سياسة عربية

نائب رئيس النهضة بتونس أكثر شخصية سياسية محبوبة شعبيا

مؤسسة استطلاع تونسية تضع القيادي الإسلامي عبد اللطيف المكي على رأس المرشحين للرئاسة
مؤسسة استطلاع تونسية تضع القيادي الإسلامي عبد اللطيف المكي على رأس المرشحين للرئاسة
فاجأت أشهر مؤسسة استطلاعات رأي في تونس جمهورها بدراسة جديدة صنفت فيها لأول مرة قياديا بارزا في حزب "النهضة" في المرتبة الأولى المحبوبة شعبيا.. بعد أن رشحته أوساط عديدة العام الماضي لرئاسة الحكومة..

وقد منحت استطلاعات الرأي الجديدة التي أجرتها مؤسسة "سيغما كونساي"، التي يرأسها رجل الأعمال المنحدر من عائلة "يسارية شيوعية "حسن الزرقوني، وزير الصحة التونسي السابق والزعيم الطلابي والنقابي قبل 30 عاما عبد اللطيف المكي، تفوقا غير مسبوق على كل الأسماء السياسية الأخرى ، بمن فيهم الرئيس قيس سعيد الذي انفردت نفس المؤسسة بتصنيفه في المراتب الأولى بين المرشحين الافتراضيين قبل انتخابات 2019. 

وكانت كل دراسات هذه المؤسسة تضع سعيد في المرتبة الأولى بعد دخوله قصر قرطاج.

فهل يمكن الثقة بهذا التصنيف الجديد؟ أم إنه يجب التشكيك فيه مثلما كانت أغلب القيادات السياسية والإسلامية في البلاد تشكك في استطلاعات الرأي السابقة وتتهم مؤسسة "سيغما كونساي" بالتلاعب بآراء المواطنين الذين تستجوبهم؟

وإذا سلمنا جدلا بدقة هذا التصنيف فما هي دلالاته الثقافية والسياسية، خاصة أنه جاء في مرحلة تؤكد فيها استطلاعات هذه المؤسسة وغيرها تراجع شعبية أغلب "الزعماء السياسيين" وزعماء "الإسلام السياسي" في البلاد بما فيهم قيادات النهضة ورؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان؟

"صعود صاروخي"

عندما عين عبد اللطيف المكي وزيرا للصحة في حكومة إلياس الفخفاخ مطلع 2020 كانت شعبيته ضعيفة وطنيا وداخل حزبه بسبب دخوله في صراعات مفتوحة مع عدد من قيادات حركة "النهضة" بمن فيهم زعيمها التاريخي ورئيس البرلمان منذ انتخابات 2019 راشد الغنوشي.

ورغم تكليف المكي بحقيبة الصحة في حكومتي عامي 2012 و2013 برئاسة المهندسين حمادي الجبالي وعلي العريض، فقد عارض كثير من رفاقه في "النهضة" تسميته في حكومة الفخفاخ بسبب انتقاداته "الحادة والعنيفة" في وسائل الإعلام للغنوشي والمقربين منه منذ المؤتمر العاشر للحركة في 2016، والذي أفرز خلافات حادة بين جناحين أحدهما تزعمه عبد اللطيف المكي والوزير السابق المحامي سمير ديلو ونائب رئيس الحركة السابق عبد الحميد الجلاصي..

لكن استطلاعات الرأي والاستشارات الداخلية والوطنية كشفت وقتها "صعودا سريعا" في شعبية عبد اللطيف المكي. في نفس الوقت اتهم المكي من قبل بعض خصومه ومعارضيه بـ"التشدد" و"النرجسية" و"نشر غسيل الحركة في وسائل الإعلام"، لكن أنصاره ينوهون بـ"نزاهته" ونظافة يديه وبعدد من خصاله القيادية وبينها انفتاحه على الشباب وعلى الإعلام والإعلاميين.
 
وقد فهم راشد الغنوشي هذا المعطى فاختاره من بين الوزراء الستة الذين رشحهم لعضوية حكومة الفخفاخ.

نجاح.. ولكن 

تزايدت شعبية المكي بسرعة منذ إعادة تعيينه وزيرا للصحة. وشاءت الأقدار أن بدأت الحرب على وباء كورونا بعد جلوسه على كرسي الوزارة بأسابيع، فاعتمد استراتيجية عمل ضبطها مع الوزراء السابقين ومع كوادر القطاع حققت نجاحا كبيرا في مجالي الوقاية والعلاج وتدخل الدولة، فصعدت شعبيته بشكل صاروخي وتناسى الرأي العام وخصومه خلفيته الثقافية الإسلامية وماضيه على رأس النقابة الطلابية، الاتحاد العام التونسي للطلبة، وفي سجون حكومات زين العابدين بن علي.

