مقالات مختارة

لماذا يصبح أصحاب الثراء الفاحش أكثر ثراء؟

غرايس بلاكلي
1300x600
1300x600

الميليارديرية مثل جيف بيزوس ليسوا أصحاب ثراء فاحش لأنهم يعملون بجد أكبر ولكن لأن امبراطورياتهم التجارية تستنزف موارد المجتمع، وسنكون أحسن حالا من دونهم. 

من يقفون في الجناح اليمين من السياسة يقولون إن الثراء الفاحش ثمرة للاجتهاد والعمل الخلاق والإبداع الذي يعود على المجتمع بكثير من الفوائد. إلا أن انعدام المساواة في الثروة والدخل تفاقم بشكل خطير في معظم البلدان المتقدمة اقتصاديا خلال السنوات الأخيرة. فقد بات أغنى الأغنياء أكثر ثراء اليوم مقارنة بما كانوا عليه قبل عقود، مع أنه لا يوجد ما يدل بوضوح على أنهم يعملون بجد أكبر. 

يعبر الاقتصاديون عن هذه الحالة بطريقة مختلفة نوعا ما، إذ يعزون الزيادة المهولة في انعدام المساواة في الدخل إلى ديناميكيات العولمة وإلى الزيادة في "كبار النجوم". وذلك أن مدراء المؤسسات والشركات يتنافسون الآن فيما بينهم في سوق عالمي على رأس المال والمهارة، بحيث تصبح المكافآت في قمة الهرم أعلى بكثير – حتى وإن كانت المنافسة مقيدة لرواتب الكثير من العاملين كلما اتجهنا إلى الطرف الأدنى من التوزيع. 

وطبقا لهذا الرأي، فإن ارتفاع مستويات انعدام المساواة ما هو إلا مكافأة على الإنتاجية المرتفعة. فالشركات الأكثر إنتاجية تجذب استثمارا أكبر من نظرائها الأقل إنتاجية، ومدراؤها، الذين يؤدون وظيفة أكثر تعقيدا من أولئك الذين يديرون مؤسسات أصغر، سينالون من المكافئات ما يتناسب مع ذلك. 

ولكن هنا أيضا، تفقد السردية علاقاتها بالواقع. فالإنتاجية لم ترتفع خلال السنوات الأخيرة بشكل مضطرد مع انعدام المساواة. بل، في واقع الأمر، ظلت الإنتاجية في الولايات المتحدة وبريطانيا على نفس المستوى دون تغيير منذ الأزمة المالية – وفي الولايات المتحدة لم تلبث تشهد انخفاضا منذ مطلع القرن. 

هناك تفسير آخر للأرباح الضخمة التي تجنيها الشركات الكبرى في العالم وكذلك للثروات الضخمة التي يكونها أصحاب الثراء الفاحش. لا يكمن ذلك التفسير في الإنتاجية العالية، وليس ببساطة في العولمة، وإنما في ارتفاع سلطة السوق عالميا. 

كثير من كبريات شركات التكنولوجيا في العالم غدت من القلة التي تهيمن عالميا وتحتكر محليا. ما من شك في أن العولمة لعبت دورا هنا بطبيعة الحال، فكثير من الشركات المحلية لا يمكنها ببساطة منافسة الشركات متعددة الجنسيات والممتدة عالميا. ولكن هذه الشركات تستخدم أيضا حجمها النسبي للدفع بالرواتب نحو مستويات دنيا، ولتجنب دفع الضرائب ولابتزاز الموردين لها، بالإضافة إلى محاولات الضغط على الحكومات حتى تخصها بمعاملة تفاضلية. 

ولا أدل على ذلك من جيف بيزوس وأمازون، فقد غدت أمازون أضخم شركة أمريكية من خلال الممارسات المناهضة للتنافس، وهي الممارسات التي سببت لها مشاكل لدى السلطات المسؤولة عن ضمان المنافسة في الاتحاد الأوروبي. فالممارسات العملية داخل مخازنها غاية في السوء، إذ كشفت دراسة أجريت في العام الماضي أن أمازون واحدة من أكثر الشركات تهربا من الضريبة في العالم.

وجزء من السبب الذي يفرض على أمازون العمل بجد للاحتفاظ بوضعها الاحتكاري هو أن نموذج عملها التجاري يعتمد على أثار الشبكة التي تتحقق فقط عند مستوى معين. شركات التكنولوجيا مثل أمازون تجني المال من خلال الاحتكار ثم بيع البيانات التي تتولد من التعاملات التي تتم عبر مواقعها.

