كتاب عربي 21

مطاردة "الإسلام السياسي".. منطق أم هستيريا؟

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

حين نضع مصطلح "المنطق" في العنوان، فلا نعني به المنطق الإنساني المتعارف عليه من حيث الحق والعدل، بل نعني منطق السياسة المتعلق بمصالح الأنظمة الحاكمة، والتي تخضع من دون شك لمنظومة أولويات ينبغي على كل نظام أن يرتّبها جيدا؛ لأجل مصلحته قبل أي شيء آخر، مع العلم أن الانسجام مع شعبه هو جزء أساسي من تلك المصلحة، إذ لا يمكن لأي نظام أن يتعايش مع شعبه بمنطق القمع الدائم و"العسكرة"، لأن حصيلة ذلك سيئة؛ وإن على المدى المتوسط، فضلا عن التوتر الدائم الذي ستعيشه نخبته الحاكمة.

 

لن نذهب بعيدا في التاريخ من حيث علاقة الأنظمة العربية مع قوى ما يسمى "الإسلام السياسي"، لكن مرورا سريعا لا بد منه، وبالطبع من أجل الإشارة إلى أن وجود تلك القوى وحضورها اللافت على مدى عقود؛ لا سيما الأربعة الأخيرة، لم يكن عنوان صدام أو توتر دائم في معظم الدول العربية، باستثناء حالات محدودة في عدد من الدول المعروفة، وهي صدامات انتهى أكثرها بتسويات أو مراجعات، أو تراجعات (سمّها ما شئت)، على خلاف بين حالة وأخرى، ومن ثم تغير مسار التعامل معها أو مع بعضها بعد ذلك، وشهدنا دولا تنتقل في تعاطيها من تلك القوى من الصدام المسلح إلى التسامح وقبول العمل السياسي، من دون أن يتغير اللون العام لتلك الحركات، من حيث تبنيها لنهج المعارضة، أو الدعوة الدائمة للإصلاح.

منذ الربيع العربي، إذ تعرّضت قوى "الإسلام السياسي" لحرب ضروس كلفت عشرات المليارات من الدولارات، بجانب ضحايا بلا عدد، ومن ثم أفضت إلى عسكرة الكثير من المجتمعات

 

الآن، يبدو المشهد مختلفا منذ الربيع العربي، إذ تعرّضت قوى "الإسلام السياسي" لحرب ضروس كلفت عشرات المليارات من الدولارات، بجانب ضحايا بلا عدد، ومن ثم أفضت إلى عسكرة الكثير من المجتمعات، كما أدت إلى نزيف داخلي وخارجي، لا سيما أنها جاءت في ظل تحديات كبيرة يعيشها الوضع العربي، أهمها تغوّل المشروع الصهيوني، وزيادة شهية الابتزاز الأمريكية، إلى جانب مشروع التمدد المذهبي الإيراني.


والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بعد هذا العقد الدامي من الصدامات؛ هو: هل المسار الراهن هو الوحيد الممكن، وهل يمكن لمن قادوا هذه المرحلة أن يعيدوا النظر في مسارهم، أم أن المواجهة ستستمر؛ ومعها النزيف الداخلي والخارجي؟


حين نحاول الإجابة على هذا السؤال، فإن العقدة لا تتبدى من زاوية القوى الإسلامية. ويحدث ذلك؛ ليس فقط لأنها الأكثر ضعفا بسبب ما تعرّضت له من حرب شرسة، بل قبل ذلك لأنها الأكثر ميلا للتسامح، والأكثر حرصا على مصالح الأمّة من كثير من الأنظمة ممن لا ترى الكون إلا من زاوية مصالحها الذاتية، ولا ترى بأسا في التعاون مع ألد أعداء الأمّة من أجل تحقيق تلك المصالح؛ حتى من دون التدبر في عواقب تلك التحالفات، ولا قراءة تجارب التاريخ (ملوك الطوائف كمثال).


القوى الإسلامية لا تعيش على الثأر، ولا تتوقف عند لحظة واحدة من التاريخ، وهي تدرك مصالح الأمّة جيدا، ولو وجدت من الأنظمة الحاكمة إشارات إيجابية للتعاون، وإعادة ضبط العلاقة على أسس جديدة، من أجل مواجهة التحديات الخارجية الكبرى التي تهدد بيضة الأمّة، فلن تتردد في الاستجابة، لا سيما أنها تدرك أن الأمر لا يتعلق بتغوّل المشروع الصهيوني، ولا غرور مشروع التمدد المذهبي الإيراني، بل ترى أيضا ما يعيشه العالم من لحظة انتقال تاريخية في موازين القوى، ستحتاج معها الأمّة العربية، بل والإسلامية إلى تفاهمات تمنحها مكانا لائقا في العالم الجديد الذي يتشكّل، بصرف النظر عن أشخاص الحكام، وطبيعة قناعاتهم، ومستوى الرضا عن أدائهم.

