هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت "بي بي سي" تقريرا تحدثت فيه عن ثورة رقمية تشهدها بقاع كثيرة في الأرض في الوقت الحاضر، وأهمها الهند.
وقالت إن الهند تحظى منذ أمد بعيد باللبنات الأساسية للاقتصاد الحر، الذي يرتبط غالبية العاملين فيه مع مؤسساتهم بتعاقدات قصيرة الأجل، فإن دخول الإنترنت إلى المشهد أجبر الشركات على أن تصبح أكثر تنظيما، وأن تقدم خدمات منتظمة بشكل أكبر.
وأضافت أن نطاق تغطية خدمات الإنترنت لا يزال محدودا في الهند، إلى حد أن نسبة الهنود القادرين على الاتصال بالشبكة أو اقتناء هواتف ذكية، تقل عن 25 في المئة من السكان. بل إنها تتدنى في المناطق الريفية إلى ما لا يزيد عن 14 في المئة.
ولا يختلف الوضع عما هو سائد في مناطق أخرى، تضم بين جنباتها دولا ذات اقتصاديات ناشئة؛ بدءا من دول أفريقيا جنوب الصحراء، مرورا بأمريكا اللاتينية، وصولا إلى غالبية بُلدان جنوب شرق آسيا.
ووفقا للتقرير المنشور، فتفيد التقديرات بأن أكثر من نصف سكان العالم غير قادرين على الاتصال بشبكة الإنترنت. وعلى الرغم من أن مساحة التغطية تتزايد في المناطق التي ذُكِرَت في السطور السابقة، فإن تركيب أبراج وكوابل للاتصال بالإنترنت وتوفير خدمات الهاتف النقال، لكي ينتفع بها باقي المليارات الأربعة المحرومين من الشبكة العنكبوتية، سيشكل عملية بطيئة الوتيرة إلى حد بعيد لعدة أسباب؛ ليس أقلها أن المسافات التي يتعين تغطيتها في هذا الصدد هائلة.
لكن بضع شركات تخطط في الوقت الحالي لشيء مختلف؛ يتعلق باستخدام الفضاء في نشر الإنترنت على الأرض، وهو ما يطلق عليه البعض اسم "الإنترنت الفضائي".
ربط العالم
وقالت إن هناك خططا لربط أكثر من نصف العالم بالإنترنت، مشيرة إلى أن الأمر هنا يتعلق بهدف يبدو مذهلا، يتمثل في إطلاق آلاف - وربما عشرات الآلاف - من الأقمار الاصطناعية الصغيرة لتدور في مدار منخفض حول الأرض، لبث خدمة الإنترنت لكل القاطنين في مختلف بقاع المعمورة. إحدى الشركات التي تخطط لذلك، تحمل اسم "وان ويب"، وقد أطلقت أول ستة أقمار تابعة لها في إطار المشروع في شباط/فبراير الماضي. وتسعى لأن تبث إشارة إنترنت محمولة، يمكن لأي شخص في أي مكان استقبالها عبر هاتفه الذكي.
وقالت إنه على الدرب نفسه، تسير شركة "سبيس إكس" المملوكة لرجل الأعمال المعروف إيلون ماسك، إذ تعتزم إطلاق مجموعة من الأقمار الاصطناعية المُوفرة لخدمات الإنترنت، جنبا إلى جنب مع شركة "أمازون".
وربما يقود ذلك في نهاية المطاف، إلى أن تصبح لدينا أكثر من شبكة أقمار اصطناعية، تتنافس بعضها مع بعض لتقديم خدمات الإنترنت عريض النطاق في شتى أنحاء الأرض، ما قد يؤثر على فرص العمل المتوافرة في العالم بشكل مذهل.
سوق العمل
وتقول أنو مادغافكار، شريكة في مؤسسة "ماكنزي غلوبال إنستيتوت" وتعيش في مومباي، إن ما يحدث في الهند يشكل مؤشرا مبكرا، على الكيفية التي يمكن أن تتغير بها اقتصاديات الدول الأخرى، إذا ما وصلت خدمة الاتصال بالإنترنت إلى كل ركن في العالم. فغالبية العمال الهنود - كما توضح - ينخرطون في وظائف؛ إما غير رسمية أو يعملون فيها لحسابهم الخاص، وهي تلك التي يُطلق عليها اسم "المشروعات متناهية الصغر". وثمة إمكانية لأن يتم تنظيم هذه الأنشطة من خلال التطبيقات، كما يحدث مع خدمة توصيل الوجبات الغذائية حاليا.
