”، “سلامة الدولة”، ” استقرار الوطن”، “حماية الديمقراطية”، “المصلحة العامة”،  “قطع الطريق على العلمانيين”، “دفع المفاسد أولى من جلب المصالح”..الخ. لقد أظهر هذا المنهج المتبع من مختلف الحركات الإسلامية التي تُحشر كلُّها من طرف خصومها في “جماعة الأخوان المسلمين” ليسهل ضربها بأنه منهج تجاوزه الزمن وأصبح يحقق عكس مقاصده المعلنة إذ كل الأنظمة التي يتنازل لها قادة التيار الإسلامي تشتغل بشكل منهجي ضد تلك المقاصد، وما قبولهم لمشاركة الإسلاميين في التسيير الحكومي إلا لضرب ذات المقاصد، وبمساهمة هؤلاء الإسلاميين.


ومما عقد مسيرة هؤلاء القادة السياسيين الذين جاؤوا من حركات دعوية إحيائية إصلاحية أن طول اتباع منهج المشاركة العقيمة أنتج قيادات صار لها نفوذ في مؤسسات أحزابهم  ألفوا امتيازات الحكم وأهبّته ووجاهته وخدماته وعيشه الهانئ، وصار لبعضهم أصدقاء وعلاقات ووشائج شخصية مع نخب الفساد وأعداء المشروع في الحكم،  فلم تصبح لهم القدرة على اتخاذ قرار مغادرة هذا الواقع المألوف، وركوب مخاطر المعارضة وإغضاب الحكام، بل منهم من أصبح هو ذاته فاسدا ويسعى لاستغلال حزبه والانتفاع بمنهج المشاركة لمصلحته الشخصية، على هامش جسمهم الكبير الذي أضحى عاجزا على التصرف تجاه هذه الحالات الشاذة. وزاد في ابتعادهم عن أهدافهم الإحيائية الأصلية انغماسهم كليا في السياسة دون أن يوجدوا لمشروهم مؤسسات ومشاريع ومسالك لإصلاح المجتمع وخدمته والتأثير فيه والاستفادة منه لإعلاء شأن المعروف وحطّ رؤوس مختلف المناكر. ومن أخطر ما توصل إليه هذا الواقع أن هؤلاء صاروا يفتون لأنفسهم ويغلّطون أتباعهم بليّ النصوص وابتكار توجهات فكرية يلحقونها ب “فقه المقاصد” من غير وجه حق، ومن أغرب ما أجيب به قادة حماس حين سألوا قادة حزب العدالة والتنمية عن سبب التنازل في مسألة التطبيع قولهم ” إنها إكراهات الحكم!” فما هي إلا شهور قليلة حتى سقطوا من الحكم سقوطا سريعا مذهلا، ولم يخف الصهاينة الذين طبعوا معهم ابتهاجهم بصعود أصدقائهم المغاربة المطبعين الأصليين في هذه الانتخابات الأخيرة، وسقوط الإسلاميين الملحَقين بالتطبيع خلافا لمبادئهم.


لقد بدأ سقوط منهج المشاركة العقيم منذ سنوات، وهو في حالة تسارع مع الأحداث المتتالية والمتسارعة في تونس والمغرب ومن قبل في الجزائر  ومن قبل في دول المشرق العربي، ولعل خسارة العدالة والتنمية هي الصدمة التي تدفع للتفكير في الخروج نهائيا من هذا المنهج ليتخفف الإسلاميون عن أنفسهم من ثقل مسؤولية “التازل من أجل الدولة واستقرار الوطن وتحقيق الديمقراطية” – كما يقولون – فلا يجعلوا لأنفسهم سقفا في الكفاح من أجل الحريات والتغيير الفعلي للواقع البئيس الذي يعيشه عالمنا العربي، الذي لا سبب له سوى الأنظمة الفاسدة الفاشلة العميلة التي يتنازلون لها لأجل مجرد قبولهم في الساحة السياسية دون فاعلية لتغيير واقع الأوطان والأمة والشعوب،  فإما  أن يكونوا في الحكم مشاركين فعليا وفق حجمهم الانتخابي في انتخابات حقيقية حرة ونزيهة أو ممكنين بواسطة الإرادة الشعبية من أجل تطبيق برامجهم لنهضة بلدانهم، أو يكونوا في المعارضة يعملون ما بوسعهم  من أجل التغيير ، ولو طال بهم الزمن، فلا يضعهم المستبدون بينهم وبين الشعب، وليبحثوا لأنفسهم عن طرق عصرية جديدة غير مألوفة للنضال السياسي، بين التوجهات الإصلاحية والتوجهات الثورية السلمية،  يضعفوا بها الأنظمة الفاسدة دون صدام معها ما أمكن، ويسألوا العافية من الله وحده،  حتى تعتدل موازين القوة لصالح التغيير الفعلي بمشاركة الأنظمة القائمة أو ضدها أو لإنهائها،  بالتحالف مع قوى المجتمع المتعددة وفواعل السنن الغلابة. إن فعلوا ذلك لن ينفع لإنهائهم لا نهج الإدماج ولا نهج الاستئصال، لأن المواجهة المباشرة عندئذ ستكون بين الأنظمة والشعب، فما هم إلا جزء من الشعب.


وإن كانوا غير قادرين على المواجهة وسط الشعب، أو اشترطوا على الله لأنفسهم عدم التعرض لأي خطر،  فليخرجوا من السياسة ويكتفوا بالعمل في المجتمع، أو يبقوا في بيوتهم وليتركوا المواجهة بين الشعب والأنظمة الفاسدة فسيجد الشعب طريقه في يوم من الأيام.

1
التعليقات (1)
ناصر
الإثنين، 13-09-2021 10:45 م
مقال رائع و موفق. رغم إشتراك التجارب الإخوانية فى الفشل فى الحكم و السياسة يلاحظ أن لدى الإسلاميين المغاربيين جرأة أكثر فى الإعتراف بمشاكلهم و أكثر بحثاً و إستكشافاً لمقاربات التجديد عن أقرانهم من إخوان مصر الذين لا يتعاملون بشفافية و إنفتاح مع أمور تيارهم و تبقى مغلقة فى صندوق أسود يحرسه فقط الحرس القديم