هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نقطة ضعف الانقلاب الأساسية أنه نظام بلا شرعية، وقابليته للسقوط مؤكدة
سلطة الانقلاب تعاني اضطرابا وقلقا؛ بسبب صراع الأجنحة أو الفشل العام
سيظل موقفنا ثابتا من عودة الشرعية، ولدينا إصرار على عودة الجيش لثكناته
مستعدون للمستقبل، وكل السيناريوهات جاهزة، ولن نعمل وحدنا
سيظل خيارنا هو المسار الثوري السلمي.. وحراكنا مستمر إلى أن يزول الانقلاب وآثاره
الانقسام المجتمعي والقبضة الأمنية المتوحشة يعرقلان العصيان المدني والإضراب العام
السيسي حوّل الكثير من ضباط الجيش للمحاكمات لمجرد إبدائهم تعاطفا مع النظام الشرعي
الحالة المصرية لا يصلح معها مساومات وتنازلات، وحلها الوحيد هو إسقاط الانقلاب
قال الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، محمود حسين، إن "سلطة الانقلاب تعاني اضطرابا وقلقا باديا على منطق قائدها وممارساتها القمعية حتى مع دوائرها القريبة، وذلك مرجعه فيما يبدو لصراع الأجنحة، أو بسبب الفشل العام الذي أصاب كافة جوانب الحياة في مصر".
وأشار -في الحلقة الأولى من المقابلة
الحصرية لـ "عربي21" في الذكرى التسعين لتأسيس جماعة الإخوان- إلى أن
"نقطة ضعف النظام الأساسية أنه فاقد للشرعية، ولذلك فإن قابليته للانهيار
والسقوط قائمة ومؤكدة إن عاجلا أو آجلا".
وشدّد أن "إغلاق المجال السياسي،
وغياب الحريات، وقمع الشعب، سيؤدى حتما إلى انفجار، مهما بدا عكس ذلك"،
مضيفا: "إذا أدرك الشعب قدراته، وأصرّ على ثورته، ووقف وقفة رجل واحد، وانتفض
في وجه الانقلاب، فسوف يصنع التغيير المنشود، وهو حادث لا محالة، وإن طال
الوقت".
وأشار الأمين العام لجماعة الإخوان إلى أنه
"يتم الآن وضع اللمسات النهائية لحكم فردي مستبد سيجر مصر إلى هاوية سحيقة
ومستقبل مظلم، ما لم يتم تدارك الأمر من الجميع".
ودعا إلى إدراك أن "منظومة الحكم
العسكري تشكل خطرا على البلاد، وأن تغيير الوجوه من داخلها لن يجدي نفعا، ولا بد من
حكم مدني، وحكومة منتخبة بشكل ديمقراطي صحيح، وإلا فسنظل ندور في هذه الحلقات
المفرغة إلى أن يأذن الله".
واعتبر حسين أن انتخابات الرئاسة، المزمع إجراؤها
نهاية الشهر الجاري، "مشهد عبثي لا يليق بمصر وتاريخها وحضارتها، وهي مهزلة
لا يصح السكوت عليها"، مضيفا: "ربما تمر مسرحية الانتخابات بالشكل الذي
آلت إليه، لكن عواقبها ستكون وخيمة على حاضر مصر ومستقبلها".
وقال إن "الواقع يؤكد أن غالبية
المصريين لن يذهبوا إلى التصويت في هذه المهزلة، مهما حاول الانقلاب تجميل الصورة،
أو حث الناخبين على المشاركة، وسواء كانت هناك دعوات مقاطعة أم لا فنسبة المشاركة ستكون
ضئيلة جدا"، مستدركا: "وكعادة الدكتاتوريات، ستظهر النتائج فوق العادة، سواء ما يخص نسبة المشاركة أو حصول المرشح الأوحد على
نسبة تقترب من المئة بالمئة".
وبشأن التغيرات المتواصلة التي يقوم بها "السيسي" داخل الجيش وباقي مؤسسات الدولة من أجل محاولة إحكام قبضته، أكد حسين أن "إدارة الدولة بهذا الشكل تعد لعبا بالنار لن يقوى السيسي على مواجهته إن عاجلا أو آجلا"، منوها إلى أن رئيس الانقلاب "لا يحسب حسابا للعداوات المتزايدة التي يحيط نفسه بها".
وكشف عن أن السيسي حوّل الكثير
من ضباط الجيش للمحاكمات لمجرد "إبدائهم تعاطفا مع النظام الشرعي بعد
انتخابات 2012"، مضيفا: "ولكسب رضا الآخرين وولائهم، توسع في زيادة
الرواتب لأضعاف ما كانت عليه قبل الانقلاب، وهكذا بالترهيب والترغيب أصبح مسيطرا،
لكن ليس بنسبة مئة بالمئة، فما زال في القوات المسحة رجال وطنيون يرفضون هذا
الواقع".
