هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تعد الهجرة إلى سويسرا حلم ذاك العربي الباحث عن ملجأ من الاضطهاد، فالبلد الذي شهد توقيع اتفاقيات حقوق الإنسان وقوانين حق اللجوء، أصبح البلد الأكثر إزعاجاً للحالمين بحياة آمنة، بسبب العديد من المشاكل التي بدأت تطفو على سطح الأحداث خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
ولعل أبرز هذه المشاكل تبدأ من طريقة الاستقبال وتأمين السكن وصولاً إلى مخاطر رفض اللجوء والترحيل إلى بلدان قد لا تكون آمنة أحياناً.
مساكن كالسجون
في مقرات تشبه السجون، يتم استقبال طالب اللجوء في المرحلة الأولى، ويظل اللاجئ ينتظر أياماً قد تصل إلى شهر، ريثما يتم فرزه الى مخيم آخر، وهناك غير مسموح له باستخدام الهاتف ولا أي جهاز كهربائي. الطعام يتم توزيعه في أوقات معينة بالطابور، ومن فاته الطابور ينام بلا عشاء، أما الخروج فيحتاج إلى إذن مسبق.
يوضح مهاجر سوري مكث مع عائلته في هذا المكان نحو عشرين يوماً لـ"عربي21"، أن العائلات والأفراد ينامون في غرفة واحدة أحياناً، ودورات المياه والحمامات المتاحة لا تكفي للعدد الذي يربو عن مئتي شخص في مقر شديد التحصين.
ويواصل المهاجر الذي يدعى أبا سلمان حديثه عن معاناة المهاجرين العرب: "أكبر معاناة هي اللغة، فالتواصل مع القائمين على المخيم لا تتم بسهولة، اللغة الألمانية صعبة بالنسبة لنا وليست من اللغات التي يتم تدريسها في بلادنا، لكن بالنسبة للمقابلات والتحقيقات فهناك مترجمون محلفون معتمدون من السلطات، وهناك مترجمون من اللاجئين أنفسهم يصطحبوننا إلى الأطباء أو الدوائر الرسمية للمساعدة في عملية التواصل".
سراديب نووية
ويلاحظ أن بعض مراكز الإيواء هي عبارة عن سراديب تحت الأرض لا ترى الشمس. وفي ظل تصاعد أعداد الوافدين إلى أوروبا منذ بداية الثورات العربية، فتحت سويسرا الملاجئ المُعدّة للحماية من الأسلحة النووية، وحوّلتها إلى مراكز لإيواء طالبي اللجوء من الشباب، لكن هذه لا تلائم البعض صحياً على غرار عمران العراقي الذي قال لـ"عربي21": "الحياة تحت الأرض غير صحية بتاتاً، إذ إن هناك نحو ثمانين شخصاً موزعين على غرف ولهم صالة جلوس وصالة طعام وغرفتان للاغتسال. لم أحتمل العيش هناك أكثر من عشرة أيام بسبب حساسية أعاني منها منذ الطفولة، لذلك طلبت نقلي وتم لي ذلك بعدما حصلت على تقرير طبي".
الترحيل نحو الموت
أما بالنسبة لعمليات الترحيل، فقد وصلت في سويسرا إلى ذروتها متفوقة بنحو الضعف على غيرها من دول أوروبا، ففي العام 2017، تم ترحيل حوالي 57% من طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم إلى بلدانهم، فيما كان متوسط هذا الرقم بالنسبة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أقل من 37% بقليل.
وهنا تعرضت السلطات لانتقادات واسعة من جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان لأن بعض هؤلاء المُرحلين تعرضوا حين عودتهم إلى بلدانهم للاعتقال أو للأذى الجسدي وصولاً إلى الموت، ولعل هذا الهاجس كان يقض مضجع هاني الشاب الإرتيري الذي يتكلم العربية، فقد تم رفض طلبه رغم ما ينتظره هناك من ظلم وقهر بسبب النظام الديكتاتوري الحاكم.
السوريون كان لهم نصيب أكبر من القبول بحكم الحرب الدائرة في بلدهم، بيد أن بعضهم اصطدم بقرار دون المُرتجى، فتم منحهم إقامات مؤقتة، أما سمر السودانية التي هربت مع طفلتيها من دارفور، فهي لا تزال تنتظر مصيرها منذ ثلاث سنوات ولم يتم البت بطلبها، فيما يعاني أبو نضال الذي أتى من مخيم اليرموك في سوريا مع عائلته، ومعه شابان مقعدان لم يشفع لهما وضعهما في تأمين سكن ملائم فعانت العائلة من صعوبة العيش في مخيم مكتظ بالمهاجرين لأكثر من سنتين.
معاناة دبلن
وقد تكون مشكلة اتفاقية دبلن إحدى أبرز المشاكل التي عانى منها الكثيرون، ومنهم رياض السوري القادم من إدلب، و"ذنب" رياض أنه بصم في كرواتيا، فرغم الظروف الصعبة التي يعاني منها هذا البلد أصرت السلطات السويسرية على إعادته إلى كرواتيا وهنا بدأ رحلة أخرى من العذاب.
في هذا الإطار تطبق برن بشكل منهجي اتفاقية دبلن، حيث تقوم بإرسال عدد أكبر بكثير من الأشخاص إلى الدول الأخرى المنخرطة في اتفاقية في دبلن، مقارنة بعدد الأشخاص الذين تستعيدهم منها.
ربما هذا هو حال معظم اللاجئين العرب في سويسرا، وهم على الأغلب سوريون وعراقيون ويمنيون وهناك أعداد أقل من السودان والصومال ومصر والجزائر وتونس والمغرب، إلى جانب الإريتريين الذين ينطق معظمهم بالعربية، وهم النسبة الأكبر بين اللاجئين العرب.