بورتريه

"العندليب" عبد الحليم حافظ .. "موعود معايا بالعذاب" (بورتريه)

بورتريه حليم حافظ
بورتريه حليم حافظ
ما يزال يشغل قلوب مريديه ومحبيه، وما زالت أغانيه من بين الأكثر مبيعا وسماعا، ولا تزال أفلامه تشاهد بشغف وكأنها تعرض للمرة الأولى. 

قدم فنا غنائيا راقيا وامتلك ذوقا جميلا حالما، وصدق الناس كل كلمة وكل آهات وكل مشاعر الحزن التي صبغت أغانيه. 

عاش نحو 47 عاما كانت غنية بتفاصيل كثيرة، عاش خلالها معارك طاحنة مع معظم مطربي ومطربات عصره، أم كلثوم وفريد الأطرش ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد ووردة الجزائرية وغيرهم. 

لم ينجح أي مطرب ظهر في عصره الذهبي في إزاحته عن مكانته كملك متوج للأغنية الرومانسية، ووقف محرم فؤاد أمامه عاجزا، ولم يفلح محمد رشدي ومحمد العزبي وماهر العطار وهاني شاكر في التأثير على مكانته. 

كان ذكيا يعرف أماكن قوة كل مطرب جديد، وكان يلجأ إلى التجديد باستمرار، فحين ظهر محمد رشدي بأغنياته "عالرملة" و"عدوية" و"ميتى أشوفك" كان يحضر له أغنيات "أنا كل ما أقول التوبة"، "الهوى هوايا". 

عبد الحليم حافظ المولود عام 1929 في قرية الحلوات بمحافظة الشرقية، باسمه الرسمي عبد الحليم شبانة، عاش اليتم بعد وفاة والدته بأيام قليلة من ولادته، وقبل أن يتم عامه الأول توفي والده فكفله خاله.  

كان يلعب مع أولاد عمه في ترعة القرية، ومنها انتقل إليه مرض البلهارسيا الذي سيكون له أثر سلبي وجرح غائر في روحه في جميع تفاصيل حياته الفنية والشخصية.  

ظهرت ميوله الفنية وعشقه للموسيقى مبكرة وهو على مقاعد الدراسة حين أصبح رئيسا لفرقة الأناشيد في مدرسته. ومن حينها وهو يحاول الدخول لمجال الغناء لشدة عشقه وحبه للموسيقى. 

ونجحت محاولاته أخيرا بدخوله معهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943، وفي المعهد كان يتعرف على الفنان كمال الطويل الذي كان يدرس في قسم الغناء والأصوات، حيث سيكون للطويل دور كبير في مسيرة حليم الغنائية إلى جانب محمد الموجي وبليغ حمدي ومنير مراد.  

رشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره، وعمل مدرسا للموسيقى. غير أنه ما لبث أن قدم استقالته من التدريس لاحقا والتحق بفرقة الإذاعة الموسيقية عازفا على آلة "الأوبوا" (آلة نفخ خشبية ذات ريشة قصبية مزدوجة). 

وفي الإذاعة اكتشفه الإذاعي حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه "حافظ" بدلا من "شبانة". 

وتتفق المصادر التي تتناول حياته أن حليم غنى "صافيني مرة" ألحان الموجي عام 1952 التي استقبلها الجمهور بفتور في أول مرة لأنه لم يكن مستعدا وقتها لهذا النوع من الغناء الجديد. 

لكن حليم العنيد والمعتد بفنه الذي لم يكن يستسلم بسهولة أعاد غناء "صافيني مرة" في العام التالي يوم إعلان الجمهورية، وحققت نجاحا كبيرا، ثم قدم أغنية "على قد الشوق" ألحان الطويل عام 1954، والتي أعاد تقديمها في فيلم "لحن الوفاء" عام 1955، ومع تعاظم نجاحه لقب بـ"العندليب الأسمر". 

في هذه المرحلة المبكرة من مسيرته الفنية بدأ مرض البلهارسيا يظهر معه بشكل واضح.  