وفي ظرف أشهر تسببت تلك الشعبية في مشاكل كبيرة له مع رئاسة الحكومة في عهد إلياس الفخفاخ وبعض زملائه في الحكم والمعارضة وداخل النهضة. وعملت أطراف عديدة على شن حملات شيطنة له للمطالبة بعزله.

فلما اندلعت أزمة كبيرة بين حكومة الفخفاخ وحزامها البرلماني والسياسي انحاز المكي إلى الأطراف التي رفضت الإطاحة بالحكومة، التي نجحت في محاصرة عدد المصابين بكورونا وتنزيله إلى الصفر في عدد من الولايات.

لكن ذلك النجاح كان سلاحا ذا حدين وتسبب في إسقاط الحكومة و"جنرال الجيش الأبيض" عبد اللطيف المكي، ثم في تعيين وزير الداخلية آنذاك هشام المشيشي على رأس حكومة "التكنوقراط" الجديدة.

عريضة المائة.. ثم المصالحة 

فجرت الاختلافات في تقييم أداء رئيس الجمهورية قيس سعيد وحكومة الفخفاخ وحول تشكيلة حكومة خليفته هشام المشيشي أزمة جديدة داخل حركة "النهضة"، تطورت إلى "عريضة المائة قيادي" التي وجهت انتقادات لمسار قيادة الحركة. وكان عبد اللطيف المكي والوزير السابق لحقوق الإنسان المحامي سمير ديلو تزعما المعارضين.

وتسببت تلك العريضة وما صاحبها من تصريحات في انتقادات لاذعة للمكي ورفاقه "الغاضبين". لكن الزعيم التاريخي "للنهضة" راشد الغنوشي نجح مرة أخرى في احتواء خصومه وأغلب الموقعين على العريضة فشكل مكتبا قياديا مركزيا جديدا عين فيه عددا منهم، وسمي عبد اللطيف المكي لأول مرة أحد "نواب رئيس الحركة" إلى جانب زعماء تاريخيين من الجيل الثاني مثله، بينهم رئيس الحكومة الأسبق علي العريض ووزير العدل سابقا نور الدين البحيري والأكاديمي والمفكر العجمي الوريمي.

وكانت النتيجة أن استفاد عبد اللطيف المكي من مصالحته مع الغنوشي والمقربين منه فأصبح يتحرك مجددا داخل الحزب ووطنيا بصفته من بين كبار المسؤولين في "الصف الأول". كما أنه طور خطابه النقدي لقيادة الحركة من حيث الشكل والمضمون وخفف من حدة "التهجم" على رموزها وخاصة على رئيسها، وأصبح يلعب دور "المعارض من الداخل".  

واعتمد المكي استراتيجية اتصالية جديدة زادت شعبيته داخل حزبه وخارجه، اعتمدت في نفس الوقت نقد كل السياسيين والدفاع عن الغنوشي رئيس البرلمان في معركته مع "الاستئصاليين من رموز النظام السابق وأقصى اليسار" مثل المحامية عبير موسي.
 
وزادت شعبية المكي لأنه حاول خلال تحركاته وظهوره في وسائل الاعلام أن يبني جسور تواصل وحوار مع بعض خصوم حزبه بزعامة الرئيس قيس سعيد واليساريين والحداثيين المعتدلين وقيادة حزب التيار المعارض بزعامة المحامي والوزير السابق غاز الشواشي.

 تنويه أم "محرقة"؟

لكن تساؤلات كثيرة تطرح في الكواليس بعد تصنيف المكي "الشخصية السياسية الأكثر شعبية" بعد تراجع شعبية الرئيس قيس سعيد..

فهل يتعلق الأمر فعلا بـ"تنويه" حقيقي بشخصية اعتبارية ورجل دولة نجح في الطور الأول في الحرب على وباء كورونا فعزل بينما فشل من تحمل المسؤولية بعده لأسباب كثيرة من بينها وصول فصائل جديدة من الفيروس إلى البلاد؟

وهل يفسر تزايد شعبية المكي برهانا على دور سياسي وطني أكبر يمكن أن يلعبه "مثقف إسلامي معتدل من الجيل الثاني لحركة النهضة يتماشى ورصيده السياسي منذ كان زعيما نقابيا وطلابيا؟ أم إن بعض الأوساط لم تتصالح بعد مع المرجعية الثقافية والفكرية والسياسية "للاتجاه الإسلامي" لكنها تسعى إلى توظيفه "مؤقتا" فعلا وإعادة تعيينه وزيرا للصحة عساه يساهم في إيقاف انتشار الوباء؟

وهل سيكون هذا التعيين تكريما له ودعما لحظوظه السياسية وطنيا مستقبلا أم "كمينا" ودفعا به نحو "المحرقة" بعد أن ناهز عدد الموتى بسبب كورونا الـ17 ألفا وقدر عدد الإصابات بحوالي نصف المليون؟ 
 
الأسابيع القليلة المقبلة قد تأتي بالجديد.. من داخل "النهضة" ووطنيا ..

التعليقات (0)