مقالات مختارة

أيّ لبنان بعد الفوضى الشاملة؟

عصام نعمان
1300x600
1300x600

لا غلوّ في القول بأن لبنان بلغ قاع الانهيار: لا كهرباء، لا ماء، لا غذاء، لا دواء، لا أمن، ولا رضوخ من المسؤولين الملاحَقين قضائيا لرفع الحصانة عنهم، بغية تمكين القاضي طارق البيطار من التحقيق معهم. ومع غياب كل هذه الضروريات، تسود البلاد والعباد، أو تكاد فوضى شاملة.


أيّ لبنان يمكن أن يبقى بعد كل هذه الكوارث والفوضى؟ من عمق الفاجعة وحرقة الألم يصدر عن البعض جواب ساخر: بعد كل قاعٍ، ثمة قاعٌ آخر، وربما أكثر، فنحن لم نصل بعد إلى نهاية الكون!
البعض الآخر المتمالك أعصابه يتراوح تفكيره (وخياله) بين مشهديات ثلاث: الأولى قوامها حكومة ائتلافية من أنصار الغرب الأطلسي (الأمريكي – الأوروبي) مدعومة من بعض دول الخليج.

 

الثانية حكومة غير خاضعة للغرب الأطلسي قوامها تحالف سياسي وأمني يجمع كلا من التيار الوطني الحر (العونيين) وثنائية حزب الله ـ حركة أمل، والجيش اللبناني. الثالثة قوامها حكومة أمر واقع تفرضها الولايات المتحدة وفرنسا بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان والمطلوب تمديد وجودها ونشاطها إلى شرقه وشماله.


*المشهدية الاولى، هي ما تحاول واشنطن وباريس تحقيقه في الوقت الحاضر.. الدوافع الكامنة وراء سعي أقطاب هذه المشهدية ثلاثة:


تلبية رغبة جامحة لدى أركان الشبكة الحاكمة المتغرّبين وأنصارهم، أي المعجبين بالغرب ثقافة وطريقة حياة، والمرتبطين مع دوله وشركاته بمصالح ومنافع كثيرة وراسخة، في المحافظة على احتكار الشبكة الحاكمة للسلطة.


عداء عميق لحزب الله بما هو مقاومة مدنية وميدانية فاعلة ضد الغرب الأطلسي وربيبته “إسرائيل”، وحليف نشيط لسوريا وإيران في المنطقة.
معالجة أزمة لبنان المالية والاقتصادية بمفاوضة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للحصول منهما على القروض والمساعدات المالية والفنية اللازمة، للخروج من الأزمة المستفحلة.
الصراع في لبنان وعليه ما زال محتدما ومن الصعب رسم مشهدية واقعية متكاملة لما سيكون عليه وضعه الأمني والسياسي.


الواقع أن الولايات المتحدة وفرنسا فشلتا حتى الآن في دفع التكتلات السياسية اللبنانية النافذة إلى تشكيل حكومة تكون لها هذه التوجهات.


*المشهدية الثانية هي المشروع السياسي والاقتصادي والأمني البديل، الذي يدور في أذهان فريق غير متماسك من أصدقاء ومناصرين لحزب الله، ولقوى وطنية تقدمية معادية للغرب الأطلسي وحليفة للمقاومة وراغبة في التعاون مع الجيش اللبناني. هؤلاء جميعا يتخوّفون من أن تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار المشهدية الثالثة بعد فشلها في تركيز أسس المشهدية الأولى، لذلك يتطلعون إلى تأليف حكومة وطنية جامعة، تؤيدها أكثرية نيابية لا يقل عددها حاليا عن 70 نائبا، تعتمد سياسة التوجه شرقا للتعاون اقتصاديا مع سوريا والعراق وإيران وروسيا والصين.