وقال الأمين العام للإخوان إن
"المعارضة حاليا في حال لا تحسد عليه، بين تقزيم وتأزيم، لكن روح الثورة التي
ما زالت متقدة في القطاع الأوسع من المعارضة تهيئ المشهد لتغيير ممكن".
وطالب من وصفها بقوى المعارضة الحقيقية بأن
"تؤهل نفسها لكفاح طويل الأمد، يضع في حسبانه أولا إزاحة الانقلاب كهدف رئيس،
ثم يضع ترتيبات مرحلة ما بعد الانقلاب على أسس سليمة".
ودعا إلى أن يتجه الجهد الأكبر الآن نحو رفع منسوب الوعي الشعبي وبيان كوارث الانقلاب؛ لأن "رفع الوعي المجتمعي هو العامل الأوحد والمقدم في تطبيق أي فكرة، بدءا من العصيان إلى الثورة الشاملة"، مضيفا: "إذا صح نظريا أن الشعب المصري -أو القطاع الأكبر منه- كان على الدرجة ذاتها من الوعي التي عليها الثوار الآن، فستكون مهمة تغيير النظام سهلة بدرجة كبيرة".
وأوضح أن "السيسي في وضع حرج، وأن
رهانه أصبح فقط على الانفراد بالسلطة وإقصاء أو سحق كل من يعارضه، لكن نجاحه في
القمع من عدمه يتوقف على مدى تماسك الدوائر المحيطة به، والأدوات التي يبطش بها،
وهو أمر يصعب تصوره في ضوء ما تم من ممارسات خلال الأسابيع الأخيرة ضد قيادات
عسكرية سابقة أو ما زالت بالخدمة، ودفعه بمدير مكتبه لتولي مسؤولية جهاز المخابرات
العامة بالإنابة، وبدء الأخير فعلا في إقصاء قيادات الجهاز واستبدال موالين
للسيسي بهم".
ولفت حسين إلى أن ممارسات
السيسي تولد حالة من التململ، وتضيق الدوائر الواسعة، وتحصر سلطته في المقربين من
أهل الثقة، ما سيزيد من الاحتقان الذي يمكن أن ينتهي بكارثة.
ورأى حسين أن "الحالة
المصرية لا يصلح معها مساومات وتنازلات، وإنما حلها الوحيد هو إسقاط
الانقلاب، وإبعاد الجنرالات الفاسدين، وإصلاح وتطهير مؤسسات الدولة من
الفساد، وتمكين الشعب من أن يكون هو صاحب السلطة".
ونوه إلى أن "المفاوضات بين طرفين تحدث
على قاعدة تساوي الخسائر، أو المصالح والمكاسب، وهذا لا ينطبق على الأزمة
المصرية"، متسائلا: "على أي أساس يمكن أن نفاوض؟ التفاوض هنا يعني
باختصار الاستسلام للأمر الواقع والاعتراف بالانقلاب، ومزيد من
تمكين جنرالات العسكر من رقاب الناس ومعايشهم، وهذا ما لا نقبله".
وفي يلي نص الحلقة الأولى من المقابلة:
كيف ترى ما وصلت إليه ثورة يناير بعد مرور 7 أعوام على اندلاعها؟ وهل هي في حالة انهزام وانكسار كما يقول البعض؟
- الثورات لا تهزم.. هذا ما يؤكده التاريخ
والواقع، ربما تمر بمنعطفات وتبدو منكسرة مهزومة، لكن جذوتها تظل متقدة في النفوس
إلى أن تحقق أهدافها.
نعم تمر الثورة المصرية بحالة انكسار، إلا
أن عوامل اكتمالها ما زالت قائمة، ومنها على سبيل المثال:
- أن الجيل الذي قام بالثورة ولمس نتائجها
الأولية هو من الشباب الرافض لواقع ما قبل الثورة، وهو نفسه من يقاوم الانقلاب وما
جاء به من ظلم واستبداد.
- تنامي الوعي الشعبي بقيم الحرية
والديمقراطية في ظل انتشار وسائل التواصل والإعلام الحديث.
- ما يعانيه الشعب المصري في ظل الانقلاب من
تجويع وحصار للحريات وانهيار في الخدمات هو بحد ذاته من دوافع استكمال الثورة.
- التضحيات العظيمة التي قدمها الثوار،
والصمود البطولي لشباب الثورة والرموز السياسية الوطنية في سجون الانقلاب، وفي
مقدمتهم الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي، وهو ما يمثل حالة ثورية مقاومة للطغيان
والاستبداد ستؤتي أكلها عاجلا أم آجلا.
- الحراك المستمر في الشارع إلى اليوم، وإن
كان ضعيفا، إلا أنه يمثل جذوة متقدة لن تنطفئ حتى تعود الثورة بقوة من جديد.
