مقالات مختارة

هل ستكون ليبيا ساحة لصراع المغرب والجزائر؟

نزار بولحية
1300x600
1300x600

للفرنسيين وجود في ليبيا، وللإيطاليين أيضا وجود قد يبدو مناقضا له على طول الخط. وللروس بدورهم موطئ قدم ثابت هناك، مثلما أن للأمريكان خطط ومشاريع، وللأتراك والإماراتيين وغيرهم نشاطات وارتباطات شتى مع أكثر من طرف من أطراف الصراع المحتدم فيها.

 

ذلك كله قد يكون في السياق الدولي والإقليمي مبررا ومفهوما، لكن هل سيكون من المبرر والمفهوم أيضا أن يختلف المغاربة والجزائريون الآن على معضلة مغاربية بالأساس، كان الأجدر والأولى أن تكون فرصة ثمينة لتقاربهما ولو بشكل جزئي، وجعلهما يسعيان معا للبحث عن حل، أو عن تصور مشترك للحل داخل البيت المغاربي الواحد، بدلا من ترك الأمر برمته رهنا للإرادات الأجنبية؟

لعل حساسية الجارتين إزاء بعضهما بعضا باتت لا تسمح بذلك، بل صارت على العكس تجعل من فرص توافقهما على المشتركات لا تتخطى حدود بعض القضايا، التي قد تعد على أصابع اليد الواحدة لا غير. ألم يحصل في وقت قريب أن أبدى الجزائريون نوعا من القلق وعدم الارتياح لمؤتمر الصخيرات، الذي جمع الفرقاء الليبيين إلى طاولة واحدة، وعبروا ولو بشكل غير رسمي عن معارضتهم لفكرة تنظيم مثل ذلك الاجتماع في المغرب؟ لكن أليست الجزائر هي الأقرب جغرافيا لليبيا؟ وفي حال نشبت هناك، لا قدر الله، حرب إقليمية، أو حتى عالمية ألن تكون هي المتضرر منها أكثر من المغرب؟

 

إن جوهر الانقسام في هذا الموضوع بالذات ليس مغربيا جزائريا فقط، بقدر ما هو إقليمي أيضا، فبالنسبة للمغاربيين تتعدد الزوايا والحسابات في الملف الليبي. فقد تكون تلك الحرب بنظرهم حربا على المواقع، أو على غاز المتوسط أو حربا للسيطرة على الثروات والثورات معا، أو حربا غامضة ذات أهداف مجهولة وغامضة إلى الآن. إذ ليس مؤكدا أنهم يملكون تصورا محددا ودقيقا حول طبيعتها أو أهدافها أو المدى الذي قد تأخذه تداعياتها وأبعادها في مراحل مقبلة.

 

وحتى لو حصل ذلك فهم لا يبدون أي إشارة تدل على إحساسهم بثقل وتأثير معركة طرابلس عليهم، اللهم باستثناء تخوف التونسيين المبالغ، ربما من تدفق محتمل للاجئين إلى أراضيهم، أو حتى تسلل إرهابيين محتملين إليهم في خضم ما ستسفر عنه المواجهة.

ومع أن تشخيصهم ليس واحدا، فضلا عن أنهم لا يملكون تصورا لحل عملي مشترك لمأساتها، فإن الأمر الذي قد لا يختلفون حوله ويجمعون عليه بالمقابل، هو أن جميع بلدانهم وبغض النظر عن قربها أو بعدها الجغرافي عن مرمى النار، لا تريد للحريق الليبي أن يمتد لأراضيها من دون أن تأبه كثيرا في خضم ذلك لما سيلحق بالليبيين أنفسهم من موت وخراب ودمار جراء ذلك.

 

إنهم يستمرون في ترديد مقولات قديمة من قبيل أن أمن ليبيا من أمن تونس، وأمن الجزائر، أو حتى أن أمنها من أمن المغرب الكبير، لكنهم لا يفعلون شيئا غير تصدير البيانات وإعلان النوايا والأمنيات السعيدة، أو السكون والصمت المطبق، مثلما يفعل المشرفون على اتحادهم، تحت مبرر أن لا حول لهم ولا قوة. وقد ذكر لي أحد الأصدقاء حين سألته قبل أيام عما يفعله في هذا الظرف واحد من أصدقائه وهو أمين عام الاتحاد المغاربي، وبسخرية لاذعة أن مهمة معاليه هي دعوته على العشاء في أفخر مطاعم الرباط كلما حل بالمغرب.