 

على بقية الأنظمة ألا تستمع لطبول الحرب التي لا تزال تُدق ضد عدو (الإسلام السياسي) لا يمثل خطرا حقيقيا إذا ما تمت مقارنته بالمخاطر الأخرى الخارجية


لكن المؤسف أن ذلك لا يحدث أبدا، فهستيريا المطاردة ما زالت على حالها منذ عقد كامل، ولم تغيّر فيها حالة البؤس التي تعيشها القوى الإسلامية في دول عديدة؛ وإن واصلت بعض الحضور في بعض الدول. والمصيبة كما قلنا هي تزامن ذلك مع فشل في مواجهة التحديات الخارجية، بل مع تعاون مع ألد أعداء الأمّة، كما في موجة الهرولة الأخيرة نحو الكيان الصهيوني، وكما في تواطؤ دول أخرى مع العدوان الإيراني، وأقله الصمت عليه.


واللافت في هذه القضية برمتها أن هناك أنظمة محدودة هي التي تسعّر نار الحرب، ومن دون أي منطق أبدا، اللهم سوى اعتبار دعوات الإصلاح السياسي، شكلا من أشكال إعلان الحرب الشاملة. وهذه الهستيريا يختلف الناس في تفسيرها، بل يعجز كثيرون عن ذلك، ما يدفعهم نحو تفسيرات "فانتازية".


الخلاصة أن على بقية الأنظمة ألا تستمع لطبول الحرب التي لا تزال تُدق ضد عدو (الإسلام السياسي) لا يمثل خطرا حقيقيا إذا ما تمت مقارنته بالمخاطر الأخرى الخارجية، فضلا عن الداخلية باستمرار القمع وتردي الاقتصاد الذي قد ينذر بانفجارات اجتماعية أيضا. هذا مع التسليم بمقولة العدو، لأن القوى الإسلامية، ليست عدوا أبدا، بل هي جزء من مجتمعاتها، وأولويتها هي مصالح تلك المجتمعات، ومن ورائها مصلحة الأمّة جمعاء.

2
التعليقات (2)
عبدالله المصري
الأحد، 07-03-2021 08:04 م
مختصر المختصر الغرب لا يريد اسلام يمنع سيطرته على العالم لذلك يدعم قاتل سفاح منقلب ضد رئيس منتخب لانه مسلم لن يوافق على الخيانة و التفريط في وطنه و خيراته اما الخاين السيسي لكم كل ما تريدون حتى لو سد يمنع الماء عن مصر موافق لان هدفه من الغرب حمايته لذلك انخرس الغرب عن مذابح السيسي مثل رابعه و كذلك مذابح بشار و كل مذابح المسلمين و التي يستخدمها احيانا لمنفعته مثل الصين
محلل سياسي متواضع
الأحد، 07-03-2021 08:28 ص
جواب سؤال " مطاردة "الإسلام السياسي".. منطق أم هستيريا؟" . الجواب المباشر هو هستيريا لا يوجد فيها عقل يفكر أو منطق مبني على مداخلات صائبة تؤدي إلى مخرجات سليمة . لكن ، كما قيل "حبك الشيء يعمي و يصم و بغضك الشيء يعمي و يصم " ، فميل النفس إلى إتباع هواها و رسوخ الأنانية في الذات و معاداة الآخر المختلف كل هذه مدعاة لفقدان البصر و السمع الصحيحين أداتي الوصول إلى القلوب التي تفقه ، قال العالم قتادة في تفسير قوله تعالى ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ) : لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع، فإن الله تبارك وتعالى سائلك عن ذلك كله. و حين تكون أنظمة تابعة منقادة إلى عميان و مصابين بالطرش ، فمن الطبيعي أن يكون سلوكها فيه ضلال كبير . لا يوجد ما يسمى "الإسلام السياسي" على أرض الواقع طالما أنه لا توجد بقعة في الأرض تساس بالإسلام ، و بعبارة أخرى يوجد إسلام سياسي عندما يتم تطبيق الإسلام في حياة البشر . لا توجد جماعات إسلامية سياسية بالمعنى الدقيق للتعبير ، و من خلال المتابعة العلمية الطويلة رأيت أفراداً "لا جماعات" يتمتعون بالفهم للأمور السياسية و يتقنون الربط بين الأحداث و يتوصلون إلى تحليلات سياسية صائبة . ما أنفقه البعض من مبالغ مالية طائلة على محاربة " وهم الإسلام السياسي" يشبه تماماً الجهد الذي بذله "دون كيشوت" في محاربة طواحين الهواء ، و هذا عبث و تبديد لثروات الأمة . لكنه أمر متوقع حيث سينفقون كل ما لديهم ليصابوا بالحسرة التي يستحقونها و ستحصل لديهم هزائم نفسية و هم يرون صروحهم تتداعى . شاهدت في بلد أوروبي تركيز الشرطة و الأمن على مراقبة أحياء الجالية المسلمة لديهم لسنوات ليتبين للمسئولين بعد ذلك أنه لا توجد مشاكل ، و إنما تتركز الجرائم و الانحرافات في أحياء "البيض" من السكان الأصليين . يعني كل جهودهم و نفقاتهم ، عبر السنوات ، كانت عبثاً و ذهبت هباءً منثوراً . في حسابات الربح و الخسارة ، كان أولئك الأوروبيين خاسرين بالقطع لكن سنة التدافع الآلهية تقتضي حصول ذلك الحمق البشري و تقتضي وجود أنظمة فاشلة تقوم بتسويق نفسها لمشغليها على أنها ذات دور وظيفي هام في محاربة "السراب" الذي يحاربه المشغلون !

خبر عاجل