- الخبرات التي اكتسبها المصريون في التفاعل
مع الحدث الثوري، والفرز الواضح لموقف كل مكون سياسي أو اجتماعي، بل لموقف كل فرد
على حدة من الثورة، ستزيل أي التباس في المستقبل فيما يتعلق بنجاح الثورة وتحقيق
أهدافها.
وعلينا أن نتذكر أنه في عهد مبارك كان هناك أكثر من 30 ألف معتقل من
الإخوان، ودفع الإخوان ثمنا غاليا في ست محاكمات عسكرية ومداهمات للبيوت ومصادرة
للأموال، ولكن عندما حانت ساعة الانفجار الثوري في الخامس والعشرين من يناير 2011
وما بعدها لم يتوقع أحد حينها ما حدث.
- فوق كل ذلك وقبله تلك السنن الربانية التي
لا تحابى ظالما على حساب أهل الحق "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ
قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا
بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ".
ويمكننا القول اليوم إن استمرار الثورة
وثباتها وتقوية الحاضنة الشعبية لها، وتطوير آلياتها، هي أمور لابد من تكاتف جميع
الأحرار للعمل عليها. وهؤلاء هم قادة الإخوان الذين في السجون يمثلون طليعة الثورة
الحقيقية، ويضحون من أجل تحقيق أهداف الثورة.
إلى أي مدى تأثرت جماعة الإخوان في مصر
بالضربات المحلية والإقليمية والدولية التي تعرضت لها؟
نعم، تأثرت جماعة الإخوان بهذه الضربات المشار إليها، فالجماعة -كما الأُمّة- يمكن أن تمرض، لكنها سرعان ما تتعافي، والمؤكد أن مثل تلك الضربات تزيد الدعوة قوة وصلابة وقدرة أكثر بعدما تبصر المخاطر المحيطة بها وتتبيّن ما يحاك لها بكل وضوح.
إن شجرة الإخوان مورقة مثمرة، ثابتة الجذور،
لا يمكن اقتلاعها بعواصف الظلم والطغيان، أو الضربات التي تأتيها من هنا أو هناك.
والمتابع للواقع الإعلامي اليوم يدرك أن
الحديث المجرد عن جماعة الإخوان يدل على أننا أمام تيار كبير ملك بحمد الله -
ومازال- التأثير في الواقع والمستقبل، كما كان له هذا الدور في الماضي.
كما أن المتابع لتاريخ الإخوان يتأكد أنه
بعد 90 عاما على نشأتها وبعد كل التجارب التي مرت بها والخبرات التي اكتسبتها،
يمكن القول إنها متجذرة في عمق المجتمعات ومنتشرة بين الناس بكل طبقاتهم
ومستوياتهم، ولذا فهي غير قابلة للاجتثاث أو الاندثار، وحوادث التاريخ خير شاهد
على ذلك.
ما هو توصيفك للحالة التي يمر بها نظام السيسي
حاليا؟ وهل هو في أضعف حالاته وأصبح آيلا للسقوط مثلما يقول البعض؟
سلطة الانقلاب تعاني اضطرابا وقلقا باديا
على منطق قائدها وممارساتها القمعية حتى مع دوائرها القريبة، وذلك مرجعه فيما يبدو
لصراع الأجنحة، أو بسبب الفشل العام الذي أصاب كافة جوانب الحياة في مصر، لكن نقطة
ضعف هذا النظام الأساسية أنه فاقد للشرعية، ولذلك فإن قابليته للانهيار والسقوط
قائمة ومؤكدة إن عاجلا أو آجلا.
ربما يكسب السيسي وسلطة الانقلاب مزيدا من
الوقت باستخدام "القوة الغاشمة"، لكنها تظل سلطة غير قابلة للحياة على
المدي البعيد. هذه سنة الله في خلقه وكونه، وهذا ما أكده القرآن الكريم سَيُصِيبُ
الذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا
يَمْكُرُونَ.
ولا شك أن وجود حالة ثورية واستمراريتها -حتى وإن ضعفت- تقلق هذه السلطة بشكل كبير بعكس ما يتصور البعض، لذلك فعلى كل منتم
للثورة وعلى كل القوى الثورية ألا تستهين بجهدها، وأن تواصل الطريق حتى إسقاط هذا
النظام وتحقق الثورة أهدافها بإذن الله.
كيف تفسرون حالة الصمت الشعبي، التي يعتبرها
نظام السيسي "رضا وقبول وتضحية"، تجاه الأزمات الشديدة التي تمر بها مصر
بينما كان الوضع مختلفا تماما إبّان عهد "مرسي"؟
هذا الصمت ناتج عن الخوف لا أكثر، فالحكم
بقوة السلاح والاستخفاف بحياة الناس إلى الحد الذي نراه، لا يستقيم معه استقرار أو
يحظى برضا وقبول، كما تزعم سلطة الانقلاب وأذرعها الإعلامية، أما الحرية الواسعة
خلال حكم الدكتور مرسي وبعد ثورة يناير عموما، فقد كانت تمثل مناخا حاضنا للمطالبة
بالحقوق، وكشف المظالم، والبوح بمكنونات الأنفس، وإطلاق الطاقات.. وشتان بين هذا وذاك.
