صحافة دولية

NYT: الانتخابات تضع أوروبا على جبهة الحرب مع الشعبوية

نيويورك تايمز: الانتخابات الأوروبية تضع أوروبا على جبهة الحرب مع الشعبوية- جيتي
نيويورك تايمز: الانتخابات الأوروبية تضع أوروبا على جبهة الحرب مع الشعبوية- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمدير مكتبها في روما جيسون هورويتز، يقول فيه إن الانتخابات تضع أوروبا على خط المواجهة في المعركة مع الشعبوية.


ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ماتيو سالفيني كان يستمتع يوم الاثنين بالنصر الذي حققه حزب رابطة الشمال الذي يقوده في انتخابات البرلمان الأوروبي، التي أجريت الأسبوع الماضي، والتي جعلته أكثر السياسيين الإيطاليين نفوذا، وأقوى قياديي التيار الشعبوي في أوروبا، لافتا إلى أن أوروبا إذا كانت شكلت في السنوات الأخيرة حاضنة للقومية المتنامية، فإنها اليوم تبدو كميدان حرب. 

ويقول هورويتز إن "مشروع الوحدة الأوروبية أصبح اليوم في مهب الريح، وقد حركت الانتخابات الطرفين في قارة باتت مستقطبة، فكان الصراع بين القوميين الساخطين، الذين يسعون للحد من سلطة ما يرون أنها بيروقراطية بعيدة في بروكسل، ضد مؤيدي الوحدة الأوروبية، الذين أصبح عليهم الدفاع عن وحدة كانت تعد من البديهيات. 

وتورد الصحيفة نقلا عن سالفيني، الذي فاز حزبه بـ 34% من الأصوات في إيطاليا بسبب سياسته المعادية للهجرة، قوله: "هناك رياح تحمل طاقة إيجابية، جلبت معها شيئا من الهواء النقي".

ويجد التقرير أنه في الوقت الذي زاد فيه الشعبويون من نصيبهم من المقاعد في البرلمان الأوروبي، إلا أنهم حرموا من إحداث زلزال على مستوى أوروبا كما توقعوا هم ومؤيدوهم -وكما خشي منتقدوهم- وفي وقت ارتفعت فيه نسبة المشاركين في الانتخابات إلى أعلى نسبة خلال 20 عاما.

 

ويلفت الكاتب إلى أن 75% من الناخبين يؤيدون الأحزاب التي تدعم اوروبا، ما منع تحقيق انتصار شامل للتيار الشعبوي، فيما حققت الأحزاب المؤيدة لأوروبا، مثل حزب الخضر، مكاسب غير متوقعة، مشيرا إلى أنه بالنسبة لمنتقدي سالفيني، الذين يرون فيه النسخة الأوروبية من الزعيم الشعبوي الذي يبدو الآن في حالة صعود في أنحاء العالم، فإن الأجواء التي أوجدها تفوح بالضرر.

وتفيد الصحيفة بأن الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في الهند وأستراليا والفلبين، أظهرت دعم الشعب للزعماء المتشددين، لافتة إلى أن سالفيني وغيره من الشعبويين في أوروبا يحاولون تقليدهم، فهم يعارضون الهجرة، وينادون بالقومية، ويلومون العولمة، ويعدون بالعودة إلى الأزمنة القديمة الأفضل.

ويستدرك التقرير بأن الانتخابات الأوروبية كشفت على نطاق واسع عن أن جاذبية ذلك للناخب محدودة، لحد الآن على الأقل، مشيرا إلى أنه في وقت يقوم فيه المعارضون بالحشد في زمن يمتاز بالتقلب السياسي، فإن الاستطلاعات تظهر بأن الشعب لا يريد هدم الاتحاد الأوروبي، وإن أراد الكثيرون أن يغيروا فيه، فإنهم يختلفون حول الطريقة.

ويرى هورويتز أن الانتخابات في اوروبا أظهرت بأن خطوط المعركة بين الشعبويين والمؤسسة السياسية لا تزال تتشكل في ساحة سياسية حرجة ومعقدة. 

وتنقل الصحيفة عن الأستاذ والمحلل السياسي في جامعة العلوم في باريس زكي العايدي، قوله: "يتم اليوم استبدال الحاجز الذي كان يفصل اليمين عن اليسار بشرخ واضح بين الشعبويين والمعارضين للشعبوية". 