*المشهدية الثالثة هي خيار مرجّح للغرب الأطلسي (بمبادرة من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا)، قوامه إدارة الساحة اللبنانية بتوسيع مهام قوات الطوارئ الدولية، المتمركزة حاليا على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1701 لعام 2006، على نحوّ يؤدي إلى نشرها على طول الحدود الشرقية والشمالية بين لبنان وسوريا. كل ذلك بقصد عزل لبنان عن عمقه العربي وتطويق حزب الله، بما هو أحد أطراف محور المقاومة، الأمر الذي يخدم “إسرائيل” في أيّ مواجهة عسكرية مع سوريا وإيران.


اعتماد هذا الخيار صعب جدا، ذلك أنه يستلزم موافقة روسيا والصين على تعديل أحكام القرار 1701، وهو أمر غير مضمون إن لم يكن مستبعدا، ثم هو يتطلّب وجود حكومة لبنانية قادرة على تبنّيه وتنفيذه، الأمر الذي يبدو متعذّرا إن لم يكن مستحيلا. إلى ذلك، فإنه يتعذر أيضا على الجيش اللبناني، بتركيبته الحاليّة وموازين القوى داخله، أن يكون طرفا فاعلا في تنفيذ هذا الخيار، حتى لو تحوّل فعلا إلى قرار دولي مدعوم بتأييد محلي محدود.


في ضوء الواقعات والتطورات، سالفة الذكر، يمكن الاستنتاج بأن المشهديات الثلاث تعتريها صعوبات جمّة محلية وإقليمية ودولية. غير أن أقلّها صعوبة في التطبيق المشهدية الثانية للأسباب الآتية:
لأن جمهورها ومؤيديها الأكبر والأقوى محليا قياسا بغيرها.
احتمال عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي قد يؤدي إلى تنفيس حال التوتر والصراع بينهما، ومن ثم بين حلفائهما المحليين والإقليميين.


احتمال نشوء قناعة لدى فريق العونيين، ناهيك من قوى لبنانية مسيحية أخرى، باستحالة الحصول من دول الغرب الأطلسي على القروض والمساعدات اللازمة لإنهاض لبنان من أزمته المستعصية، ما يعزّز مطلب التوجه شرقا، أي الانفتاح على سوريا والعراق، والتعاون اقتصاديا مع إيران وروسيا والصين، علما أن إيران والصين وروسيا كانت تقدّمت بمبادرات جديّة في هذا السبيل.


الصراع في لبنان وعليه ما زال محتدما وعلى أشده، ومن الصعب جدا رسم مشهدية واقعية متكاملة لما سيكون عليه وضعه الأمني والسياسي في المستقبل المنظور.

1
التعليقات (1)
محمد ماضي
الإثنين، 12-07-2021 09:01 ص
محاولتك لتقديم الخيار الثاني على انه الافضل و تعليق الامل على الإتفاق النووي بين إيران هما نظرة ضيقة جدا محدودة الأفق كون روسيا هي اللاعب الأساسي في المعادلة الشرق أوسطية و لكنها غير قادرة على التحكم إقتصاديا كون الروس لا يمتلكون منتجات يمكن ان تغرق أسواق الشرق الاوسط و الكلمة الفصل اليوم في هذا الزمن المعاصر هي للاسواق التي تعول عليها كافة الدول الصناعية و الدول ذات الرأسمال الضخم للتحكم بالشعوب و والدول. اما الصين فلم يبقى من الحزب الشيوعي الحاكم إلا اسمه بعد ان تحولت كافة مصادر الدولة إلى دعم الإنتاج المحلي و العالمي على أرض الصين التي بدورها لا تستطيع أغضاب الأونكل سام و لا حتى الإتحاد الأوروبي. كفاكم توهما جميعا علمانيين و إسلاميين فلا حل إلا بآلية السوق و ذلك للأسف كون البديل غير متاح الآن. لا فرق بين المعسكر الغربي و الشرقي إلا ان الأول يسمح ببصيص امل بينما الثاني لا يبقي الشعوب شيء تتنفس منه. بين هانا و مانا ضاعت لحانا.