وفي مناح الحرية الذي أعقب ثورة يناير تمكن
الشعب المصري لأول مرة في تاريخه من اختيار حاكمه ومجلسه النيابي باقتراع حر
مباشر، لذلك فإن إغلاق المجال السياسي، وغياب الحريات، وقمع الشعب، سيؤدى حتما إلى
انفجار، مهما بدا عكس ذلك.
وإذا أدرك الشعب قدراته، وأصرّ على ثورته،
ووقف وقفة رجل واحد، وانتفض في وجه الانقلاب، فسوف يصنع التغيير المنشود، وهو حادث
لا محالة وإن طال الوقت.
بعد مرور أكثر من أربعة أعوام ونصف على
الانقلاب.. ما الذي استطاعت الجماعة تحقيقه حتى الآن كنجاحات لها؟ وما الذي أخفقت
فيها؟
لقد بذلنا كل جهد ممكن للحفاظ على مكتسبات
ثورة يناير وإرساء الشرعية الشعبية في مصر، ولم ندخر وسعا وبذلنا في
سبيل ذلك أقصى ما عندنا، فلولا صمود الجماعة واتخاذها مواقف لصالح الثورة والشعب
ما كان للحالة الثورية أن تستمر حتى الآن، وما كان انكشاف من يعملون ضد مصالح
الشعب ويوالون أعداء الوطن.
وحققنا نجاحات من بينها:
- المساهمة في تشكيل ملامح نظام
ديمقراطي تعددي يستند إلى الشرعية الشعبية، لأول مرة في تاريخ مصر.
- الصمود
الأسطوري للرئيس الشرعي الدكتور مرسي ورفضه المساومة على الشرعية، والذي يكلفه ما
لا يطيقه إلا أصحاب العزائم من رجال الدعوات.
- حالة الصمود التاريخي المتواصلة حتى الآن
لقادة الجماعة ورموزها وأفرادها ومعهم كل طلاب الحرية من الشعب هو ما جعل الثورة
حية دون موات.
- استمرار الثورة حية في الشارع المصري -وإن كانت قد ضعفت- واستمرار مطالبها مرفوعة دون سقوط، وهو ما يعطي بصيص أمل للشعب.
- حرمان الانقلاب من أي غطاء شرعي، وتعرية أعداء ثورة
يناير وكل المدعين والمرجفين في الداخل والخارج.
- قدرة الجماعة الكبيرة في قيادة
أبنائها نحو نهجنا السلمي حفاظا على مصر من الانجراف لسيناريو الحرب الأهلية
وانهيار للوطن، وهذا يؤكد فشل المراهنة على تقسيم الجماعة وإشعال فتنة داخلية بين
أفرادها.
- إبراز نقاط القوة والضعف في الجماعة ووضع
يدها على أمراض كانت كامنة.
- لا تزال الجماعة من أكثر القوى تماسكا
وقدرة على التأثير، وكم مرت بأزمات مماثلة عبر تاريخها أكسبتها خبرة في التعامل مع
هذه الظروف الصعبة.
أما عن الإخفاقات فهي تتمثل في:
- لا شك أن الضربات الشديدة التي وجهت
للإخوان من أطراف عدة، أحدثت هزة عنيفة داخلها مما تسبب في خلافات
بدت على السطح بوضوح في بداية الأزمة.
- حسن الظن أو الثقة المبالغ فيها في خصوم
الثورة.
- عدم إدراك حجم التآمر
الإقليمي والدولي وخاصة من الدول التي ساهمت الجماعة في بنائها عبر سنوات طويلة.
- الخضوع لضغوط ومساومات شركاء الثورة أو
القوى المناوئة لها أثناء اللحظة الثورية.
- وضع الثقة في أناس قابلوا ذلك بالخيانة
والغدر، ومن هذا الباب منيت بخسائر متعددة وعلى كافة على كافة الأصعدة.
هل جميع مواقف الإخوان لاتزال متوقفة عند مشهد
3 تموز/ يوليو 2013 ولم يحدث أي تغيير أو تراجع عن تلك المواقف؟ وأين المرونة في
مواقفكم السياسية؟
نحن نقيم وضعنا أولا بأول، ونعمل بكل جهد على تطوير أدائنا بما يواكب مجريات الأحداث، إلا أن موقفنا الثابت والدائم هو العمل على تمكين الشعب المصري من نيل حريته، وأن يكون صاحب القرار الأول في وطنه، وإقامة نظام حكم ديمقراطي تعددي يسمح بتداول السلطة ويعمل على رعاية مصالح الشعب والأمة.
