هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يتزامن اليوم الجمعة 16 آب/ أغسطس، مع مرور 6 سنوات على ذكرى مذبحة "رمسيس الثانية" والتي استعملت فيها قوات الجيش والشرطة القوة المفرطة بنفس طريقة مجزرة "رابعة العدوية"، و"النهضة"، حيث قضى نحو مائتي متظاهر بالرصاص وأصيب المئات عقب صلاة الجمعة بالميدان الشهير عام 2013.
أحد شهود العيان على الأحداث حكى لـ"عربي21"، وقائع المجزرة وكيف استخدمت قوات الجيش والشرطة نفس الأسلوب في القنص والقتل الذي استخدمته قبلها بيومين في مجزرة فض رابعة والنهضة.
وبين كيف نجحت القوات الخاصة في خداع المتظاهرين، وتمكنت من إنزالهم من فوق الكباري لتبدأ المجزرة وحصد أرواح العشرات، وكيف استغل القناصة أسطح العمارات لقنص الشباب.
وأشار، شاهد العيان الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى دور الطائرات الحربية في إلقاء القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين، وأيضا الدور الذي لعبه البلطجية في حصار المتظاهرين والاعتداء عليهم وقتل وإصابة العشرات منهم.
كما حكى كيف قتل رصاص الجيش أحد زملائه أمام عينيه فوق كوبري رمسيس، وكيف سحبه وسط وابل من الرصاص وجحيم من قنابل الغاز، وكيف كانت مخاوف الأطباء بالمستشفيات سببا في عدم إسعافه ووفاته.
قهرتنا رابعة.. فذهبنا لرمسيس
الشاب الثلاثيني الذي اعتقل إثر الانقلاب العسكري منتصف 2013، مرتين ثم أفرج عنه قبل نحو عام، قال لـ"عربي21": "كنا بعد مجزرة فض رابعة والنهضة بيومين، وكانت مشاعرنا يغلب عليها الحزن لفقد الأحباب، وإصابة الكثير منهم، ومشاعر القهر لما حدث وهو ما كان ليرقى أن يحدث بخيالنا".
وأضاف: "جمعنا نحو 50 شابا من أنصار جماعة الإخوان المسلمين في أتوبيس قمنا بتأجيره، نحن كل من نجا من مجزرة فض رابعة وأنا منهم، ومن لم يشهدها أو حاول الوصول إليها وتم منعه، وتوجهنا في التاسعة صباحا من مسقط رأسنا بالشرقية نحو القاهرة التي دخلناها من ناحية السواح قاصدين شارع بورسعيد ومنه لميدان رمسيس".
وتابع: "إلا أن قوات غفيرة من الشرطة مدججة بالسلاح أوقتنا في كمين السواح وحاول ضابط برتبة عميد أن يثنينا عن دخول القاهرة وقام باحتجاز بعض الأشخاص ولكنه على غير المتوقع سمح لنا بالمرور ما أثار استغرابي وشكي".
اقرأ أيضا: ست سنوات على "رابعة".. هكذا تفاعل النشطاء مع ذكراها؟
قنابل الغاز .. والبلطجية
وأردف قائلا: "صلينا الجمعة بميدان رمسيس خلف الدكتور صلاح سلطان المعتقل حاليا، وبمجرد السلام من الصلاة وبدون أدنى مقدمات ودون أن يصدر أحد من الآلاف التي تملأ الميدان ومسجد الفتح الشهير هتافا؛ انطلقت قنابل الغاز بشدة كالمطر تتساقط على الميدان الذي شهد حالة من الهرج والمرج".
وبين، أن "الأزمة ازدادت شدة عندما هاجمنا مئات البلطجية من عدة شوارع جانبية لميدان رمسيس بالرصاص الحي من بنادق ومسدسات وبالحجارة والطوب والزجاج، ما أسقط عشرات الجرحى، ولم يكن إلا مسجد الفتح هو المكان الوحيد الآمن حتى تلك اللحظة ليسعف هؤلاء".
وحول رد فعل آلاف المتظاهرين، قال: "كان الحل أن ندافع عن أنفسنا بكل الطرق، فقام الشباب بجمع الحجارة ونقلها لآخرين ليواجهوا البلطجية ويردوهم إلى الشوارع الفرعية، والتقاط القنابل المسيلة للدموع التي تسقط على الميدان وإلقائها مجددا على البلطجية".
القوات الخاصة.. والقناصة
وأكد أن "مجموعة أخرى من الشباب صعدوا فوق مطالع ومنازل كوبري رمسيس وأشعلوا النيران في إطارات سيارات وبعض القمامة حتى لا تتمكن القوات الخاصة التي تتواجد فوق الكوبري وتطلق الغاز والرصاص الحي والمطاطي من الرؤية، ما ساهم مع قذف الشباب للحجارة في ارتداد القوات والمدرعات من فوق الكوبري بعض الوقت".