وينوه التقرير إلى أن أوروبا كانت في حالة تخمر سياسي منذ الأزمة المالية عام 2008، التي خلقت انقسامات بين الشمال والجنوب، والأغنياء والفقراء، وولدت استياء انفجر على شكل رد فعل شعبوي بعد أزمة الهجرة عام 2015، مشيرا إلى أن الأحزاب الجديدة، التي كانت على الهامش في العديد من البلدان، وجدت فجأة دوائر انتخابية، في الوقت الذي انهارت فيه الموسسة السياسية في اليونان وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرها.

ويذكر الكاتب أنه في الاقتراع الذي أجري خلال عطلة نهاية الأسبوع، نافست زعيمة اليمن المتطرف مارين لوبان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يقدم نفسه على أنه وجه الحداثة الأوروبية.

وتقول الصحيفة إنه في أوروبا الشرقية، فإن الزعماء اليمينيين المتطرفين في كل من هنغاريا وبولندا، يقودون ويتحدون بشكل روتيني الأعراف الديمقراطية والمؤسساتية في الاتحاد الأوروبي، فحزب رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، الذي قوض الاعراف الديمقراطية، فاز بأصوات أكثر من نصف الناخبين.

ويستدرك التقرير بأنه في ألمانيا وغيرها، فإن القوى الشعبوية لم تحقق توقعاتها، والتهديد للمؤسسة الأوروبية التي خسرت أصواتا، جاء من الخضر والليبراليين، اللذين كان لهما حضور كبير، واللذين يؤيدان أوروبا.

ويشير هورويتز إلى أنه في إيطاليا، مسقط رأس الفاشية، ولاحقا العضو المؤسس في الاتحاد الأوروبي، فإن سالفيني حقق نجاحا تخطى حتى سقف توقعاته الذي كان يحلم به، وعززت هذه النتيجة قوة نفوذه في السياسة الإيطالية، مستدركا بأن ذلك صاحبه انهيار قوة شعبوية أخرى -تتمثل في شركائه في تحالف حركة الخمس نجوم- بالإضافة إلى انبعاث الحزب الديمقراطي (يسار الوسط) المؤيد للاتحاد الأوروبي، بعد أن عانى خسارة كبيرة في الانتخابات الوطنية العالم الماضي. 

وتورد الصحيفة نقلا عن مديرة معهد الشؤون الدولية الإيطالي ومستشارة مديرة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، ناثالي توكي، قولها إن اللغة المثيرة للانقسام ضد الاتحاد الأوروبي، التي هي أساس مشكلات القارة الأوروبية "في الواقع حفزت الناس.. وفجأة أصبحت أوروبا تعني شيئا ما"، وتشير توكي إلى أنه بسبب عدد المشاركين، وعودة الحياة إلى السياسة الأوروبية من المصوتين الخضر والليبراليين، فإن "أداء القوميين لم يكن بالشكل الذي خشيه الكثير".

وتضيف توكي أن فوز سالفيني سيضمن عزلة إيطاليا في أوروبا، واعتبرت اعتزامه تشكيل مجموعة شعبوية في البرلمان الاوروبي قوامها 140 عضوا "غير مهم أبدا"، فيما لم يكن واضحا خارج إيطاليا، بأن هناك حركة شعبوية متماسكة عابرة للأقطار يمكن قيادتها.

وينقل التقرير عن توكي، قولها: "إنهم مختلفون داخل التحالف.. فداخل المجموعة هم مختلفون مع بعضهم"، وتضيف: "نعم إنهم جميعا ضد الهجرة، لكن سالفيني هو الشخص الذي يقول إن على الدول الأوروبية الأخرى تحمل العبء.. فحاول أن تقنع أوربان بذلك.. هذه هي القضية بالنسبة للقوميين. إنهم قوميون، لا يساعدون بعضهم البعض".

ويجد الكاتب أنه رغم أن الشعبويين اليمينيين المتطرفين في أوروبا لم يحققوا ما كانت تخشاه المؤسسة السياسية، إلا أن سالفيني حصل على حوالي ثلث الأصوات في بلده، مشيرا إلى أنه فعل ذلك من خلال إبحاره مع الرياح السياسية السائدة في كثير من أنحاء العالم، في وقت يقوم فيه الديكتاتوريون في روسيا والصين بتحديد وتيرة السباق الجيوسياسي في العالم، فيما يقوم الرئيس ترامب باختبار مدى تحمل نظام حفظ التوازن في أمريكا، فقد ارتفع شأن الزعماء الذين يتعاملون بالقوة والمعادين للديمقراطية في أنحاء العالم كله. 

