ملفات وتقارير

إعمار لبنان.. آمال كبيرة على مساعدات مشروطة بالإصلاحات

تخلف لبنان عن سداد ديونه لأول مرة في آذار/مارس الماضي- تويتر
تخلف لبنان عن سداد ديونه لأول مرة في آذار/مارس الماضي- تويتر

أقر المؤتمر الدولي لدعم لبنان، والذي عقد الأحد بمبادرة من فرنسا والأمم المتحدة، مساعدة عاجلة بقيمة إجمالية تقدر بحوالي 300 مليون دولار، لإغاثة بلد وقع بمأساة كبيرة جراء انفجار مرفأ بيروت.


وإلى جانب مئات القتلى وعشرات المفقودين وآلاف المصابين والمشردين، خلف الانفجار بمرفأ بيروت الثلاثاء خسائر مادية كبيرة، تقدر وفقا لمسؤولين لبنانيين بمليارات الدولارات.


وزاد الانفجار من أوجاع اللبنانيين، إذ تزامن مع أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية يمر بها البلد منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990.


وسبق الانفجار تقديرات أعلنها البنك الدولي أن نصف اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، كما فقدت العملة الوطنية أكثر من 80 بالمئة من قيمتها منذ تشرين الأول الماضي، ترافقت مع ضعف القوة الشرائية وارتفاع الأسعار وشح في البضائع الأساسية وفقدان في الوظائف.


وفي إشارة إلى تدهور الوضع الاقتصادي، تخلف لبنان عن سداد ديونه لأول مرة في آذار/مارس الماضي. وبلغ الدين العام مستويات قياسية ليعادل نحو 170 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.


ويقول اقتصاديون إن انفجار الثلاثاء، قد يفضي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي 20 إلى 25 بالمئة هذا العام، ليتجاوز بكثير توقعا حديثا من صندوق النقد الدولي لتراجع نسبته 12 بالمئة بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية المتفاقمة.

 

اقرأ أيضا: البيان الختامي لـ"مانحي لبنان": الإغاثة ستقدم مباشرة للشعب

ووفقا للخبير الاقتصادي ميشال مرقص، فإن لبنان يحتاج إلى ما بين 6 إلى 10 مليارات دولار لإعادة إعمار ما دمره الانفجار.


وفي حديثه لـ"عربي21"، يقول مرقص "لا أعتقد أن هناك من سيمنح لبنان هذه الأموال، أو يقدم له قروضا".


ورجح أن تقوم شركات خاصة عالمية أو محلية بالمشاركة في إعادة بناء ما دمر، لا سيما ما يتعلق بالبنية التحتية لمرفأ بيروت وشركات الكهرباء وغيرها.


ويعتقد بأن هذه الشركات ستتحرك للاستثمار في إعادة الإعمار لأن "مرفأ بيروت يمثل فرصة استثمارية كبرى وجيدة"، وهو يمثل في حال "الاستقرار" نقطة وصل ما بين الخارج الأوروبي والداخل العربي وصولا حتى إيران وتركيا.


لكن الإعمار لا يقتصر على مرفأ بيروت، حيث تتطلب العشرات من المنازل التي دمرت بصورة كلية وجزئية إلى إعادة الإعمار أيضا.


ومن أجل ذلك، يستحضر الخبير الاقتصادي مرقص أن لبنان مر بمثل هذه "التجربة" عقب الحرب الأهلية، حيث أنشئت ما سميت في حينه وزارة المهجرين وكان لها دور في ذلك بحيث تتمول من أموال الدولة وتمنح القروض لإعادة ما تهدم، كما أنشئت مؤسسات عامة للإسكان تعمل بنفس الآلية.


ويقول: "المرحلة لم تكن مرحلة سريعة، لكنها كانت مرحلة على قدر الإمكانات الضئيلة المتوفرة".


ومن أجل توفير التمويل لهذه المشاريع، فقد تلجأ الدولة إلى قروض طويلة الأمد في هذه الحالة، أو تبيع بعض أصولها من الممتلكات العامة، وهذه الأصول إذا قدرت بصورة حقيقية فإنها تدر موردا كبيرا للدولة، وفقا للخبير الاقتصادي.


وجاء في البيان الختامي للمؤتمر، التأكيد على ضرورة "التحقيق المحايد والشفاف" في الانفجار، وأن الشركاء مستعدون لدعم النهوض الاقتصادي والمالي للبنان، ما يستدعي "التزام السلطات اللبنانية بالكامل بالقيام سريعا بالإجراءات والإصلاحات التي يتوقّعها الشعب اللبناني".


وشددت رئاسة المؤتمر على أن المساعدات ستصل إلى الشعب اللبناني مباشرة ولن تكون عبر "الجهات الحكومية".


