مقالات مختارة

ماكينزي وأمريكا وسد النهضة

عماد الدين حسين
1300x600
1300x600

«سلوك إثيوبيا في قضية سد النهضة يقلقنا كثيرا، ومصر تمارس قدرا هائلا من ضبط النفس، وتسعى للتوصل إلى حل دبلوماسي وسياسي للمشكلة، وهي أظهرت قيادة حقيقية في هذا المجال».

الكلمات السابقة ليست لأى مسؤول مصري أو حتى مواطن عادي، لكنها للجنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة المركزية الأمريكية، وقالها يوم الجمعة الماضي في حوار مع الإعلامية أمل رشدي بقناة النيل للأخبار.

حينما قرأت هذه التصريحات على أكثر من موقع مصري مساء الجمعة الماضية، لم أصدق أنها لمسؤول أمريكي، وتصورتها لوزير الخارجية أو الري المصري أو أي مسؤول مصري بارز، بل تصورت للحظات أن ترجمة كلمات وتعبيرات المسؤول الأمريكي، ربما تكون ليست دقيقة، وملتبسة، بحيث إننا ترجمناها بالطريقة التي نتمناها، وليس كما قالها نصّا.

وإلى أن نعرف حقيقة ونص ما قاله ماكينزى، وبافتراض أنها دقيقة، فإن ذلك يعني العديد من الدلالات، خصوصا أنها من المسؤول العسكري الأمريكي الأبرز في الشرق الأوسط، أي القيادة المركزية.
السؤال الأبرز: إذا كانت تلك هي وجهة النظر الأمريكية بالفعل في هذه القضية شديدة الحساسية والأهمية لمصر، فلماذا لم يتم ترجمة ذلك إلى ضغوط حقيقية على إثيوبيا لإلزامها بالتوصل إلى اتفاق قانوني وملزم، ويحقق مصلحة الأطراف الثلاثة؟!


أقول ذلك لأن هناك التباسا واضحا في الموقف الأمريكي، ويبدو شديد التباين في بعض اللحظات منذ دخول أمريكا إلى هذه الأزمة.

نتذكر أن إدارة ترامب السابقة، كانت أكثر انغماسا في هذه الأزمة، وأخذت على عاتقها دعوة الأطراف الثلاثة للتفاوض في واشنطن، وشاركت بوزير خزانتها القوى آنذاك ستيفن مينوتشين، إضافة إلى رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في المفاوضات، التي حققت اختراقا كبيرا وتوصلت إلى اتفاق، وتحدد موعد للتوقيع والاحتفال في شباط/فبراير ٢٠١٩ بواشنطن، لكن المفاجأة أن الوفد الإثيوبي هرب ولم يحضر، والوفد السوداني تحفظ وامتنع عن التوقيع زمن عمر البشير، ووقعت مصر فقط على الاتفاق غير الملزم لأحد!!

موقف إدارة ترامب ظل قريبا نسبيّا من الموقف المصري، بل وقبل أسابيع من مغادرته البيت الأبيض، أطلق ترامب تصريحه الغريب والغامض حينما قال: إنه لم يتفاجأ إذا قامت مصر بتفجير السد. ولم نفهم وقتها هل هي دعوة لنهاجم السد ــ وليتنا فعلنا ــ أم إنها دعوة لتوريطنا في أزمة كبرى، أم إنها واحدة من نوبات وتصريحات ترامب غير المتزنة؟!

غادر ترامب وجاءت إدارة جو بايدن، وانشغلت بأمورها الداخلية وإزالة آثار وإرث الإدارة السابقة، ولم تتذكر هذه الأزمة إلا منذ أسابيع، حينما عينت الدبلوماسي المخضرم جيفري فيلتمان مبعوثا للقرن الأفريقي وسد النهضة وزار البلدان الثلاثة.

الخطاب الأمريكي الشائع في هذه المشكلة هو ضرورة استمرار التفاوض والحوار حتى الوصول إلى حل يحقق مصلحة كل الأطراف. وهو كلام جميل لولا أنه يصب في المخطط الإثيوبي الذي يشترى ويستهلك الوقت، حتى يفرض أمرا واقعيا بالملء الثاني، خصوصا أننا نتفاوض منذ عشر سنوات بصورة عبثية.

وهناك تقارير غير رسمية تقول؛ إن واشنطن طرحت على الأطراف الثلاثة الوصول إلى اتفاق جزئي ينظم عملية الملء الثاني فقط. وإذا صحت هذه التقارير، فهي تصب أيضا في مصلحة إثيوبيا وخططها.

من أجل كل ذلك، تبدو تصريحات ماكينزي غريبة ولا تتسق مع السياق الأمريكي الأساسي في هذه الأزمة، إلا إذا كانت أيضا تحاول إقناع مصر بأن واشنطن تتعاطف مع وجهة النظر المصرية، من دون أن تقدم حلولا عملية تحقق فعلا مصلحة كل الأطراف، وليس طرفا واحدا فقط كما هو واضح على أرض الواقع.

الولايات المتحدة تتعامل مع إثيوبيا باعتبارها مركز ارتكاز مهم لمصالحها في كل أفريقيا، وليس القرن الأفريقي فقط. هي فرضت عقوبات شكلية جدا على أديس أبابا، ليس بسبب تصلبها في قضية السد، ولكن بسبب انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان في إقليم التيغراي.

ومن ثم، فإن ما يهمنا في كل ما سبق ليس فقط التصريحات المنمقة والمتعاطفة، بل التصرفات العملية في الواقع.

 

(الشروق المصرية)

3
التعليقات (3)
احمد السعيد
الإثنين، 21-06-2021 08:02 م
ممكن حضرتك تسأل السيسي : لماذا وافق على بناء السد ؟
مناصر الحرية
الإثنين، 21-06-2021 05:53 ص
) أضحكنى هذا الفيلسوف الذى يعلن بلا أى غضاضة أن نظامهم الخسيس هو مجرد عميل تابع لأهواء و مزاج ساكن البيت الأبيض فإن سمح بالهجوم فعلوا و إن نهى ما عليهم إلا الطاعة و إن صمت جن جنونهم من القلق.للعلم فقط إن لم تكن تعلم أن من يقرر السياسات فى أمريكا هم المدنيين وليس سيادة اللواء كما تعودت أنت و أمثالك من خدم العسكر
الصعيدي المصري
الإثنين، 21-06-2021 04:36 ص
كالعادة لا يستطيع جوقة السيسي وطباليه من المتنوخبين في مصر ان يشيروا من قريب او بعيد الى مسئولية رئيس الانقلاب عن كارثة السد الاثيوبي بتوفيعه عليها .. شيكا على بياض .. وتنازله وبيعه لحقوق مصر منذ ان اختطف كرسي الحكم .. ستجد في مقالاتهم كلاما مائعا عن دور الشرق او الغرب والتعنت الاثيوبي .. واحاديث لولبية ذاهبة واتية شمالا وجنوبا من اعلى واسفل ... لف ودوران .. الخ الخ.. لكنهم في النهاية لا يستطيعون قول الحقيقة او حتى جزء منها .. انه النفاق والرياء والتضليل في ابشع واحقر صوره ..