وأشار إلى أن "الخطر الثالث بعد البلطجية والقوات المتمركزة فوق الكوبري وأسفله من جهة قسم الأزبكية، لاحظ عدد من الشباب وجود قناصة فوق العمارات المحيطة بالميدان يختبئون خلف الإعلانات التي تحيط الميدان، ويصطادون المتظاهرين فقام الشباب بجمع قطع صاج وأخرى خشبية لوضعها لحماية أنفسهم من القنص الذي أسقط الكثيرين بين جرحى وشهداء".
صدمة الطائرات.. وصمود الشباب
وقال إن "الصدمة الأكبر عندما ظهرت الطائرات على مسافات بعيدة تلقي القنابل المسيلة للدموع والتي أشمها لأول مرة بحياتي بهذا الكم من القوة والتأثير رغم تعرضي مرات عديدة للقنابل المسيلة للدموع بثورة يناير 2011، وبفض رابعة".
وأضاف: "رغم حصار البلطجية الذين يهجمون على فترات ويضربون ضربتهم ثم يهربون، وبين القوات الموجودة على الكوبري والتي تواصل إطلاق الرصاص بلا انقطاع، وما تلقيه الطائرات من قنابل غاز ومسيلة للدموع، وما تفعله القناصة في أجسادنا؛ إلا أن الشباب ظل صامدا ومنع مرور القوات الخاصة من فوق الكباري عدة ساعات".
اقرأ أيضا: جماعة الإخوان تدعو "شرفاء مصر" للاصطفاف على أهداف محددة
ولكن كيف كانت الخدعة؟
يقول شاهد العيان: "مع صمود الشباب بالميدان منذ صلاة الجمعة وحتى قبل المغرب وعجز القوات عن الاقتراب من الميدان، فوجئنا بعشرات الملثمين في هيئة موحدة وجسم متانسق متقارب وبزي موحد يحملون أسلحة رشاش آلي يدخلون الميدان ويصعدون إحدى ممرات كوبري رمسيس وقاموا بإنزال جميع الشباب الذين يحملون الحجارة بحجة أن معهم سلاح سيواجهون به قوات الشرطة والجيش".
وأشار إلى انخداع بعض الشباب الذين "فرحوا وكبروا في الميدان وألقى كل منهم ما يحمل من حجارة ووقف يتفرج على الأبطال الذين سيواجهون الأمن، ولكن معظم الشباب فهم أنها خدعة من الأمن لتأكده أن الإخوان لا يحملون السلاح؛ فقط الحجارة، وأن هؤلاء الملثمين ما هم إلا قوات خاصة جاءت لإنزال الشباب من فوق الكوبري وفتح الطريق أمام القوات لقنص المتظاهرين وإخلاء الميدان".
وأكد أنه "بالفعل نزل الشباب من فوق الكوبري واقتربت كثيرا مدرعات القوات الخاصة من الميدان وأعملت القتل بشكل واسع في المتظاهرين".
توأم روحي
وقال بصوت مكتوم: "وهنا تبدأ خسارتي لأحد أهم أصدقاء عمري، فعندما فهم الشباب اللعبة حاولوا العودة مجددا للكوبري ومواجهة القوات بالحجارة وإشعال الإطارات وكنت من بينهم أنا ومجموعة كبيرة من شباب قريتي تعاهدنا على الشهادة كما استشهد 4 منها في رابعة".
وأضاف: "كان من بين الشباب الذين قاموا لأجل حماية بقية زملائهم في الميدان وواجهوا ببسالة الرصاص والغاز حتى تم إشعال النيران ورد القوات، صديق عمري وتوأمي المهندس العشريني (ف)، الذي سقط برصاصة فوق الكوبري، فجرينا نحوه نجره بعيدا وسط الرصاص والغاز والدخان واستطعنا النزول به".
وتابع: "جرينا في ذهول نحمله لإسعافه بأقرب مستشفى، إلا أن الأطباء تخوفوا من إسعافه ورغم محاولات متأخرة كان قد لاقى ربه شهيدا، وهو وحيد والديه اللذين علماه حتى أصبح مهندسا".
وأكد: "ظللت مع توأم روحي ما بين حزني لفراقه وألمي لألم أمه عليه وجرح أبيه فيه، ولكني دائما ما كنت أغبط صديقي وأقول له حتى واريته التراب لقد صدقت مع الله ياصاحبي فصدقك الله ورزقك بالشهادة".
وختم بالقول: "علمت فيما بعد أن الميدان تحول إلى بركة دماء وأن نحو 200 شهيد ومئات الجرحى سقطوا، وأن 50 من أبناء قريتي تفرقوا من الميدان واستطاع بعضهم الذهاب لأقارب له بالقاهرة ونجح آخرون في العودة بجراح يوم لن يمحى من الذاكرة".
وشنت قوات الأمن هجوما مكثفا مع حلول الليل على المتظاهرين وأخلت الميدان وحاصرت المئات بمسجد الفتح، حتى فجر السبت، وتم اعتقال المئات الذين يحاكم أغلبهم بالقضية المعروفة إعلاميا بـ"مسجد الفتح".