قدم للسينما 16 فيلما سينمائيا، وكان فيلم "لحن الوفاء" مع شادية أول أفلامه عام 1955 والذي شهد عرض ثلاثة أفلام أخرى، هي: "أيامنا الحلوة" مع فاتن حمامة، و"ليالي الحب" مع آمال فريد، و"أيام وليالي" مع إيمان. 

وفي عام 1956 قدم فيلمين هما "موعد غرام" مع فاتن حمامة و"دليلة" مع شادية. وفي عام 1957 قدم ثلاثة أفلام هي: "بنات اليوم" مع ماجدة وآمال فريد. و"الوسادة الخالية" مع لبنى عبد العزيز وزهرة العلى، و"فتى أحلامي" مع منى بدر. 

وفي السنوات اللاحقة قدم فليما واحدا في كل موسم ففي عام 1958 قدم فيلم "شارع الحب" مع صباح، وفي عام 1959 قدم "حكاية حب" مع مريم فخر الدين. وقدم عام 1960 فيلم "البنات والصيف" مع زيزي البدراوي وسعاد حسني. ثم في عام 1961 فيلم "يوم من عمري" مع زبيدة ثروت. وفي عام 1962 قدم فيلم "الخطايا" مع نادية لطفي. وعاد للمرة الثالثة وقدم مع شادية عام 1967 فيلم "معبودة الجماهير". 

وكان آخر أفلامه عام 1969 "أبي فوق الشجرة" مع نادية لطفي وميرفت أمين. 

ظهر بصوته مغنيا فقط في أربعة أفلام، كما ظهر ضيف شرف في فيلمين. 

قام ببطولة مسلسل إذاعي واحد حمل اسم “أرجوك لا تفهمني بسرعة" عام 1973، برفقة نجلاء فتحي وعادل إمام. 

تعاون مع الموسيقار محمد عبد الوهاب في أغنياته الطويلة مثل "أهواك"، "نبتدي منين الحكاية"، "فاتت جنبنا"، ثم أكمل مع بليغ تقديم عدد من الأغاني الطويلة ومنها: "زي الهوا"، "حاول تفتكرني"،"أي دمعة حزن لا"، "موعود" وغيرها من الأغاني. 

كما غنى للشاعر نزار قباني "رسالة من تحت الماء" وأغنية "قارئة الفنجان" وهي آخر ما غنى عام 1977 تلحين الموجي. 

كان "العندليب" يحلم بتقديم قصة "لا" للكاتب مصطفى أمين على شاشة السينما ورشح نجلاء فتحي لبطولتها ولكن القدر لم يمهله.  

صدرت أغنية "حبيبتي من تكون" ألحان بليغ حمدي بعد وفاة حليم. أما أغنية "من غير ليه" ألحان محمد عبد الوهاب لم يستطع حليم تقديمها للجمهور وذلك بسبب وفاته بعد آخر بروفة لها وقد نشرت الإذاعة تلك البروفة للجمهور بعد وفاته. 

لم يتوقف حليم عند ضفاف الأغنية الرومانسية فقد لعب دورا كبيرا في مسيرة الأغنية الوطنية بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحرب عام 1967 فغنى في حفلته التاريخية في قاعة "ألبرت هول" في لندن لصالح المجهود الحربي لإزالة آثار العدوان. وقدم في هذا الحفل أغنية "المسيح"، و"عدى النهار"، ألحان بليغ حمدي. 

قدم حليم عدة ابتهالات دينية وأدعية وكلها من كلمات عبد الفتاح مصطفى، وألحان الموجي. 

وإذا حسبنا عدد الأغاني التي قدمها في الأفلام إضافة إلى الأغاني المصورة في التلفزيون نجد أن عددها يصل إلى 112 أغنية، وهذا العدد لا يكاد يشكل نصف عدد أغانيه البالغة حوالي 231 أغنية. 

