هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية تقريرا تحدث فيه عن خطة التقشف
التي أعلنتها الحكومة السعودية خلال الأيام الماضية بسبب انتشار فيروس كورونا
والتراجع الحاد في أسعار النفط، وانعكاساتها المحتملة على رؤية 2030 وعلى السلم
الاجتماعي في البلاد.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن السعودية تمر
بأوقات صعبة بعد أن انتشر فيها الوباء وأثر على خزائنها الإغلاقُ الشامل، بالإضافة
إلى التراجع الكبير في أسعار النفط، ما جعلها تلجأ إلى اتخاذ تدابير تقشف غير
مسبوقة.
واعتبارًا من الأول من تموز/ يوليو المقبل، ستتضاعف ضريبة القيمة المضافة
ثلاث مرات، من 5 إلى 15 بالمئة، كما سيتوقف صرف بدلات غلاء المعيشة لموظفي القطاع
العام.
ويتوقع بعض المراقبين أن ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض مستوى الدخل من
شأنه أن يهدد العقد الاجتماعي بين السلطة والشعب، ويعرقل مسيرة التطوير التي
يتبناها ولي العهد محمد بن سلمان، ويضع المملكة في مفترق طرق صعب بعد ثلاثية أولى
من السنة وصل فيها عجز الميزانية إلى تسعة مليارات دولار.
وتساءل التقرير عن احتمالات أن تؤدي الإجراءات التقشفية الجديدة إلى تقويض
الاستقرار في بلد استفادت فيه السلطة لفترة طويلة من عوائد النفط لإرضاء مواطنيها.
تحديات كبيرة
وأشار الموقع إلى أنه في سنة 2018، استفاد موظفو القطاع العام بتعويض قدره
ألف ريال شهريًا (حوالي 245 يورو) للتعويض عن زيادة سابقة في ضريبة القيمة المضافة
وسعر البنزين، لكن هذا الإجراء يبدو اليوم مستبعدا جدا، ففي سنة واحدة فقط، انكمشت
عائدات النفط بمقدار الربع، وقلت الموارد الإجمالية بنسبة 22 بالمئة.
اقرأ أيضا: ذي نيويوركر: الشرق الأوسط يتأرجح بين أزمتي كورونا والنفط
ووفقا لكثير من المحللين، يمكن للسعودية أن تصمد لعقد من الزمن إذا استقر
سعر برميل النفط عند 25 دولارًا، لكن المشكل أعمق من ذلك بكثير في بلد بنى ثروته
على عائدات النفط والضرائب المنخفضة والعمالة الأجنبية الرخيصة.
ويرى الخبير الاقتصادي طارق فضل الله في تحليل لمجلة بلومبيرغ أن
"التحدي الآن هو الحفاظ على القدرة التنافسية أمام الدول المجاورة التي تتميز
بنسب قيمة مضافة منخفضة ومعدلات ضريبية أقل بكثير. كما أن للإمارات وقطر بنية
تحتية أكثر تطورا، ويتمتع الأجانب في الدولتين بقدر أكبر من الحريات
الفردية".
تخفيض إنتاج النفط
وأوضح التقرير أن الرياض كانت قد أعلنت في 11 أيار/مايو الجاري عن تخفيض في
إنتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميا بدءًا من حزيران/ يونيو المقبل، وهو تخفيض
جديد أضيف إلى ما تم إقراره في نيسان/أبريل الماضي بموجب الاتفاقية مع دول أوبك
بلاس. ويرفع القرار الجديد التخفيض الإجمالي في إنتاج المملكة بنحو 4.8 ملايين
برميل يوميا ليبلغ أدنى مستوى في العشرين سنة الماضية.
وحسب الموقع، فإن تهديد الولايات المتحدة بسحب جنودها من السعودية في حال
لم يقع تخفيض الإنتاج، أسهم بشكل كبير في قرار التخفيض الجديد الذي اتخذته
الرياض.
وكانت "حرب الأسعار" التي اندلعت بين السعودية وروسيا قد شكّلت
تهديدا غير مسبوق لصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، لا سيما أن تكلفته
أكبر بكثير من النفط العادي، وهو ما كبّده خسائر فادحة عندما انهارت الأسعار.
هل رؤية 2030 في خطر؟
يرى الموقع أنه رغم الآثار الصحية الخطيرة لوباء كورونا في السعودية،
باعتبارها البلد الأكثر تضررا في شبه الجزيرة العربية، إلا أن ما يثير قلق ولي
العهد بالدرجة الأولى هو مستقبل رؤية 2030 التي ارتبطت ارتباطا وثيقا باسمه.
وبعد الانتكاسات الاقتصادية الأخيرة، أصبحت الخطة الحالمة لتغيير وجه
الاقتصاد السعودي وتنويع مداخيله، أمام تحديات هائلة.
وقد تزامن انهيار أسعار النفط الخام مع انطلاق المرحلة الأولى من المشروع
التي من المحتمل أن تتأخر بسبب انتشار فيروس كورونا. وفي ظل الظروف الحالية، من
المؤكد أن مخططات إنشاء مدينة نيوم المستقبلية التي خُصّص لها مبلغ 500 مليار
دولار، ستتعثر، كما يمكن لرؤية 2030 أن تتحول إلى رؤية 2040 في أحسن الأحوال.
وفي تعليقها على ما يعيشه الاقتصاد السعودي من صعوبات، قالت الباحثة في
المعهد الإيطالي للدراسات السياسية أناليزا بيرتيغيلا إن الأزمة المرتبطة بسوق النفط
وتأثير جائحة كورونا تطرح عراقيل لا يمكن إنكارها أمام تنفيذ رؤية 2030.
تضيف الباحثة أن السلطات في السعودية ستحاول البحث عن حلول لخفض الإنفاق،
مثل النأي بنفسها عن الصراع اليمني، كما ستعمل على زيادة شعبيتها من خلال المشاريع
والبرامج الترفيهية لاحتواء السخط الشعبي حيال الإجراءات الجديدة.