ولابد أن يدرك الجميع أن هناك فرقا كبيرا
بين المرونة في مواجهة الواقع، وبين التراجع والانزلاق الذي يؤدي إلى تجاوز
الثوابت، هناك فرق كبير بين الثبات على مبادئنا ومنهجنا وبين التماس الرخص
والهزيمة أمام الواقع، فنحن أصحاب دعوة، و "من شأن أصحاب الدعوات أن تموت في
سبيل مبادئها"، كما قال إمامنا المستشار حسن الهضيبي رحمه الله.
وأقول بوضوح لمن يطالبنا
بـ"المرونة": هل كانت مواقفنا السياسية ما قبل 3 تموز/ يوليو 2013
تتنافى مع المرونة؟ وهل ما سعينا إليه من جمع شمل القوى السياسية في مشروع وطني
نعمل جميعا على تحقيقه لنهضة الأمة كان ضد المرونة؟ وهل تقديمنا لرموز سياسية
تتقاطع مع فكرنا ومبادئنا على رأس قوائمنا الانتخابية في برلمان 2012 كان يناقض
المرونة؟ وهل تعيين الرئيس مرسي لمستشارين واختياره لحكومة معظم مكوناتها من خارج
الجماعة لم يكن من المرونة في شيء؟
وإن كانت المرونة في نظر البعض تعني التسليم
بالأمر الواقع والانهزام أمام القوة المنقلبة فلا شأن لنا بهذا الكلام، وهذا ما لا
نقبله.
أما من يطرح فكرة "المرونة"
إشفاقا على الجماعة من مزيد من الضربات، فأقول له: جماعة الإخوان بصورة عامة هي
الجماعة التي استشهد مؤسسها غيلة، وعلق قادتها على أعواد المشانق في عامي 1954
و1965، ولقي الكثيرون من أبنائها ربهم شهداء، وهم ثابتون على الحق لا يترخصون
لظالم ولا يتراجعون عما يرونه الحق قيد أنملة.
جماعة الإخوان ثابتة على مبادئها، ماضية في
طريقها، متمسكة بحق الشعب المصري في انتزاع حقوقه المهدرة وتقرير مصيره واختيار من
يحكمه بكل حرية، وذلك حق لا يماري فيه أحد.
البعض ينتقد جماعة الإخوان لأنها -بحسب
رأيهم- لا تمتلك رؤية أو استراتيجية واضحة لكسر الانقلاب.. ما تعقيبكم؟
المشكلة أن كثيرين يخلطون بين الخطة والرؤية، فرؤيتنا هي العمل
المستمر بشكل سلمي على مقاومة الانقلاب إلى أن ينكسر، وحتى ينكسر لا بد من: صناعة
حاضنة شعبية من خلال رفع الوعي، وهذا ما نعمل عليه، ولابد أيضا من تماسك الصف
الداخلي للإخوان وثباته في مواجهة الانقلاب، وأركز هنا على عدة نقاط، أولا: سيظل موقفنا ثابتا من قضية الشرعية التي لا بديل عنها، وثانيا: لدينا إصرار على عودة الجيش لثكناته، وثالثا: لدينا إصرار على إصلاح مؤسسات الدولة وتطهيرها من
الفساد.
ولتفصيل ما أوجزته أقول إن الاستراتيجيات المقترحة التي تعمل عليها
الجماعة وتتعامل بها مع المستجدات بصفة مؤقتة هي الثقة في الله وحسن التوكل عليه
أولا وآخرا، والاجتهاد في الأخذ بأسباب النصر والثبات، والعمل الدؤوب بآليات
المنهج السلمي في التغيير وحرمة الدماء وعدم الانزلاق إلى ذلك، واستمرار الثورة وثباتها وعدم تراجعها
وتقوية الحاضنة الشعبية لها، وتطوير آلياتها.
ورفض أي تنازل أو تراجع عن أهداف الثورة، وأولها عودة الشرعية،
والقصاص العادل للشهداء والجرحى ورد حقوق المعتقلين، وتقوية الجماعة لقدراتها
التربوية والتنظيمية والحركية والإعلامية والحرص على وحدتها، والاستعداد وتطوير
الآليات لاستثمار الفرص عند تغير موازين القوى أو الوضع الإقليمي، والعمل على
إعداد آليات التغيير والتطهير والبناء والإصلاح عند نجاح الثورة.
وأيضا، العمل على تحقيق اصطفاف واسع مع القوى السياسية والوطنية
الرافضة لحكم العسكر، والعمل على تحقيق تماسك التيار الإسلامي بأغلب فصائله
وتوعيته بأبعاد الهجمة على الإسلام، وإحياء مقاومة الأمة للتطبيع مع الصهاينة
والاهتمام بقضية فلسطين.