واعتبر الملحن المصري محمود الشريف، قبيل وفاته في بداية تسعينيات القرن العشرين، أن أغنية العندليب "في يوم في شهر في سنة" ألحان الطويل هي أجمل أغنية عربية في الخمسين سنة الأخيرة. 

أصيب العندليب الأسمر بتليف في الكبد سببه مرض البلهارسيا، وكان هذا التليف سببا في وفاته عام 1977 وكانت أول مرة عرف فيها العندليب الأسمر بهذا المرض عام 1956 عندما أصيب بأول نزيف في المعدة وكان وقتها مدعوا على الإفطار بشهر رمضان لدى أحد الأصدقاء. 

رافقه في رحلة مرضه 10 أطباء من مصر وبريطانيا وفرنسا. وتوفي في مستشفى "كنجز كولدج" بلندن في 30 آذار/مارس عام 1977 والسبب الأساسي في وفاته هو الدم الملوث الذي نقل إليه حاملا معه التهابا كبديا فيروسيا تعذر علاجه مع وجود تليف في الكبد ناتج عن إصابته بداء البلهارسيا كما أوضح فحصه في لندن، ولم يكن لذلك المرض علاج وقتها. 

وبينت بعض الآراء أن السبب المباشر في موته هو خدش المنظار الذي أوصل لأمعائه مما أدى إلى النزيف وقد حاول الأطباء منع النزيف بوضع بالون ليبلعه لمنع تسرب الدم ولكن عبد الحليم مات ولم يستطع بلع البالون الطبي.  

شيع جثمانه في جنازة مهيبة لم تعرف مصر مثلها سوى جنازة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والراحلة أم كلثوم سواء في عدد المشاركين في الجنازة الذي بلغ أكثر من 2.5 مليون شخص، أو في انفعالات الناس وقت التشييع. 

قدمت سيرته في أكثر من عمل فني من أشهرها فيلم “حليم" عام 2006 للنجم أحمد زكي، كما قام بدور عبد الحليم في مرحلة الشباب ولده هيثم أحمد زكي. 

كما أنتج مسلسل "العندليب حكاية شعب" والذي يروي سيرة حليم إضافة إلى الأحداث التي مرت بها مصر خلال فترة وجوده منها قيام الثورة المصرية، وقام بتمثيل دور عبد الحليم الفنان الشاب شادي شامل، لكن المسلسل أهمل الكثير من التفاصيل المهمة في حياة حليم. كما أنه اهتم بسيرة عبد الناصر منذ دخوله الكلية الحربية، لدرجة أنها طغت في أحيان كثيرة على سيرة صاحب المسلسل وهو عبد الحليم. 

كما ظهرت شخصية العندليب في الفيلم الكوميدي "سمير وشهير وبهير" وأدى الشخصية محمود العزازي، وبعد إشادة النقاد بتقليده قام محمود العزازي مجددا بتجسيد دور عبد الحليم في مسلسل "الشحرورة" عن حياة الفنانة صباح. 

كان العندليب صوتا للحب، وكان صوتا للسلطة أيضا بأغانيه السياسية. فقد تصادف نجاحه مع إعلان الجمهورية وثورة الضباط الأحرار عام 1953، وعندما غنى في حفلة أمام مجلس قيادة الثورة آنذاك، أطلق عليه الكثيرون لقب "مطرب الثورة". 

لكن كل ذلك لم يؤثر على تحوله إلى رمز للحب والرومانسية في العالم العربي، رمز لا يزال حتى اليوم صامدا أمام السنين وعشرات المطربين والمطربات الذين بقوا بعيدين عن مساحته في قلوب العرب بوصفه الحبيب المعذب الصادق المشاعر.
2
التعليقات (2)
محمد غازى
السبت، 27-03-2021 08:12 م
رحم الله العندليب عبدالحليم حافظ رحمة واسعه. كنت أطرب لسماعه، خصوصا أغانيه الوطنية. وبهذه المناسبة ألعن مغتصب السلطة فى مصر عبدالفتاح السيسى ألذى يقوم بتدمير سمعة مصر والعروبة.