 

وربما يكون الطيب البكوش معذورا، فهو أمين عام اتحاد مفقود لا يوجد إلا في الملفات والدفاتر الموضوعة في أدراج مكتبه. لكن هل تعذر الدول والشعوب أيضا؟ لقد ظل الشعار الفعلي لدبلوماسية تونس وهي البلد الأقرب لليبيا في تعاملها مع ما يحصل فيها هو عاش من عرف قدره. واستعاد البعض مثل الجزائر التي تملك ثقلا ووزنا أكبر من جارتها الصغرى، ولكنها استمرت مع ذلك في التمسك بخيار التحفظ، ورفض التدخل في ليبيا، لتقول إن الظرف لا يسمح لأحد بأن يلقي اللوم على تونس إن هي لم تجازف بالخروج عن الخط الذي عرفت به.

 

فالكل كان يعلم جيدا مقدار ما تعيشه من صعوبات، ويدرك أيضا أن هشاشة وضعها الداخلي لن تسمح لها بالمضي بعيدا، لكن شيئا ما قد يكون تغير بعد قدوم الرئيس التركي إليها الأربعاء الماضي، في زيارة غير معلنة جعلت كثيرين يتساءلون عما إذا كانت في طريقها للتخلي عن وقوفها المطول على الربوة الليبية، والتنبه لدقة وخطورة ما يجري على بعد كيلومترات قليلة من ترابها.

وكانت استجابة الرئيس قيس سعيد للطلب الذي قدمه له مجلس القبائل الليبية، حتى يتدخل لحقن الدماء الليبية هي المفتاح. لكنه كان يعرف جيدا أن هناك أكثر من طرف بات مهتما ومنخرطا في ما يجري في جارته الجنوبية. فلا يكفي أن تحضر بعض الوجوه الليبية إلى تونس، بل لابد من أن يتم الأمر ضمن إطار أوسع لا يقصي الليبيين أنفسهم أو يحيد عن مبدأ عدم الاصطفاف وراء طرف من أطراف الأزمة.

وكان واضحا أنه لم يكن ممكنا أبدا أن تتم المجازفة بتحرك من ذلك النوع من دون غطاء من الجزائر، أو حصول تطابق في مقاربة البلدين للمشكل، لكن تصريح وزير الداخلية الليبي الخميس الماضي في العاصمة التونسية حول إمكانية قيام حلف بين تركيا وتونس والجزائر لضمان الاستقرار في المنطقة، على حد وصفه، أثار زوبعة لدى بعض الأوساط دفعت الرئاسة للتدارك بسرعة وإصدار بيان ينفي نية تونس الانضمام لأي حلف، أو الاصطفاف وراء أي طرف.

 

ولم يعرف بعد ما الذي حدا بالوزير الليبي لأن يصرح بذلك، في الوقت الذي كان يعلم فيه أن الجزائر لم تتحمس لدعوة حكومته لمساعدتها عسكريا، كما لم يعرف في الأثناء كيف سيمكن لتونس أن تقدم «إسهامات قيمة وبناءة في تحقيق الاستقرار في ليبيا»، كما قال الرئيس التركي من دون أن يرتبط ذلك بتغير مقبل في الموقف الجزائري، لكن الواضح أن دولا أخرى من بينها المغرب، لم تقابل مثل تلك التطورات بحرارة، بقدر ما نظرت لها بارتياب، فهي لا تبدو مرتاحة لقيام حلف إقليمي يشمل الجزائر حتى لو كان غرضه الأول والمباشر ليبيا، لأنه يمكن أن يعالج لاحقا وبشكل من الأشكال قضايا خلافية مثل معضلة الصحراء. وربما يرى المغاربة أيضا أن إشراك الجزائر في مؤتمر برلين حول ليبيا سيقوي من نفوذها الإقليمي وقد يجعلها محاورا مسموعا في العواصم الكبرى في تلك القضية وفي غيرها من الأزمات التي تعطل التطبيع مع الجزائر.


ومع أن البلدين يتابعان التدخلات الخارجية في جارتهما من زاويتين مختلفتين تمام الاختلاف، إلا انهما يتفقان على الأقل على مسألة وهي رفضهما لأي تدخل عسكري فيها. لكن لسان حال البعض قد يقول في الأثناء: أي واحدة منهما ستسبق الأخرى في تسجيل نقاط إضافية في تلك الساحة الخلفية لصراعهما والمسماة ليبيا؟

(القدس العربي اللندنية)

2
التعليقات (2)
Omar omar
الخميس، 02-01-2020 09:04 ص
تونس عالقه في الوحل والاراده مفقوده لحل مشاكلها الاقتصاديه والاجتماعيه الداخليه، دويله ضعيفه مريضه شعبها يعيش على المساعدات الاجنبيه والادويه الاجنبيه وكل فضلات الدول الغربيه ، فهل يستطيع فقير ان يساعد الاخريين وهو في امس الحاجه للمساعده، معادله صعبه تعشش في ادمغه المفكريين الذين لا يستطيعون تغيير الواقع بكتابه بعض الاسطر.
الطيب صياد
الأربعاء، 01-01-2020 08:11 م
هذه خاطرة أكثر منها مقالا تحليليا أو مقال رأي