واستكمالا لما سبق تحليله وذكره، لا بد من تحديد رؤيتنا حول الوضع
والحراك الحالي، هل هو ثورة للتغيير؟ أم هو مجرد حراك ضاغط لتحقيق بعض المكاسب
والمطالب؟، بالطبع فإن رؤيتنا أنه ثورة للتغيير السلمي وتحقيق أهداف
أساسية هي إسقاط الانقلاب، وعودة الجيش للقيام بدورهم في حماية الحدود وإصلاح
مؤسسات الدولة وتطهيرها من الفساد، واسترداد
الشعب لشرعيته وإرادته.
ومن بين تلك الأهداف كذلك؛ الحفاظ على هوية الأمة وحماية الدولة من
الغرق، والقصاص العادل للشهداء واسترداد حقوق المعتقلين، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وهي أهداف مترابطة، لا
يمكن التنازل عن أي منها.
وأما عن المستقبل، فنحن مستعدون له، وكل السيناريوهات جاهزة، ولكن لن
نعمل وحدنا على كل حال.
وأود أن أوضح هنا أن الإخوان المسلمون أكبر الجماعات الإسلامية
المنظمة على مستوى العالم، واتخاذ القرارات فيها يخضع لأطر مؤسسية لا علاقة لها
بالارتجال أو العشوائية أو ردود الفعل الوقتية، لذلك فإن انفلات أعصاب البعض وتصورهم
أن قيادات الجماعة لا تمتلك رؤية تجاه الصراع الحالي مع الانقلاب الحاصل في مصر،
أو حيال أي قضية أخرى تتصل بها، يجافي الحقيقة والصواب، فالرؤية فيما يتعلق
بالانقلاب قائمة منذ يومه الأول وهي "مقاومته حتى يسقط" بكل الطرق
المشروعة التي لا يراق فيها دم حرام، وكل مؤسسات الجماعة ولجانها تعمل وفق هذه
الرؤية بالتفصيل
السابق، ولن تتوقف الجماعة عن تلك الرؤية ما بقي فيها جهد.
لماذا لا تلجأ الجماعة إلى حلول من خارج
الصندوق لإنهاء الأزمة العصيبة التي تمر بها؟
بعيدا عن خارج الصندوق وداخله، فالمسألة
لدينا تتمثل في أحد أمور ثلاثة: الاستسلام، أو المواجهة الخشنة التي تفضي إلى
احتراب أهلي، أو "إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، أما الأول والثاني فمرفوضان،
وأما الثالث فمتوقف على توفر مناخ سياسي يتاح فيه للجميع كافة الفرص على قدم
المساواة دون إقصاء أو تهميش أو تصفية حسابات، وهذا غير موجود في ظل سلطة الانقلاب
التي حولت معادلة التمثيل السياسي إلى معادلة صفرية، بل أماتت السياسة برمتها.
ماذا عسانا فاعلون إذن؟ هل نقف مكتوفي
الأيدي؟ بالطبع لا.. سيظل خيارنا هو المسار الثوري السلمي، وهو المعتمد لدينا إلى
أن يحق الله الحق ويبطل الباطل.
سيظل حراكنا مستمرا إلى أن
يزول الانقلاب وآثاره، وليس أمامنا خيار آخر في الوقت الراهن، بعد كل تلك
التضحيات العظيمة وغير المسبوقة في تاريخ الجماعة.
ولابد أن يعي الجميع أننا نحمل قضية شعب
وأمة على أكتافنا، لو كنّا نبحث عن مغانم قريبة أو عرضا زائلا ما كنا قدمنا كل هذه
التضحيات.
وأزمتنا الحالية هي أزمة موقف، وقضية عقيدة
ومبدأ، لا يستقيم معها تخاذل أو استسلام، فالكثير من الحلول الاستسلامية أتتنا،
ونحن مازلنا نمسك بزمام السلطة، ولكننا انحزنا لخيار الشعب، وأصررنا على عدم
التفريط في حقوقه، وأعلنها الرئيس محمد مرسي بوضوح: "الحفاظ على الشرعية ثمنه
حياتي"، ليس لمكسب ذاتي، ولكن لعدم التفريط في الأمانة التي أوكلت إليه من
الشعب المصري.
وها نحن نواصل على الدرب ذاته، ونسعى
لاستعادة حقوق الشعب المسلوبة، وإلا كنا اخترنا من خارج الصندوق ما نستنقذ به
أرواحنا وأموالنا لقاء حياة رخيصة ستزول، ولأصبح جنرالات العسكر أكثر
جرأة علينا مما هم عليه الآن.