وبجانب ذلك، هناك ما يبرهن على أن توفير خدمة الإنترنت فائق السرعة وانتشارها بشكل كاف في مختلف أنحاء العالم، يمكن أن يزيد إنتاجية المرء، ويُحْدِثُ تحولات في الاقتصاديات المحلية. ففي الهند مثلا، زادت أرباح المزارعين والصيادين الذين يستخدمون الهواتف المحمولة للتعرف على أسعار المنتجات وأحوال الطقس، بنسبة ثمانية في المئة مقارنة بأقرانهم ممن لا يفعلون ذلك.
وقالت إنه علاوة على ذلك، ثمة تأثيرات أخرى يصعب التنبؤ بها، لمثل هذه التغيرات والتطورات. فقد أوضح تقرير أعدته مؤسسة "ماكنزي"، أن المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة المملوكة لنساء في إندونيسيا، تُدر نحو 35 في المئة من عائدات البلاد من التجارة الإلكترونية. أما المشروعات المماثلة في الحجم والمملوكة لنسوة كذلك من تلك التي لا تعتمد على الإنترنت، فلا يزيد إسهامها في العائدات عن 15 في المئة تقريبا.
وبرأي مادغافكار؛ ستفضي زيادة حجم الاتصال بالإنترنت إلى توفير فرص أكبر لمن يقومون بأعمالهم عن بُعد. فبوسع موظفي المصارف - مثلا في هذه الحالة - تقديم خدماتهم للعملاء عبر الهاتف المحمول. كما يمكن إجراء تدريبات عن بعد، لمن يعملون في مجال تقديم الخدمات للعملاء أو من يضطلعون بأدوار استشارية، ويمكن لهؤلاء أيضا القيام بجانب كبير من العمل الفعلي من على بعد كذلك. ومع توفير خدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، يمكن أن يشهد عدد من يتقدمون للعمل في مثل هذه الوظائف قفزة هائلة.
تَجَنب السلبيات
ووفقا للتقرير فإنه ثمة جانب مظلم للأعمال والوظائف التي تنشأ، بفضل وجود خدمة الاتصال بالإنترنت. فبجانب المخاوف الناجمة عن إمكانية أن تؤدي منصات مثل "أوبر" و"دليفرو" إلى الإضرار بالعمال التقليديين، هناك فئات جديدة الآن من الوظائف، التي ظهرت بفضل هذه التكنولوجيا، وتبدو بالنسبة للكثيرين متدنية الشأن، وتسبب بلادة في الذهن لمن ينخرطون فيها.
وقد زار مارك غرايام، أستاذ جغرافيا الإنترنت في معهد أكسفورد للإنترنت، مباني إدارية ضخمة في أفريقيا، يجلس فيها العاملون على مكاتب للقيام بمهام مثل هذه، لساعات طويلة ومتتالية. وقد أصيب بالصدمة من حجم النشاط الجاري في هذا الصدد، قائلا إنه وجد "مئات من الأشخاص يركزون باهتمام شديد وجدية على شاشاتهم" للقيام بمثل هذه الوظائف، دون أن يغفل الإشارة إلى أن هناك "منافسة ضارية على هذه الأصعدة"، إذ تبين أن عدد من يرغبون في أداء أعمال مثل هذه يفوق كثيرا حجم ما هو متوافر منها.
ويعني ذلك أن قدرة عدد أكبر من الناس على الاتصال بخدمات الإنترنت بفضل "الإنترنت الفضائي" مثلا، سيجعل المنافسة في هذا الصدد تزداد ضراوة.
ويقول غرايام إن هذا الأمر يؤدي إلى تقليص فرص المرء في الحصول على أجر مجزٍ، بالنظر إلى أن هناك "شخصا ما على الجانب الآخر من الكوكب، يستطيع أداء الوظيفة نفسها بأجر أقل كثيرا".