مقالات مختارة

الحلقة الإسرائيلية في مسلسل 11 سبتمبر

مالك التريكي
1300x600
1300x600

القول الذي شاع منذ عشرين سنة هو أن 11 سبتمبر 2001 غيّر العالم. والمقصود في الأغلب، إما تصريحا أو ضمنا، هو أن هجمات 11 سبتمبر هي التي غيرت العالم.

 

لكن رغم شيوع هذا القول، فهو غير دقيق. ذلك أن الذي غيّر العالم تغييرا بالغا لا تزال البشرية تشهد مظاهره وتتحمل نتائجه إلى اليوم ليس الهجمات، وإنما هو رد الإدارة الأمريكية عليها. فقد ردت بفرض حالة طوارئ عالمية لا تزال بعض أحكامها وقيودها الاستثنائية سارية المفعول، بينما كان يمكن لها أن ترد ردا منطقيا وتناسبيا مع الجريمة، أي بتعقب بن لادن وأعوانه بطرائق العمل الاستخباري الصبور إلى حد الظفر بهم وتقديمهم إلى العدالة.

 

أما الاحتمال الثاني، إذا اعتبرنا أن قد سبق السيف العذل لأن أمريكا لم تستطع مقاومة الرغبة القاهرة في الانتقام بقصف أفغانستان وإسقاط نظام طالبان بسبب إيوائه بن لادن، فهو أنه كان يمكن التوقف عند ذلك الحد وتسليم الحكم إلى تحالف الشمال الذي كان يضم مختلف الفصائل المناهضة لطالبان.

 

إذ إن مقاتلي تحالف الشمال كانوا بمثابة القوات البرية في إطار حملة القصف الأمريكية لأنهم هم الذين جابهوا طالبان في الميدان فتمكنوا، في نوفمبر 2001، من السيطرة على كامل أفغانستان.


فلماذا ردت أمريكا على هجمات 11 سبتمبر ردا لاعقلانيا لم ينتج سوى حروب الاحتلال الطويلة التي راح ضحيتها مئات آلاف البشر ونجم عنها تبديد آلاف مليارات الدولارات؟ سؤال هام، لكنه لم يخطر حتى الآن ببال بوش، مثلما تبين من تصريحاته للبي بي سي قبل أيام. أما السؤال الأهم والأسبق زمنيا فهو: هل كان يمكن لأمريكا إحباط هذه الهجمات أصلا؟ الجواب الجازم هو أن هذا كان ممكنا في صيف 2001، لما كان الشبان الـ19 بعد في طور الإعداد للتنفيذ.

 

فقد سبق أن قدم برنامج «قضايا الساعة» على قناة الجزيرة في أبريل 2002، حلقة استعرضت مختلف القرائن التي جمعها المحققون الأمريكيون والتي تشير، بتضافرها، إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت على علم بتحركات الشبان الـ19 وأنها كانت تتعقّبهم أينما حلّوا وكيفما ارتحلوا في المدن الأمريكية. وكان الموقع الفرنسي المتخصص في المعلومات الاستخبارية «إنتلجنس أونلاين» أول من فجر القضية عالميا عندما تمكن من الحصول على نسخة من تقرير فدرالي أمريكي سري (من 61 صفحة) رفع إلى الكونغرس في يونيو 2001 ويتعلق باستجواب حوالي 120 عميلا إسرائيليا وترحيلهم سرّا من الأراضي الأمريكية.


كما أن صحافي لوموند سيلفان سيبال ساهم، في مارس 2002، في تفجير القضية التي وصفها بأنها أكبر عملية تجسس إسرائيلية في أمريكا منذ انفضاح أمر جوناثان بولارد عام 1986. لكن الخوض في الاستنتاجات المنطقية التي يقود إليها تضافر القرائن كان من شدة الحساسية بحيث أن سيلفان سيبال (وهو من أفضل خبراء الشؤون الإسرائيلية وأشجعهم) امتنع، في آخر لحظة، عن المشاركة معنا في البرنامج، رغم أنه كان وافق بادئ الأمر. والعجيب أن أول وسيلة إعلام أمريكية تجرأت على فضح خلايا التجسس الإسرائيلية هذه هي قناة فوكس اليمينية (أي نعم!) لكنها سرعان ما طمست من موقعها كل أثر للموضوع.


وكان نشاط عملاء إسرائيل يتمثل في التجسس على شخصيات وأهداف أمريكية، حيث كان بعضهم يتظاهرون بأنهم طلاب في الفنون الجميلة (!) ويحتالون للدخول إلى بيوت كبار ضباط القوات المسلحة الأمريكية بزعم أنهم يريدون بيع لوحات تشكيلية للاستعانة على نفقات الدراسة، بينما كان آخرون مرتبطين بشركات إسرائيلية متخصصة في التقنية الفائقة.

 

ومن القرائن على أن عملاء إسرائيل كانوا على علم، بدرجة ما، بأن الشبان الـ19 يدبرون أمرا هو أنهم كانوا يتابعونهم ويقيمون في نفس المدن والضواحي التي يقيمون فيها، بل إن حوالي عشرة من هؤلاء العملاء كانوا يقيمون في الشارع ذاته الذي كان يقيم فيه محمد عطا في مدينة هوليوود في ولاية فلوريدا (وليس حي السينما في لوس انجلوس).

 

وقد نشر الموقع الفرنسي خارطة بهذه المدن والضواحي مع ذكر أسماء رؤساء خلايا التجسس الإسرائيلية الذين كانوا يقيمون فيها لمراقبة عناصر القاعدة.

 

أما أقوى القرائن فهو إلقاء القبض يوم 11 سبتمبر بالذات على خمسة إسرائيليين في برغن كاونتي، في ولاية نيوجرسي، بينما كانوا يهللون ويتراقصون وهم يشاهدون سحب الدخان المنبعثة من حطام برجي نيويورك. وكان هؤلاء الخمسة ضمن 60 عميلا آخر تم ترحيلهم بعد ذلك إلى إسرائيل، والتفاصيل متوفرة لكل من يريد البحث والتثبت.

 

الاستنتاج الواضح هو أنه كان من الممكن إحباط هجمات 11 سبتمبر؛ والسؤال الفاضح هو: لماذا امتنع الإسرائيليون عن تزويد حلفائهم الأمريكيين بالمعلومات الكفيلة بمنع الكارثة؟

 

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

0
التعليقات (0)