كيف ترون اعتقال الفريق سامي عنان والمستشار
هشام جنينة والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وما جرى من قبل مع "أحمد
شفيق"؟
كلها مظاهر لتصفية واغتيال الحياة السياسية
في مصر، وإغلاق المجال العام، بعدما تم تصفية واستهداف واعتقال رموز ثورة يناير.
والآن يتم وضع اللمسات النهائية لحكم فردي مستبد سيجر مصر إلى هاوية سحيقة ومستقبل
مظلم، ما لم يتم تدارك الأمر من الجميع.
هل تعتقد أن ما جرى مع "عنان" قد
مرّ بكل هذه السهولة أم أنه سيكون له تداعيات لاحقة كما يقول البعض؟
ما حدث مع عنان ليس بالأمر الهين، وتفاعلاته لا يمكن الحكم عليها إلا في إطار توافر معلومات صحيحة وموثوقة ووافية، لكن شواهد التاريخ العسكري المصري القريب تقول إنه تمت التضحية باللواء محمد نجيب، أول رئيس للجمهورية بعد انقلاب 1952، وعزله ووضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة 30 عاما، ولم ينتفض مؤيدوه دفاعا عنه، بما يعنى أن من يملك القوة في عالم العسكر ويمسك بخيوط اللعبة سيظل متغلبا، ما لم يأت انقلاب يطيح به أو اغتيال ينهي حياته، أو توافيه المنية، وهذا هو أخطر ما في المشهد الحالي.
لذلك، نحن نؤكد مرارا على تمسكنا بما أفرزته
انتخابات الثورة المصرية من مجالس برلمانية ورئاسية حتى تستقيم الأوضاع وتنطلق مصر
نحو المستقبل على طريق صحيح.
وعلينا جميعا إدراك أن منظومة الحكم العسكري
تشكل خطرا على البلاد، وأن تغيير الوجوه من داخلها لن يجدي نفعا، ولابد من حكم
مدني، وحكومة منتخبة بشكل ديمقراطي صحيح، وإلا فسنظل ندور في هذه الحلقات المفرغة
إلى أن يأذن الله.
وكيف تنظر لمشهد الانتخابات الرئاسية بعد
الأحداث الأخيرة التي جرت بمصر؟
مشهد عبثي لا يليق بمصر وتاريخها وحضارتها،
وهي مهزلة لا يصح السكوت عليها. ربما تمر مسرحية "الانتخابات" بالشكل
الذي آلت إليه، لكن عواقبها ستكون وخيمة على حاضر مصر ومستقبلها.
نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين،
إبراهيم منير، قال – في تصريحات سابقة لـ"عربي21"- إن الإخوان لم تحدد
موقفها من انتخابات الرئاسة .. فلماذا تأخر موقفكم من هذه الانتخابات؟
ظللنا نراقب تفاعلات الموقف ونضع تقديراتنا،
على أمل أن ننضج قرارا مناسبا في الوقت المناسب، ليس إيمانا منا بجدية الانتخابات
ونزاهتها، ولا اعترافا بالأمر الواقع، لكن تبيانا لرؤية الجماعة للمشهد برمته.
ولما حدث ما حدث من إقصاء واعتقال لكل من
فكروا في الترشيح من داخل المنظومة الانقلابية ذاتها، فلم يعد للأمر أي معنى، وليس
من اللائق أن نشغل أنفسنا بمهزلة نتيجتها معلومة مسبقا، إلا أن ما يهمنا حقيقة في
هذا الصدد هو التأثيرات المحتملة لتكريس حكم الفرد على مسار الثورة برمته،
فالمتفائلون يرون أن هذا العبث سيكون في صالح الثورة ومن ثم في صالح الشعب المصري،
والمتشائمون يقدرون أننا نتجه نحو مزيد من الخسائر، وإن كان من الصعب الآن تصور ما
ستؤول إليه الأمور، ففي النهاية لن يستقيم أمر الحكم، ولن تستقر الدولة، ولن يصح
إلا الصحيح. وقد أصدرت الجماعة بيانا مؤخرا أوضحت فيه موقفها ونظرتها لهذه
المسرحية الهزلية.
البعض يدعو إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية..
فإلى أي مدى ستكون دعوات المقاطعة مؤثرة وفاعلة؟
الواقع يؤكد أن غالبية المصريين لن يذهبوا إلى التصويت في هذه "المهزلة"، مهما حاول الانقلاب تجميل الصورة، أو حث الناخبين على المشاركة، وسواء كانت هناك دعوات مقاطعة أم لا فنسبة المشاركة ستكون ضئيلة جدا، فقط من المنتفعين بالوضع الراهن أو المهمشين المأجورين أو المغلوبين على أمرهم في دوائر الحكومة. وإن كنا ندعو مع آخرين الشعب لمقاطعتها.
وكعادة الدكتاتوريات ستظهر النتائج فوق
العادة، سواء ما يخص نسبة المشاركة أو حصول المرشح الأوحد على نسبة تقترب من
المئة بالمئة.