وتذكر الصحيفة أن رئيس وزراء الهند الحالي، اليميني والقومي الهندوسي ناريندا مودي، فاز في الانتخابات لولاية جديدة الأسبوع الماضي، من خلال أجندة شعبوية تفضل الأكثرية الهندوسية، وتثير مخاوف الأقليات، وخاصة المسلمين، مشيرة إلى أن الرئيس الفلبيني رودريكو دوتيرتي، الذي شن حملة ضد المخدرات، يقدر ناشطو حقوق الإنسان أنها تسببت بمقتل 20 ألف شخص يشك في اتجارهم بالمخدرات، فاز بمقاعد إضافية هذا الشهر في مجلس الشيوخ، وألغى المعارضة تماما من مجلس الشيوخ.

وينقل التقرير عن أستاذ العلوم السياسية ومؤلف كتاب (صعود دوتيرتي: الثورة الشعبوية ضد الديمقراطية النخبوية) ريتشارد هيدريان، قوله: "هكذا تموت الديمقراطية في عصرنا، تهلك على ظهر ديماغوجي يدخل الديكتاتورية الشعبوية بموافقة من الجماهير وحتى النخبة".

ويقول هورويتز إن "كل بلد له تعقيداته الخاصة، إلا أنه من وجهة نظر عالمية كان واضحا أين يميل المحور السياسي".

وتورد الصحيفة نقلا عن سفير إيطاليا السابق للناتو ستيفانو ستيفانيني، قوله: "هناك انحراف للتوازن السياسي نحو اليمين"، وأضاف: "يستطيع الزعماء محاولة تجنب المؤسسات والأنظمة التقليدية للرقابة بالذهاب مباشرة للشعب.. وقد يؤدي ذلك إلى مرحلة تضيع فيها الديمقراطية فعلا"، وأشار إلى أنه بالرغم من أننا لم نصل إلى تلك المرحلة، إلا أنه يخشى من أن أدوات مثل "فيسبوك" و"تويتر"، التي يحبها كل من ترامب وسالفيني، ستسرع من العملية، وقال: "إن الديمقراطية اليوم تواجه الخطر ذاته الذي واجهته الديمقراطية في اليونان القديمة: التحول إلى الاستبداد".


وينقل التقرير عن كبير المستشارين لمعهد أسبين إيطاليا، في أوروبا، روبيرتو مينوتي، قوله إن الاضطرابات في سياسات الهوية -الهجرة والعولمة وعدم المساواة الاقتصادية- أدت إلى أسئلة جادة حول ديمقراطية السوق الحرة.

وأضاف مينوتي: "التغيير بشكل عام يخلق المخاوف، وهذا تفسير مبسط لهذا التحول (إلى اليمين).. ولكن في الوقت ذاته يبدو لي أن التوجه الكبير الآخر كان التقلب".

 

ويبين الكاتب أن الأحزاب التي كانت في قلب السياسة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية تنهار، وقوضتها نتائج الانتخابات بشكل أكبر، فحزب بريكسيت، حزب حقيقي نشأ فجأة قبل أسابيع وكسب حوالي 32% من الأصوات في بريطانيا، مشيرا إلى قول مينوتي: "سواء كان هذا مرضا عضالا أم هو مجرد صداع كبير، لا نعلم".

وتستدرك الصحيفة بأن "ما هو واضح هو أن التاريخ الأوروبي الحديث، خاصة المتعلق بأوروبا، أن الأشياء تتغير بسرعة، فقبل خمس سنوات فقط أصبح رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي من الحزب الديمقراطي الإيطالي نخب اليسار في أوروبا بفوزه بأربعين في المئة في الانتخابات الأوروبية، وأصبحت حركة الخمس نجوم شريك رابطة الشمال الحزب الرائد في إيطاليا في الانتخابات الوطنية العام الماضي، لكنه الآن خسر نصف التأييد، وجاء بعد الحزب الديمقراطي".

ويلفت التقرير إلى أن سالفيني لم يضع وقتا في محاولة تحويل انتصاره هذا إلى مكاسب يمكن أن تساعد على استمرار نجاحه، فقام يوم الاثنين بالعودة إلى حملاته السياسية، وقال إن انتخابه يمنحه الفرصة بإعادة التفاوض مع أوروبا حول قواعد الميزانيات المفروضة للتخفيف من مديونية إيطاليا المتضخمة، لكنها ستؤثر على خططه للتخفيف من الضرائب، وهو ما يحظى بشعبية سياسية. 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول سالفيني: "سأستخدم هذا الإجماع لمحاولة تغيير القواعد الأوروبية الضارة بالشعب الإيطالي".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)