مقالات مختارة

من لورنس العرب إلى برنارد ليفي

حسين لقرع
1300x600
1300x600

يروي لنا التاريخ قصّة “لورنس العرب” المؤلمة، ودوره الكبير في تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو 1916 لتقسيم المشرق العربي، وكذا تنفيذ وعد بلفور 1917 الذي يعِدُ اليهود بـ”وطن قومي” في فلسطين.

لورنس هذا جاسوسٌ بريطاني، أرسله بلدُه إلى لبنان وسوريا ومصر والجزيرة العربية في ثوب عالم آثار، وفي سوريا تعلّم العربية وأتقن تماما لهجة أهل حلب، وارتدى ثيابا عربية تقليدية، وأصبح يقدّم نفسه على أنه “عربيٌّ من حلب”، وأطلقَ عليه اسم “لورنس العربي”، تقرَّب من الشريف حسين وأبنائه وخاصة الأمير فيصل وأدَّى دورا كبيرا في ما يُسمَّى “الثورة العربية الكبرى”، التي قادوها ضد الحكم العثماني، وساهم في تسليح قواتهم بأسلحةٍ بريطانية حديثة وتدريبها، وكان في كلّ مرّة يُقنِع القادة البريطانيين باستعمال الطيران لنُصرة “الثورات العربية الكبرى” في معاركها الكثيرة ضد العثمانيين، ثم قاد حرب عصابات سنتي 1917 و1918، ساهمت في إنزال هزائم متتالية بالعثمانيين أجبرتهم على الانسحاب من المشرق ومن ثمّة تقسيمه إلى عدة “دول” وُضعت مباشرة تحت الانتدابين البريطاني والفرنسي وفق اتفاقية سايكس بيكو. وبعدها عاد “لورنس العرب” إلى بريطانيا في سنة 1920 بعد أن أكمل مهمّته بنجاح تامّ.


ما قام به “لورنس العرب” قبل أكثر من قرن، يقوم به الفيلسوف اليهودي الفرنسي المعروف برنارد ليفي منذ سنة 2011 إلى حدّ الساعة؛ أي منذ بداية الربيع العربي، فقد ساند ثورة 17 فبراير في ليبيا ضدّ القذافي وأدى دورا حاسما في إقناع ساركوزي بالتدخّل عسكريا وقصف الجيش الليبي بالطيران، ما أدّى إلى تدمير الجيش والإطاحة به وقتله في نهاية المطاف وتحويل ليبيا إلى دولةٍ فاشلة غارقة في الحرب الأهلية إلى حدّ الساعة، كما دعم المعارضة السورية المسلحة، ومشروع انفصال كردستان عن العراق، وساند من قبل انفصال جنوب السودان عن شماله. وكما حمل توماس إدوارد لورنس لقب “لورنس العرب”، فقد حمل ليفي بدوره لقب “الأب الروحي للربيع العربي” مع أنّه صرّح بأنه فعل كلَّ ما فعله من أجل ما سماه “أمن إسرائيل”!


بعد مُضيِّ أكثر من قرن على اتفاقية سايكس بيكو 1916 التي أوقعت الوطن العربي في فخّي الاستعمار والتقسيم، خدمةً للدول الكبرى ولمشروع إقامة “دولة قومية” لليهود بفلسطين لا يهدّدها أحد، وساهم “لورنس العرب” في تجسيدها، هناك الآن مشروعٌ آخر لإعادة تقسيم الوطن العربي انطلاقا من السودان في 2011، ثم ليبيا واليمن وسوريا والعراق حاليا، لذلك نعتقد أنّ الزيارة المشبوهة التي قام بها برنارد ليفي، الصهيونيُّ المتعصِّبُ لـ”دولة” الاحتلال، تحت غطاء “صحفيٍّ مراسل لصحيفة أمريكية”، يندرج في إطار إكمال هذه المَهمَّة الخطيرة التي بدأها سنة 2011 ولم تنجح بعد بشكل قاطع، وهي زلّة تُحسب على حكومة الوفاق وطعنٌ لصدقيتها وخدمة مجانية لحفتر ولمعسكر الإمارات ومصر.


قبل قرنٍ من الآن، انخرط العرب في مشروع سايكس بيكو 1 وعرّابه “لورنس العرب” من دون أن يتفطّنوا إلى أبعاد المؤامرة، أمَّا الآن فإنَّ أحفادهم ينخرطون في سايكس بيكو 2 وعرّابه برنارد ليفي بوعيٍ منهم، وهم يقسمون أوطانهم ويخربون بيوتهم بأيديهم، ألا تساند الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يهدف إلى بعث دولة “اليمن الجنوبي”؟ ألا تعارض مصر بسط حكومة الوفاق سيطرتها على كامل الأراضي الليبية وتضع لها “خطوطا حُمرا” وتكرّس تقسيم ليبيا عمليا إلى شرق وغرب؟ صدق من قال إن التاريخ يعيد نفسه!.

 

(الشروق الجزائرية)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل