كتب

قراءة في خارطة اللاجئين والمهاجرين العرب عالميا (2من3)

لاجئون سوريا.. الحرب الأهلية وانعدام الأمن هما السببان الرئيسيان للهجرة واللجوء ـ الأناضول
لاجئون سوريا.. الحرب الأهلية وانعدام الأمن هما السببان الرئيسيان للهجرة واللجوء ـ الأناضول

الكتاب: "اللاجئون والمهاجرون العرب في بؤر التوتر: دراسة في أسباب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والعالم"
الكاتب: توفيق المديني 
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون- لبنان- بيروت.
الطبعة الأولى 2020 (عدد الصفحات 319 من الحجم الكبير)

لم يعد الفلسطينيون وحدهم من يحيون ذكرى نكبتهم في وطنهم الذي احتله الصهاينة عام 1948 وشردهم من ديارهم، فقد فعل استبداد الأنظمة العربية أيضا بالشعوب شيئا من هذا القبيل، إذ بسبب الاستبداد واستفحال الصراع السياسي، فضلا عن استمرار القوى الاستعمارية في الكيد للعالمين العربي والإسلامي، فقد اضطر ملايين العرب والمسلمين إلى ترك ديارهم هربا من جحيم الحروب حينا ومن ضيق مساحات الرأي حينا آخر، وهاجروا إلى أصقاع شتى في العالم بحثا عن الأمن والاستقرار.

رحلة الهجرة أو النزوح، لم تكن نزهة ولا رحلة طبيعية، وإنما هي أشبه بعملية اقتلاع، بما يعني ذلك من وجع سواء بالنسبة لبلد المصدر أو حتى لبلاد الاستقبال..

اللاجئون والمهاجرون العرب، هو موضوع الكتاب الجديد للباحث والكاتب التونسي توفيق المديني"، الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون ـ لبنان ـ بيروت ربيع العام 2020، تحت عنوان "اللاجئون والمهاجرون العرب في بؤر التوتر: دراسة في أسباب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والعالم".. نعرض لأهم ما جاء فيه عبر ثلاث حلقات متواصلة.. 

 



من تداعيات الحرب تدفق موجة اللاجئين السوريين

من تداعيات تفاقم الحرب في سوريا، الفرار الجماعي أوالنزوح المكثف للسكان من بؤر القتال الدائرة في عدة مدن ومناطق سورية، فليس معظم اللاجئين الذين فرّوا إلى الدول المجاورة  لسوريا مثل تركيا ولبنان والأردن، أو الذين طلبوا اللجوء في البلدان الأوروبية، مهاجرين اقتصاديين. فقد فرّ القسم الأكبر من اللاجئين من سوريا بسبب تدهور الأوضاع الأمنية أو بسبب نشوب حوادث أمنية استهدفتهم أو نالت من عائلاتهم. وشملت هذه الحوادث اعتقالات تعسفية، وتوقيف عشوائي على الحواجز، أو وفاة أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء. وغادر العديد من الشباب لتفادي التجنيد العسكري الإلزامي للذكور ما بين الثامنة عشرة والثانية والأربعين من العمر. 

ففي تقرير صادر في آب/أغسطس 2012 عن منظمة أطباء بلا حدود، أكّد أنّ 75 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان غادروا بيوتهم لأسباب أمنية لكي لايقاتلون أو يقتلون. فالسوريون هم أكثر شعب تعرض إلى الذل في العالم، إذ خسر لاجئون كثر كل ما يملكون في ديارهم، واضطر عديدون، مع مرورالوقت، إلى إنفاق كل الأصول والمدخرات التي حملوها معهم. واضطرّوا تحديداً إلى استئناف حياتهم في بلدان توفّر فرص عمل محدودة، هذا إذا توفّرت أي فرصة.

 

يبدو جلياً أن معظم اللاجئين السوريين حسِبوا حين غادروا بلدهم أنهم سيبقون في البلد المضيف أشهراً قليلة فقط. ولكن الأمور لم تجرِ على هذا المنوال، بسبب استمرار الحرب.

 



وحدّد عدد من العوامل اختيار اللاجئين السوريين البلد المُضيف: القرب الجغرافي بشكلٍ أساسي، وألفة سابقة بالبلد، وأواصر عائلية، عشائرية، أو اجتماعية، وألفة ثقافية أو سياسية، وعمل سابق أو راهن في البلد. وقد اختار بعض اللاجئين، خصوصاً المؤيدين للنظام، الانتقال إلى لبنان بسبب توجّهاته السياسية، إذ رأوا أن المشهد السياسي في تركيا والأردن معادٍ لهم، وأن وجود حزب الله في لبنان وقربه الجغرافي من مناطق يُمسك النظام بمقاليدها، يجعل هذا الخيار أضمن. وعلى خلافهم، رأى اللاجئون المعارضون للنظام أن وجود حزب الله مُقلق كثيراً، لذا اختاروا الفرار إلى الأردن. ويقر معظم اللاجئين بأنهم نادمون على خيارهم، وخصوصاً أولئك الذين قصدوا لبنان. فظروف عيش عائلاتهم هناك مرهقة ولا آفاق مستقبلية أمامهم.

ويبدو جلياً أن معظم اللاجئين السوريين حسِبوا حين غادروا بلدهم أنهم سيبقون في البلد المضيف أشهراً قليلة فقط. ولكن الأمور لم تجرِ على هذا المنوال، بسبب استمرار الحرب.

اللاجئون السوريون في تركيا

لقد ركز الباحث توفيق المديني في كتابه على دراسة واقع اللاجئين السوريين، في العديد من البلدان المجاورة، ومنها تركيا، حيث أصدرت وزارة الداخلية التركية ودائرة الهجرة التابعة لها مؤخراً إحصائية جديدة لعدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، قالت فيها إنَّ عددهم تجاوز الثلاثة ملايين و600 ألف لاجئ سوري. بينما ذكرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أنَّ عدد اللاجئين السوريين في تركيا وصل إلى ما يقارب مليونين و800 ألف لاجئ مُسجلين في الكشوفات الرسمية، مشيرةً إلى أن اللاجئين غير المسجلين يُقدر عددهم بقرابة 200 ألف لاجئ.

وبحسب ما جاء في موقع "ترك برس" يوم الجمعة 26 شباط (فبراير) 2016، فقد شمل التوزيع الجغرافي للاجئين السوريين كل الولايات التركية تقريباً، والبالغ عددها 81 ولاية. ونقل الموقع في هذا الإطار، بعض الأرقام التي تضمنها التقرير الصادر عن "مؤسسة الإحصاء التركية"، والمتعلق بأكثر المدن التركية إيواءً للاجئين السوريين، والتوزيع الجغرافي لهم، خلال عام 2015.

وعلى عكس الاعتقاد الشائع بأنَّ إسطنبول تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين، فإنّ الإحصائية أظهرت أن ولاية هاتاي هي أكثر المدن التركية استضافة للاجئين السوريين، وقد يعود ذلك إلى جانب تكلم شريحة كبيرة من سكانها اللغة العربية، إلى قربها من الحدود السورية ووجود قرابات بين السكان على جانبي الحدود، وبلغ عدد اللاجئين السوريين المتواجدين بها 385 ألفا و180 لاجئا.

عدد الولادات السورية في تركيا

أوضحت هيئة الرقابة العامة في تركيا، حدوث 276 ألف و158 حالة ولادة في صفوف اللاجئين السوريين داخل الأراضي التركية خلال الفترة الممتدة من عام 2011 إلى 2017. وجاء ذلك في تقرير خاص صادر عن الهيئة ، بعنوان "السوريون في تركيا". وأشار التقرير، إلى أنّ أول دفعة من اللاجئين السوريين، دخلت الأراضي التركية في 29 نيسان/ أبريل عام 2011.

وأضاف التقرير، أنّ اللاجئين السوريين الخاضعين لقانون الحماية المؤقتة، يستفيدون من الخدمات الطبية المقدّمة من قِبل المستشفيات الخاصة والجامعية والحكومية، ومن المستوصفات الخاصة باللاجئين. ولفتت الهيئة، إلى أنّ اللاجئين يتلقون الخدمات الطبية في المناطق والمدن التي يقيمون فيها، ويتم إرسالهم إلى ولايات أخرى في حال عدم توفر الخدمات المطلوبة في أماكن إقامتهم.وذكر التقرير، أنّ إدارة الكوارث الطبيعية التركية (أفاد) تتكفل في مصاريف علاج اللاجئين السوريين، عبر دفع التكاليف إلى وزارة الصحة التركية.

وتعمل المراكز الصحية المؤقتة الموجودة داخل مخيمات اللجوء، تحت إشراف وزارة الصحة التركية، ويتم فرز الكوادر الطبية إليها من قِبل الوزارة. وبحسب إحصائية أغسطس عام 2017، فقد بلغ عدد العاملين في المراكز الصحية المؤقتة داخل مخيمات اللجوء، 498 عاملاً في مجال الصحة، بينهم أطباء وممرضين.

وأضاف التقرير، أنّ مليونا و112 ألفا و58 لاجئاً سورياً خضعوا لعمليات جراحية في المستشفيات التركية، منذ بدء موجة اللجوء، حتى 11 ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، بينما عاينت الكوادر الطبية 31 مليونا و449 ألفا و800 حالة مرضية.

الخدمات الصحية العالمية والتركية التي تقدم للسوريين

وتواصل وزارة الصحة التركية، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، برنامجاً طموحاً لتأهيل كوادر من اللاجئين السوريين على تقديم خدمة طبية متميزة للملايين من مواطنيهم الذين فروا من جحيم الحرب إلى تركيا. وفي هذا الصدد، قال ممثل منظمة الصحة العالمية في تركيا، "بافل أورصو"، إن منظمته ووزارة الصحة التركية، تخطط لتأهيل نحو 700 طبيب وممرض من اللاجئين السوريين ليبدأوا في مزاولة عملهم في مراكز صحية خصصتها الدولة التركية لهذا الغرض، تحت اسم "مراكز التثقيف الصحي للمهاجرين"، بعد أن أهلت بالفعل قرابة 750 طبيباً وممرضاً.

وأشار أورصو إلى أن منظمة الصحة العالمية قدّمت الدعم المادي والتقني لتأسيس هذه المراكز، بينما تولت وزارة الصحة التركية مسؤولية إعداد البرامج التعليمية وتنظيم الدورات.وكشف أن 731 سورياً، بينهم 339 طبيباً، بدأوا اعتباراً من شباط (فبراير) 2018، بالعمل بشكل فعلي في عدد من المراكز الصحية التي تقدم الخدمات للاجئين في أرجاء تركيا.واستطرد قائلاً: "بدء الأطباء والمُمرضين السوريين العمل في المركز الصحية بفضل مشروع (مراكز التثقيف الصحي للمهاجرين) أمر يدعو للسرور، ويؤكد بأن هذا النظام يجب أن يكون مثالاً يحتذى به في كافة أنحاء العالم".

الطلاب السوريون في تركيا 

قال نائب رئيس الوزراء التركي ويسي قايناق، يوم الثلاثاء 25 نيسان (أبريل) 2017، إنّ 525 ألف طالب سوري يواصلون مسيرتهم التعليمية داخل الأراضي التركية، من أصل 900 ألف هم في أعمار الدراسة.وجاءت تصريحات قايناق خلال لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في مدينة جنيف السويسرية التي تحتضن مؤتمر الدول المانحة لليمن.

وانطلق المؤتمر الدولي للمانحين بشأن الأزمة اليمنية في وقت سابق اليوم، بحضور عشرات الدول المانحة وممثلي كافة المنظمات الدولية العاملة في اليمن. وأوضح قايناق أنّ الحكومة التركية تسعى خلال العام الدراسي القادم،" استيعاب كافة السوريين الذين هم في أعمار الدراسة، في المرافق التعليمية الخاصة والمؤقتة والحكومية، وإتاحة الفرصة لهم لإكمال تحصيلهم العلمي".

 

لقد شكل اللاجئون السوريون نحو تركيا (3.6 مليون) نحو 5% من سكانها، منهم ما يقرب من 1.740.000 من الأطفال. وقد سبب هذا ضغطًا على المساكن، وعلى البنية التحتية، وعلى خدمات التعليم والصحة.

 



أمّا علي رضا ألطونل مدير عام قسم "التعليم مدى الحياة" في وزارة التربية التركية، فقال إنّ الوزارة تسعى لتحويل كافة المراكز التعليمية المؤقتة للسوريين، إلى مرافق تعليمية مناسبة قبل حلول العام الدراسي 2018- 2019. لنظراً لحاجة السوريين إليها.وصرّح ألطونل لوكالة الأناضول، أنّ وزارة التربية التركية تقوم بفعاليات عدة من شأنها حل مشاكل الطلاب السوريين، وذلك بالتوازي مع البحث عن حلول لمشاكل الطلاب الأتراك.

