بورتريه

هل يفتح الجبري "مستودع الأسرار" السعودي؟ (بورتريه)

رفع الجبري دعوى قضائية يتهم فيها ولي العهد محمد بن سلمان بإرسال فرقة لمحاولة اغتياله- عربي21
رفع الجبري دعوى قضائية يتهم فيها ولي العهد محمد بن سلمان بإرسال فرقة لمحاولة اغتياله- عربي21

رجل استخبارات رفيع المنصب والمكانة كان يشكل "غابة" من الأسرار السعودية على مدى 40 عاما بعد أن أدار ملفات "شديدة الحساسية" لا تحبذ أي دولة في العالم أن تقع بين أيدي جهات خارجية أو أن تتبادلها وسائل الإعلام. 

رغم صمته طيلة السنوات السابقة، وعدم رغبته في الخوض بالشأن الداخلي لبلاده إلا أن توقيف ابنه وابنته في الرياض دون سبب معروف ودون تحديد مكان احتجازهما، دفعه إلى الحديث لوسائل الإعلام الغربية.  

وكانت القضية التي رفعها أمام القضاء الأمريكي وتتهم ولي العهد السعودي بإرسال "فريق النمور" لقتله في كندا حيث يقيم، "شعرة معاوية" التي قطعت حبل أية تفاهمات مع ولي العهد السعودي. 

وكان سعد الجبري المولود في حائل عام 1958 التحق بأكاديمية الشرطة السعودية، وحصل أثناء خدمته على البكالوريوس في العلوم الأمنية من "كلية الملك فهد الأمنية" بالرياض ثم على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من "جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" ودبلوم في برمجة الكمبيوتر من "معهد الإدارة العامة".  

واصل الجبري تعليمه الأكاديمي فحصل على درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر من "جامعة الملك فهد للبترول والمعادن" أواخر الثمانينيات، ثم على شهادة دكتوراه في الذكاء الاصطناعي من جامعة "إدنبرة" عام 1997. 

بقي في "الداخلية" السعودية نحو أربعة عقود ترقى فيها إلى رتبة لواء، كان خلالها اليد اليمنى لوزير الداخلية وولي العهد السابق محمد بن نايف الذي يقبع حاليا في السجن. 

الجبري كان الأكثر تواصلا مع الولايات المتحدة في ما يخص قضايا مكافحة "الإرهاب" لأكثر من 15 عاما منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر عام 2001. 

وصفه صحفيون غربيون بأنه كان من أهم ضباط المخابرات في السعودية، وخبيرا في مجال الذكاء الصناعي، ولعب دورا محوريا في معركة السعودية ضد تنظيم "القاعدة" والتنسيق الأمني مع أجهزة المخابرات الغربية، وكان على تواصل مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي أيه) حول العراق وسوريا وإيران واليمن. 

عاش الجبري بعيدا عن الأضواء في كندا منذ أن انتقل إليها عام 2017 ملتزما الصمت، لكن بعد اعتقال ابنه (عمر) وابنته (سارة) في آذار/مارس الماضي كسر صمته وتحدث إلى وسائل الإعلام حول مشكلته العالقة مع الرياض. 

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن المسؤول السابق في "سي أي أيه" والمسؤول حاليا في "معهد بروكيينغز" بروس ريدل قوله إن امتلاك وزارة الداخلية السعودية جهازا ضخما للرقابة الأمنية جعلها مستودع الأسرار في السعودية بما في ذلك أسرار أفراد الأسرة المالكة والفساد والجريمة". وأضاف: "إن ملفاتها تحتوي على معلومات عن كل التصرفات غير اللائقة". 

ووجد الجبري نفسه وسط الصراع داخل العائلة الحاكمة في السعودية.  

كما أنه عارض ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي كان يحتل منصب وزير الدفاع حين أعلن الحرب على اليمن تحت اسم "عاصفة الحزم"، وأعلن الجبري عن رأيه صراحة بالحرب قائلا إنها "مكلفة وغير مضمونة النتائج". 

وحين أقيل بسبب موقفه هذا أواخر عام 2015 لم يعرف بالقرار إلا بعد إعلان التلفزيون السعودي خبر إقالته من وظيفته بعد لقائه بمدير المخابرات المركزية الأمريكية حينذاك جون برينان في واشنطن دون معرفة ولي العهد السعودي. 

وبعد عودته صدر قرار بإقالته عبر مرسوم ملكي، سافر بعدها مع معظم أفراد أسرته عبر ألمانيا إلى الولايات المتحدة. وبعد الإطاحة بالأمير نايف وحجز أرصدته ووضعه رهن الإقامة الجبرية عام 2017 خشي الجبري أن يلقى نفس المصير ففضل البقاء في الخارج ولم يعد إلى السعودية أبدا. 

طلبت السلطات السعودية عام 2017 من "المنظمة الدولية للشرطة الجنائية" (الإنتربول) عبر "إشعار أحمر" القبض على الجبري، وبحسب نجل الجبري خالد فقد اعتبر الطلب "ذا دوافع سياسية فأُلغي ولم يعد الإشعار موجودا". وعلى الرغم من عدم وجود معاهدة لتسليم المجرمين بين كندا والمملكة العربية السعودية، فقد طلبت الرياض مرتين من كندا تسليم الجبري عامي 2018 و2019. 

