صحافة دولية

الحريري: في لبنان يخشى المرء على حياته كل يوم

استبعد الحريري حدوث مجاعة أو حرب أهلية بلبنان- البايس
استبعد الحريري حدوث مجاعة أو حرب أهلية بلبنان- البايس

نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا نقلت فيه مقابلة مع رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن سعد الحريري شغل منصب رئيس وزراء لبنان مرتين؛ المرة الأولى بين 2009 و2011، والثانية من كانون الأول/ ديسمبر 2016 حتى تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي. وقد أعلن استقالته التي دخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني/ يناير، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي تواصلت لأشهر للمطالبة باستقالة الطبقة السياسية الحاكمة المتهمة بنهب خزائن الدولة التي يقف اقتصادها على حافة الانهيار.

وأوضحت الصحيفة أن غضب المواطنين يزداد لأن الحكومة الجديدة غير قادرة على إحداث إصلاحات ملموسة بينما تذكي الخلافات بين المتظاهرين. كما تعرض أتباع الأحزاب التقليدية للهجوم في اشتباكات الشوارع، مما أثار مخاوف من اندلاع صراع طائفي.

وأضافت الصحيفة أن الحريري ورث قيادة الطائفة السنية اللبنانية من والده رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي اغتيل في سن الستين في هجوم بسيارة مفخخة سنة 2005 في بيروت. وقد أدى هذا الحدث إلى انقسام في صلب الطيف السياسي اللبناني، مع وجود كتلتين متعارضتين.

وفي ظل غرق البلاد في موجة من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، بدأت العديد من الأصوات السياسية تنادي من أجل عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة الجديدة. على ضوء ذلك، استقبل الحريري صحفيي صحيفة "البايس" في منزله في بيروت يوم الأربعاء في واحدة من المقابلات القليلة التي أجراها مع وسائل الإعلام الغربية.

وفي سؤال الصحيفة عما إذا كان الحريري يخاف على حياته، رد قائلا: "في لبنان يخشى المرء على حياته كل يوم"، مشيرا إلى أنه أصبح بعد اغتيال والده يخشى الوضع، لذلك بات لا يتنقل كثيرا ويفضل المكوث في منزله.

وفي حديثه عن احتمال اتجاه لبنان نحو حرب أهلية، أشار الحريري إلى أن لبنان يمر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه وأن الشعب سيواصل التظاهر ضد الحكومة. كما أكد الحريري قائلا: "سوف نشهد نوعا من عدم الاستقرار، لكنني أشك في أن البلد سيصل إلى حالة مجاعة، كما يقول البعض. إنها أزمة مماثلة لتلك التي شهدتها اليونان، ولبنان بحاجة إلى إصلاحات. كنت أعلم أننا سنصل إلى هذه النقطة، لكن إذا جرى تنفيذ الإصلاحات في وقت سابق لما وصلنا إلى هذا الوضع".

وأضاف الحريري أن "اللبنانيين شعب مرن جدا وقد خاض هذا البلد حربا أهلية (ما بين 1975-1990) ولا يريد الشعب العودة إلى ذلك. تعرف جميع الأحزاب السياسية أن هذا خط أحمر لا يريد أحد تجاوزه، لذلك تحتاج الحكومة إلى التحرك وتفعيل الإصلاحات بسرعة".

وفي ما يتعلق بالخطوات التي يجب على الحكومة اتخاذها للتخفيف من حدة الأزمة، أوضح الحريري أن هذه الأزمة خطيرة ومتعددة الأوجه. وحيال هذا الشأن، قال الحريري: "صحيح أن جميع الخيارات السياسية مؤلمة، لكنني واثق من أن هناك مخرجا من الأزمة. يجب أن يكون التركيز في المقام الأول على إعادة بناء الثقة لتحقيق الاستقرار، ثم معالجة الاختلالات الكلية وضمان المتطلبات الضرورية للتعافي القوي في مرحلة لاحقة. وهذا يتطلب أولا وقبل كل شيء وضع خطة شاملة تغطي جميع جوانب الأزمة".

في السياق ذاته، أشار الحريري إلى "ضرورة تأمين دعم محلي قوي لخطة الإصلاح من خلال التشاور المكثف مع جميع أصحاب المصلحة. وثالثا، الالتزام بتوصيات صندوق النقد الدولي لتطوير برنامج مصمم خصيصا للبنان. ورابعا، ضمان حزمة كبيرة من المساعدة الخارجية من الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية".