وكلما زاد عدد الناس الذين يدخلون إلى الموقع كلما كبر حجم البيانات المتولدة، وكلما زاد حجم البيانات المتولدة كلما أصبحت تلك البيانات أكثر فائدة لمن يقومون بتحليلها. تحويل هذه البيانات إلى نقود هو ما يولد معظم عائدات أمازون: خدمات شبكة أمازون (أمازون ويب سيرفيسيز – AWS) هي الجزء الأكثر ربحية في المؤسسة وبفارق كبير. 

بدلا من أن تكون معبرة عن فائدتها الاجتماعية، تعكس قيمة أمازون في السوق – وكذلك ثروة بيزوس الشخصية – قوتها في السوق. والواقع هو أن ارتفاع نفوذ عدد صغير من الشركات الأكبر في السوق قلص الإنتاجية، وكان من أثر ذلك التركيز أن ضيق باب الاستثمار وحد من نمو الرواتب نظرا لأن هذه الشركات ببساطة لا تنافس على الأيدي العاملة، كما أنها ليست مجبرة على الإبداع حتى تتغلب على منافسيها. 

والحقيقة أنهم في الأغلب يستخدمون أرباحهم لإعادة شراء أسهمهم أو من أجل الاستحواذ على شركات أخرى يمكنها أن تزيد من حصتهم في السوق وتفتح أمامهم المجال للحصول على مزيد من البيانات. وقد يكون استحواذ أمازون على مخازن البقالة المعروفة باسم هول فودز هو الخطوة الأولى في سلسلة من التحركات التي تقوم بها شركات التكنولوجيا. وبدلا من المنطق الدارويني القائل "نافس أو تفنى" تواجه شركات التكنولوجيا حتمية مختلفة مفادها: "توسع أو تفنى". 

تدعم الدول هذا المنطق من خلال سياسات نقدية مرنة بشكل استثنائي. فمعدلات الفائدة المنخفضة تسهل على الشركات الكبيرة الاقتراض لتمويل الدمج والاستحواذ. وأما التيسير الكمي – الذي أطلق على مستوى غير مسبوق للتعامل مع الوباء – فقد أفضى ببساطة إلى رفع أسعار الأسهم، وخاصة في حالة شركات التكنولوجيا الكبيرة. 

وبينما تتعرض جوانب أكثر من حياتنا لنفوذ شركات التكنولوجيا الكبيرة، تستمر ثروات بعض الناس مثل بيزوس في النمو. ولا يمثل نمو ثرواتهم مكافأة لهم على إبداع أو إيجاد وظائف جديدة، وإنما هو تعبير عن النفوذ الذي تحقق لهم داخل السوق، والذي سمح لهم بزيادة استغلالهم للقوى العاملة لديهم، وابتزاز مورديهم وتفادي دفع الضرائب. 

والسبيل الوحيد لمعالجة مظاهر هذا الخلل هو دمقرطة ملكية وسائل الإنتاج، والبدء في إعادة مفاتيح القرار في اقتصادنا إلى الشعب. ولكن المرء يتوقع أنه حتى الديمقراطيون الاجتماعيون، الذين لا يلهثون خلف السياسات التحويلية، يمكن أن يؤيدوا إجراءات مثل فرض الضريبة على الثروة. 

إذ لا يمكن "إعادة البناء بشكل أفضل" بعد الوباء بدون فرض مثل هذه الضريبة – والغالبية العظمى من الناخبين، سواء العمال أو المحافظين، يؤيدون مثل هذه المقاربة، وذلك بحسب ما جاء في نتائج استطلاع أخير للرأي. ومع ذلك، يظهر أن زعامة العمال تتراجع عن هذه الفكرة. 

في مقابلة أجريت معي قبل أيام، سئلت لماذا ينبغي علينا أن نهتم بثروة جيف بيزوس إذا كانت تحسن من وضعية الآخرين. إلا أن انعدام المساواة الفاحش والذي تولده الرأسمالية المعاصرة يوضح بجلاء شيئا عرفه الماركسيون منذ عقود، ألا وهو أن أصحاب الثراء الفاحش يولدون ثروتهم على حساب العمال، وعلى حساب الكوكب، وعلى حساب المجتمع ككل. 

في مجتمع رشيد ومنصف، تستخدم الثروات الهائلة لنخبة قليلة العدد من أجل حل مشاكلنا الاجتماعية. 

 

المصدر: ذا تريبيون 

1
التعليقات (1)
محمد المناعي
الأربعاء، 02-02-2022 06:20 م
مشكلتنا في تونس نكرهو الأثرياء ربي عطهم وين المشكل