كتاب عربي 21

2020 وقوم في السحاب وآخرون في التراب

جعفر عباس
1300x600
1300x600

عانى معظم بني البشر ماديا من ظروف الحجر والإغلاقات الجزئية والكاملة التي أملتها ضرورات منع تحوُّل جائحة كورونا إلى إعصار أكثر تدميرا، وبينما عانت قلة قليلة من الناس صحيا من الكورونا، فقد عاش غالبية الناس وما زالوا في حالة هلع وجزع على أحوالهم الصحية، لأن فيروس الكورونا يجدد نفسه بطفرات تجعله أسرع انتشارا.

ولكن مصاب الأغلبية عاد بالفائدة على أقلية ممعنة في القِلَّة، فقد جنت شركات ومؤسسات صغيرة ملايين كثيرة من صنع الكمامات والقفازات والملابس الواقية، بمعدلات غير مسبوقة بعد أن صارت من ضرورات الدفاع عن النفس واتقاء الموت، بينما جنى أغنى 500 شخص في العالم تريليونًا وثمانمائة بليون دولار إضافية خلال عام 2020، وهو ما يعادل ما جناه 165 مليونا من المواطنين الأمريكان العاديين "طوال حياتهم"، فصار إجمالي ما تملك تلك الفئة من مال 7 تريليونات و6 بلايين دولار، بينما يقول مؤشر بلومبيرغ إن ملابسات الجائحة وعقابيلها ستتسبب في إفقار بليون آدمي في مختلف أنحاء العالم بحلول عام 2030.

تسعة من بين أغنى عشرة أشخاص في العالم يعيشون في الولايات المتحدة، وبسبب سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنحاز للأغنياء، فإنهم أقل الشرائح دفعا لضرائب الدخل، وبالمقابل تم في أواخر عام 2020 تسجيل 12 مليون أمريكي على أنهم عاجزون عن سداد أجرة مساكنهم، و26 مليون أمريكي على أنهم ليسوا قادرين على شراء الطعام وضروريات الحياة اليومية، مما يفسر الارتفاع الكبير في  معدلات سرقة المواد الغذائية وألبان الأطفال والحفاظات من المتاجر والبقالات.

ارتفعت ثروة إيلون مَسْك الرئيس التنفيذي ومالك شركة تسلا للسيارات الكهربائية من 142 بليونا في 2019 إلى 170 بليونا في 2020، ليحل محل بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت في الترتيب الثالث بين أغنياء العالم، مسجلا أعلى نمو للثروة في التاريخ، بينما يبقى جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون جالسا فوق قمة عرش الأغنياء بإجمالي ثروة تبلغ 190 بليون دولار، بعد أن أضاف 75 بليون دولار إلى أمواله في عام 2020 وحده، مستفيدا من انحباس الناس في بيوتهم اتقاءً لكورونا، وميلهم إلى طلب كل ما يلزمهم وما لا يلزمهم من أمازون إلكترونيا.

 

تسعة من بين أغنى عشرة أشخاص في العالم يعيشون في الولايات المتحدة، وبسبب سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنحاز للأغنياء، فإنهم أقل الشرائح دفعا لضرائب الدخل، وبالمقابل تم في أواخر عام 2020 تسجيل 12 مليون أمريكي على أنهم عاجزون عن سداد أجرة مساكنهم،

 



ولم يكن فيروس كورونا وحده ما وجد الملعب خاليا أمامه من التحديات في الولايات المتحدة بسبب استخفاف ترامب به، فقد اجتاحت البلاد دبابير سامة تستطيع الإبرة في مقدمة الواحدة منها اختراق الملابس الواقية التي يرتديها النحالون عند جني العسل من خلايا النحل، ونفث سم قاتل إلى جسم الإنسان، وكما قال ترامب إن فيروس كورونا صيني فقد نسب تلك الدبابير إلى اليابان، في تلميح إلى أن هناك مؤامرة آسيوية ضد بلاده.

ومن العجائب التي شهدها عام 2020 دون أن يسمع بها الكثيرون لأن الكورونا جعلت في الآذان وقراً، اكتشاف طالب في المرحلة الثانوية في أمريكا كوكبا جديدا، وكان الطالب يقضي فترة تدريبية في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عندما اكتشف ذلك الكوكب (يحمل اسم TOI 1338 b) الذي يفوق حجمه حجم كوكب الأرض 6.9 مرة، ويدور حول نجمين كل 95 يوما، ويبعد عن الأرض 1300 سنة ضوئية، وهكذا كسب العلم كوكبا جديدا في 2020، ولكن وبالمقابل فقد اختفى من الأكوان نجم عملاق، بأن انفجر وانهار داخل ما يسمى بالثقب الكوني الأسود.

آيسلندا دولة "في حالها" ولهذا لا نسمع عنها خيرا أو شرا، ويصعب نسبتها إلى أي قارة فهي تقع في منطقة وسطى بين بريطانيا وجزيرة غرينلاند في المحيط الأطلسي، ويعيش أهلها في رفاهية مادية ونفسية بعيدا عن المشاكل المحلية والدولية، ولا يزورها إلا هواة الطبيعة، ورغم أن معظم أجزائها تظل مغطاة بالثلوج طوال معظم شهور السنة، إلا أن بها ينابيع بديعة للمياه الساخنة والدافئة التي يقصدها الغربيون للاستشفاء من أمراض الروماتيزم وغيرها.

شركة سياحة آيسلندية طرحت خدمة في 2020 تستطيع أن تسميها "فشة خلق"، وجدت تجاوبا وتفاعلا منقطعي النظير، وتتمثل في أن تتلقى الشركة من الراغبين صرخات مدوية يتم تسجيلها وإرسالها عبر الكمبيوترات أو الهواتف الذكية، ويتم تجميع الصرخات وإطلاقها عبر أبواق عملاقة من على جبال تتخللها شلالات مياه ليحملها الريح إلى القطب الشمالي أو شرقا وغربا.

تقول مصادر الشركة إن زبائن كثيرين يجدون في الصراخ العالي تنفيسا عن مشاعر مكبوتة، وأن هناك من يرسل عدة صرخات في الشهر الواحد، واعتقد انني وبالكتابة عن هذه "الخدمة" أقدم هدية لملايين العرب المحرومين من حق الصراخ والأنين ليمارسوا التنفيس عن أوجاعهم المزمنة، الناجمة عما يلحق بهم من أذى من حكامهم المزمنين، ليس فقط بإرسال صرخاتهم المسجلة الى آيسلندا، بل بالذهاب اليها "شخصيا" للصراخ الحي المباشر، الذي لن توصله الرياح مهما اشتدت الى آذان أجهزة المخابرات العربية، ولكن الحذر واجب، فطال الزمن ام قصر، ستكتشف آذان وأعين تلك الأجهزة أمر كفالة حرية الصراخ في تلك الجزيرة وبالتالي يصبح من يتعامل معها او يزورها في القائمتين الرمادية والسوداء.

التعليقات (0)