وبالنسبة لإمكانية عقد حوار مع الحكومة الحالية، رد الحريري بأن "جزءا كبيرا من العمل الذي نقوم به كمعارضة يكون في البرلمان. عندما نرى شيئا إيجابيا، كما هو الحال الآن مع عمل اللجنة المالية، ينشأ تعاون جيد. موقفي هو أننا سندعم كل ما نعتبره إيجابيا للبلاد. ما نريده هو إنقاذ البلاد، سواء من داخل الحكومة أو خارجها. إذا اقترحوا برنامجا جيدا للبنان، سنصادق عليه. ولكن تكمن المشكلة في حزب الله والحركة الوطنية اللبنانية اللذين يتنازعان وغير قادرين على إصلاح البرنامج".

وتوضيحا لموقفه بشأن حزب الله وما إذا كان يرى أنه يعيق مسار الإصلاحات الاقتصادية في لبنان، قال الحريري دون أن يتطرق إلى موقفه تجاه الولايات المتحدة: "يجب أن يُفهم أن 60 بالمئة من الشعب صوتوا لصالح حزب الله الشيعي، الذي تعتبره واشنطن إرهابيا، وهذه ديمقراطية. لا يمكن إنكار وجودهم، ولا يمكن إنكار أصواتهم في البرلمان. نحن لا نشارك استراتيجيته الإقليمية ولا نعتقد أنها إيجابية لمصلحة لبنان الوطنية وما يحدث اليوم هو ما كنا نخشاه: وهو ترك البلاد في وضع يركز فيه المجتمع الدولي على لبنان وإيران. وبذلك أصبح لبنان يعاني من تداعيات السياسة الإقليمية".

وفي سؤال الصحيفة عما إذا كان لبنان يستطيع حقا النأي بنفسه عن التدخل الأجنبي المعتاد لكل من إيران وسوريا والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية، أكد رئيس الوزراء السابق أن فرنسا لا تتدخل في لبنان ونظمت مؤتمر الجهات المانحة "سيدريس" سنة 2018 لصالح اللبنانيين وحافظت على موقف إيجابي. ومن جهتها، ساعدت الولايات المتحدة الحكومة اللبنانية، وتعد المملكة العربية السعودية أكبر مستثمر في لبنان، لكنها لم تتدخل قط في شؤونه الداخلية.

وأضاف الحريري أن اللبنانيين يشعرون بالامتنان الشديد لدعم إسبانيا على نشر جنود اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان) على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، والمساعدة الإنسانية للاجئين السوريين [البالغ عددهم حوالي 1.5 مليون لاجئ، أي ما يعادل 25 بالمئة من إجمالي السكان]، لأنه في غياب هذه المساعدة ستكون الأزمة الاقتصادية الحالية أسوأ بشكل ملحوظ.

وفي حديثه عما إذا كانت العقوبات الاقتصادية الأمريكية الجديدة المفروضة على سوريا في إطار ما يعرف بقانون قيصر سيكون لها تداعيات على لبنان، بين الحريري أنه مثل أي دولة أخرى في العالم سيتعين على لبنان أن يختار بين احترام أو خرق هذا القانون لتجنب العقوبات الأمريكية. وفي هذا الصدد، قال: "أنا شخصيا أعتقد أن اقتصادنا ووضعنا لا يمكن أن يتحمل المزيد من العقوبات، والأمر متروك للحكومة اللبنانية لعرض قضيتها لتجنب العقوبات".

أما في ما يتعلق باستقالته، أكد الحريري أنه لا يشعر بالندم لأن هذا ما أراده المحتجون، موضحا: "هذه ديمقراطية وسنجري انتخابات عاجلا أم آجلا. إن الأصوات هي التي تحسب، وأنا أعتقد بصدق أن ما فعلته كان ضروريا ذلك أن أيا من السياسيين لم يكن يريد الإقرار بخطورة الأزمة. كانوا ينوون الاستمرار في العمل بنفس الطريقة القديمة كما هو الحال دائما، بينما لا يمكن حل الأزمة دون الابتعاد عن التفكير التقليدي".

وأضاف الحريري أن "90.000 مليون دولار من الدين العام المتخلدة بذمة لبنان والتي أنفقتها السلطة التنفيذية، لم يكن نتيجة خطأ ارتكبه البنك المركزي أو البنوك الخاصة، وليس خطأ الشعب بل خطأ الحكومة. كانت قراءتهم خاطئة تماما، ولهذا تستمر الأزمة اليوم. لذلك لست نادما على قراري".

وفي سؤاله عما إذا كان يتوقع العودة لمنصب رئيس الوزراء، أكد الحريري أنه لا يتوقع ذلك على المدى القريب "على الأقل حتى تتحقق الشروط التي يعرفها الجميع ليتجدد الأمل في الانتعاش الاقتصادي ومنح الشعب اللبناني ما يريده حقا: إصلاح حقيقي، وفرصة للكرامة الوطنية والاجتماعية والشخصية.

 

اقرأ أيضا: التايمز: لبنان يسير نحو كارثة اقتصادية.. ومخاوف من العنف

0
التعليقات (0)

خبر عاجل