وتقول وسائل الإعلام السعودية إنه هرب إلى خارج السعودية خوفا من "ملاحقات قانونية بتهم الفساد والتربح من المال العام للدولة" خلال فترة عمله في وزارة الداخلية وإشرافه على "صندوق مكافحة الإرهاب" الذي أنشأه الملك عبد الله بن عبد العزيز. 

كما يتهمه بعض "النشطاء" السعوديين بالإشراف على حملات قمع خلال فترة عمله في وزارة الداخلية. 

وبحسبِ صحيفة "وول ستريت جورنال" فقد قال المسؤولون السعوديون إن الجبري مطلوب بسببِ "الأموال المنهوبة" والتي يقال إنها "أُسيء استخدامها" خلال فترة وجوده في وزارة الداخلية، واتهم مع مجموعة من الأشخاص الذين كان يقودهم خلال فترة عمله "بإساءة صرف ما يقارب 11 مليار دولار من الأموال الحكومية"، زاعمين بأنهم "منحوا أنفسهم مليار دولار على الأقل بشكل مباشر، فيما أُنفق ما تبقى من المبلغ "بطرق تفوح منها رائحة الفساد" هذا عدا عن شراء عقارات باهظة الثمن في الولايات المتحدة وكندا وتركيا". بحسب "وول ستريت جورنال". 

وردا على كل هذه الادعاءات، ذكر نجل الجبري أن "الأسرة ترحب بالإجراءات القانونية الواجبة المحايدة التي لا تتضمن محاولات التسبب في الأذى أو الابتزاز من خلال أخذ الأطفال كرهائن." 

ويتهم الجبري في دعواه ولي العهد رسميا بأنه أرسل فريقا لاغتياله في كندا سعيا للحصول على تسجيلات مهمة، وذلك بعد أسبوعين فقط من اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر عام 2018. 

وحسب مستندات الدعوى القضائية والتي نشرتها وسائل إعلام كندية وصحيفة "واشنطن بوست" فإن مسؤولين أمريكيين كبارا كانوا على علم بتفاصيل محاولة الاغتيال التي كلف بها الفرقة السعودية المعروفة في وسائل الإعلام الغربية باسم "فرقة النمر" وهي الفرقة ذاتها التي أشرفت على عملية اغتيال خاشقجي في تركيا. 

وقدم الجبري تفاصيل الشكوى لمحكمة بمقاطعة كولومبيا الأمريكية، ضد ابن سلمان وكل من مدير مكتبه بدر العساكر، والمستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني، وهو أحد المتورطين بجريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي. 

وذكر بعض الخبراء القانونيين أنهم يشكون في أن قضية الجبري ستحرز أي تقدم، وأشاروا إلى أن الهدف الحقيقي من هذه الدعوى هو الحصول على دعم لقضيته، وأنه قد لا تنظر أي محكمة أمريكية لهذه الادعاءات. لكنهم يرون أن المحاكمة بحد ذاتها ستلحق ضررا كبيرا بسمعة ولي العهد السعودي. 


وفي هذا السياق يقول خبراء قانونيون إنه من الناحية القانونية، ليس من الواضح في ما إذا كانت المحكمة الأمريكية ستفتح ملف الدعوى وتبدأ بالإجراءات. لأن سعد الجبري ليس مواطنا أمريكيا ولا يقيم في الولايات المتحدة". ويصفه الخبراء بأنه "مجرد حليف مهم سابق، هذا كل ما في الأمر". 

يذكر أن الجهات الرسمية الكندية لم تؤكد أو تنفِ مزاعم الجبري، واكتفى وزير الأمن العام الكندي بالقول بأنه لا يمكنه التعليق على مزاعم تنظرها المحاكم. وأضاف في بيان أرسل إلى وسائل الإعلام: "نحن على دراية بوقائع حاولت فيها عناصر أجنبية مراقبة أو تخويف أو تهديد كنديين أو أفراد يعيشون في كندا. هذا غير مقبول بالمرة". 

وتقول مقررة الأمم المتحدة أنييس كالامار التي تتابع حالات الإعدام التعسفي عبر حسابها الرسمي في موقع " تويتر": "إن ما نشر عن محاولة النيل من الجبري لم يفاجئها.. عملية اغتيال خاشقجي لم تكن أول عملية خاصة لفريق اغتيال سعودي ولن تكون الأخيرة"، في حين قال السيناتور الديمقراطي باتريك ليهي: "إن الوقائع التي تضمنتها وثائق الدعوى التي رفعها سعد الجبري مروعة ولولا فطنة حراس الحدود الكنديين لكان الجبري قتل وتم تقطيعه والتخلص من أشلائه سرا." 

تبدو قضية الجبري عالقة بين المحاكم وبين "الاتصالات" التي حاول ولي العهد السعودي القيام بها لإقناع الجبري بالعودة إلى الرياض لـ"التفاهم"، ولن يكون البدء في النظر بالقضية على وقع الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح الرياض بأي حال من الأحوال والتي يبدو أنها لن تنتظر وصول رئيس أمريكي جديد إلى "البيت الأبيض"!

 

اقرأ أيضا: أنباء عن حملة اعتقالات في السعودية ضد أقارب الجبري

التعليقات (0)