لكن الخبير الاقتصادي، يرى أن ذلك ليس مؤشرا على "فقدان الثقة" في الجسم الإداري بلبنان، بل سعيا من الدول لتكوين فرص عمل لأبنائها عبر المشاريع الإغاثية.


وردا على المطالبة "الفورية" بالإصلاحات كشرط للمساعدات، يقول مرقص عن تجربة إعادة إعمار لبنان عقب الحرب الأهلية "حتى البعثات الأجنبية كان الفساد مستشريا فيها".

ومن وجهة نظره، فإن المشكلة لعدم توفر إمكانات الإصلاح تكمن في إعاقة هذا المسار من قبل "الذين يحكمون لبنان منذ 1930، الذين تجذروا في السلطة، هم أساس الفساد والانهيار الإداري في البلد. فالفرقاء في السياسة يتمتعون بقدرات أكبر من قدرات الدولة، وهم يعارضون رغبة الحكومة بالإصلاح".

في المقابل، يرى الباحث بالتمويل والمصارف محمد فاعور أن مساعدات مؤتمر المانحين "لا تلبي طموحات اللبنانيين، والغاية منها إعطاء مساعدات عاجلة على المستوى الإنساني طبية وغذائية، بمعزل عن إعادة إعمار بيروت".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يؤكد فاعور أن "أي مساعدات فعلية لإعادة النهوض الاقتصادي والمالي في لبنان ستكون مشروطة بإصلاحات جوهرية وهيكلية في المؤسسات والكهرباء والحوكمة وغيرها من الملفات".

ولن تمر المساعدات الإنسانية عن طريق الدولة اللبنانية، بل يريد المجتمع الدولي أن يساعد لبنان بشكل مباشر عن طريق المنظمات التابعة له، أو بالوصول المباشر إلى المتضررين.


ويدل هذا، وفقا للباحث بالتمويل، على "عدم ثقة المجتمع الدولي والمانحين بالدولة اللبنانية وشفافيتها، وقدرتها على استعمال الأموال بالشكل المناسب".


وأشار فاعور إلى أن مؤتمرات دولية عقدت في السابق (باريس واحد واثنان وثلاثة وسيدر) بهدف إعطاء أموال للبنان على أساس أن تتم وعود بالإصلاح، لكن هذه الوعود "لم تحدث".

 

اقرأ أيضا: استقالات مستمرة في لبنان.. وانتهاء مهلة تحقيقات الانفجار

ويعقب فاعور، بالقول إن المجتمع الدولي لا يريد"العودة إلى نفس الدوامة. يمنح أموالا وكأنه يلقيها في ثقب أسود، جراء غياب الشفافية والحوكمة" في لبنان.

ويشير إلى عناوين رئيسية في الإصلاح مطلوب من لبنان تنفيذها، وهي: الإصلاح المالي والنقدي ما يعني إصلاح بميزانية الدولة وتخفيف العجز عن طريق ترشيد الإنفاق والهدر، ثم إعادة هيكلة القطاع المصرفي بما فيه مصرف لبنان، وما ينتج عليه من توزيع عادل للخسائر بالقطاع المالي.


وأيضا الإصلاح بقطاعات معينة، مثل قطاع الكهرباء، وهو من أهم مواطن "الهدر" في لبنان، وتقدر مساهمته في العجز بحدود ملياري دولار، إلى جانب إصلاحات في الموانئ والجمارك.

ويضاف لذلك إصلاحات تعالج "سوء الحوكمة والفساد"، بما يحقق استقلالية القضاء، والشفافية بإدارة أصول الدولة.

 

وفي أيار/مايو الماضي، تعثرت مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، في سبيل الحصول على قرض ينشله من أزمته الاقتصادية، بسبب خلافات داخلية حول خطة التعافي الحكومية، وتنفيذ "الإصلاحات" التي تطلبها المؤسسة الدولية. 

لكن المشهد الحالي في لبنان يقود إلى "الضبابية"، وفقا لفاعور، حيث ستذهب الحكومة الحالية برئاسة حسان دياب "كبش فداء"، في ظل الاستقالات المتتالية للوزراء، و"لا يعرف ما هو شكل الحكومة الجديدة، نظرا لأن الطريقة التي تتشكل بها الحكومات في لبنان بطيئة".

 

وعقب الانفجار، استقال وزراء الإعلام والمالية والبيئة والعدل من حكومة دياب، وسط توجه باستقالة خمسة وزراء آخرين، بحسب ما ذكرت مصادر حكومية لمراسل "عربي21"، الاثنين. 

تجدر الإشارة إلى أنه وعلى وقع الأزمات الاقتصادية والسياسية التي عصفت بلبنان في الآونة الأخيرة، اندلعت احتجاجات في تشرين أول/أكتوبر الماضي، ما أجبر حكومة سعد الحريري على الاستقالة في ذات الشهر، وتولي حكومة برئاسة حسان دياب السلطة في شباط/فبراير الماضي.

التعليقات (0)