وأضاف ألطونل أنّ 833 ألف لاجئ سوري ممّن في تركيا، هم في أعمار الدراسة المختلفة، وأنّ 503 آلاف منهم يتابعون مسيرتهم الدراسية.وتابع ألطونل قائلاً: "الطلاب السوريون يتابعون تحصيلهم العلمي في مراكز التعليم المؤقتة وفي المدارس التركية، ونوفر لهم فرصة متابعة تحصيلهم مع أقرانهم الأتراك، والمراكز المؤقتة تمّ تأسيسها لفترة معينة انطلاقاً من اعتقادنا بأنّ السوريين سيعودون إلى بلادهم خلال 3 إلى 5 أعوام".

وكانت المفوضية الأوروبية وقعت على منحتين مباشرتين بقيمة 600 مليون يورو،في نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2016،الدعم اللاجئين السوريين في تركيا ، إذ تريد المفوضية عبر الأموال المعلن عنها تأمين التعليم الإلزامي لما يقرب من نصف مليون طفل سوري يقيمون في تركيا، "وهناك عقود أخرى في مجال التعليم والصحة والبنى التحتية والدعم الاجتماعي، سيتم إعلانها خلال الأشهر القادمة"، وفق بيانها الصادر بهذا الشأن.

السوريون ليسوا عبئاً على الاقتصاد التركي 

نشر المحامي غزوان قرنفل، رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، وأحد المتخصصين المعنيين بشؤون السوريين في تركيا مقالة في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بيّن بالأرقام، حجم ما ينفقه السوريون في تركيا.حيث أظهر الباحث السوري حقيقة أن السوريين لا يشكلون عبئاً على الاقتصاد التركي، بل على العكس، هم مصدر تمويل وضخ مالي في شريانه.

ومن خلال الحسابات بيّن قرنفل أن الأسر السورية تدفع "اثنى عشر مليار وستمائة وثلاثون مليون ليرة تركي سنوياً وهي تعادل أربع مليارات وثلاثمائة وخمس وخمسون مليون ومئة واثنين وسبعين وأربعمائة وثلاثة عشرة دولاراً سنوياً بفرض أن سعر الدولار هو 2.90".

وختم قرنفل مقاله قائلاً: "احتسبت الإنفاقات الأساسية فقط للأسرة وبالحدود الدنيا وتجاهلت الكثير مما يمكن احتسابه (...) ولو أضفنا على الرقم أعلاه ما يرد الى المنظمات السورية المرخصة في تركيا من تمويلات وهي كلها تدخل البنوك التركية وهي لا تقل عن 150 مليون دولار بالحد الأدنى سنوياً ينفق معظمها في تركيا عدا عن الشركات والتراخيص والضرائب، لتبين معنا أن السوريون في تركيا ينفقون سنويا أكثر من خمسة مليارات دولار سنوياً".

لقد شكل اللاجئون السوريون نحو تركيا (3.6 مليون) نحو 5% من سكانها، منهم ما يقرب من 1,740,000 من الأطفال. وقد سبب هذا ضغطًا على المساكن، وعلى البنية التحتية، وعلى خدمات التعليم والصحة. وكانت الحكومة التركية فتحت أمام اللاجئين السوريين أبواب أسواق العمل والاستثمار والسكن، كما فتحت أمامهم المدارس والمستشفيات مجانًا، بينما يدفع التركي 20% من قيمة العلاج الطبي. ويوجد في المدارس الحكومية نحو 645 ألف تلميذ وطالب وعشرات الآلاف في الجامعات. وقد أحدث نقص المعلومات المقدمة للمواطن التركي نوعًا من الغيرة، وشكل تصورًا بأن السوريين يحصلون على أشياء كثيرة مجانية على حساب دافع الضرائب التركي.

 

وكان الرئيس أردوغان قد صرّح بأن الوجود السوري كلف الدولة التركية خلال السنوات الثماني نحو 36 مليار دولار. وهي تشمل تكاليف سدّدتها الخزينة أو تبرعات وإعانات من جمعيات أهلية، ويدخل ضمنها تقدير كلفتي التعليم والطبابة المجانيين للسوريين وغيرهما. ومن المناسب ذكر أن الدولة والمجتمع التركي لم يتحملا وحدهما تكاليف الوجود السوري في تركيا، إذ تقدم الأمم المتحدة وجمعيات خليجية وأوروبية مساعداتٍ عن طرق رسمية. كما التزم الاتحاد الأوروبي بتقديم ملياري دولار سنويًا للمساهمة في تكاليف الوجود السوري في تركيا، ولكن الحكومة التركية تعلن أن الاتحاد الأوروبي لا يلتزم بالدفع.

 

إقرأ أيضا: قراءة في خارطة اللاجئين والمهاجرين العرب عالميا (1 من 3)

التعليقات (0)