برأيك: كيف سيكون المشهد السياسي حال وجود
مقاطعة شعبية واسعة للانتخابات؟
سينكشف الانقلاب بوضوح أكثر، ويدرك العالم
كله أن لا شعبية له، وأنه فاقد لأهلية الحكم، ومغتصب للسلطة، هذا من جانب، ومن
جانب آخر فإنه سيحاول الخروج من هذا المأزق وإعادة تشكيل الخارطة وبناء كيان سياسي
على غرار الحزب الوطني مع إتاحة فرصة طفيفة لتمثيل نسبي للأحزاب الكرتونية المحيطة
به.
كيف يمكن للقوى السياسية المعارضة استثمار
التطورات التي تحدث؟ وما تقييمكم لحالة المعارضة حاليا؟
المعارضة حاليا في حال لا تحسد عليه، بين
تقزيم وتأزيم، لكن روح الثورة التي ما زالت متقدة في القطاع الأوسع من المعارضة
تهيئ المشهد لتغيير ممكن، وعلى قوى المعارضة الحقيقية أن تؤهل نفسها لكفاح طويل
الأمد، يضع في حسبانه أولا إزاحة الانقلاب كهدف رئيس، ثم يضع ترتيبات مرحلة ما بعد
الانقلاب على أسس سليمة، ولتحقيق ذلك لابد من توفر عدة عوامل أهمها اصطفاف يقود
إلى اتفاق على قواسم مشتركة، ورؤية واضحة وخطة عملية لكسر الانقلاب، ورؤية واضحة
لبناء الدولة بثوابت مؤسسية.
فإذا ما تم إنجاز ذلك يمكن تنسيق الأدوار
بحيث تكون لكل مكون من المعارضة مهمة واضحة ومحددة، وطالما وُجدت أهداف واضحة
وكتلة حرجة واسعة الطيف، سيتحقق التغيير المنشود حتما إن شاء الله.
كيف ترون دعوات العصيان المدني والإضراب
العام؟ وما موقفكم منها؟
لا شك أن التلويح بالعصيان والإضراب شيء
مهم، لكن الانقسام المجتمعي، والخوف الذي بات يسيطر على المجتمع بفعل القبضة
الأمنية الإجرامية والمتوحشة، وهو ما يعرقل تحقق العصيان والإضراب بمعناهما
الشامل ويجعلهما أمرا صعب التحقق حاليا، وإن حدث نسبيا فلن يؤثرا على
بنية النظام أو يمثلان خطرا عليه.
ويبقى رفع الوعي المجتمعي هو العامل الأوحد
والمقدم في تطبيق أي فكرة، بدءا من العصيان إلى الثورة الشاملة، وإذا صح نظريا أن
الشعب المصري -أو القطاع الأكبر منه- كان على نفس الدرجة من الوعي التي عليها
الثوار الآن، فستكون مهمة تغيير النظام سهلة بدرجة كبيرة، ولذلك فالجهد الأكبر
الآن ينبغي أن يصب في اتجاه رفع الوعي وبيان كوارث الانقلاب.
"السيسي" قال مؤخرا أن "أمن
مصر تمنه حياتي أنا وحياة الجيش".. كيف قرأت هذا الكلام؟
يلخص هذا الموقف ما ورد في القرآن الكريم عن فرعون وجنوده في سورة القصص: " وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ"، وفي سورة غافر: "قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ".
إنها ملامح مصر البائسة تحت حكم الدكتاتور،
هو وعسكره... انقلاب مسلح في مواجهة شعب أعزل، وهي صورة تكررت عبر التاريخ وانتهت
إلى هلاك الطغاة وأعوانهم.. فهل يعتبرون؟
البعض قال إن تصريح "السيسي" أشبه
بآخر تصريح للرئيس محمد مرسي حين قال:" ثمن الحفاظ على الشرعية حياتي
أنا".. فهل هناك وجه من أوجه المقارنة بين التصريحين؟
لا يمكن أن يكون هناك وجه للمقارنة بين رئيس
اكتسب شرعيته بانتخابات حرة شهد العالم كله بنزاهتها وأقسم أن يحافظ على مصالح
شعبه بروحه ودمه، ويدفع حياته ثمنا لذلك، وبين خائن منقلب اختطف الحكم وانقلب علي
خيار الشعب الديمقراطي وارتكب في سبيل ذلك مجازر يندى لها جبين الإنسانية، فهذا
المنقلب لا شرعية له ويعلم أن فاتورة جرائمه فوق ما يحتمل، لذلك يختبئ وراء فكرة
حماية الوطن من أخطار وهمية اصطنعها، ويتخذها مبررا لمزيد من الجرائم.. لا وجه
للمقارنة إطلاقا.
أستاذ العلوم السياسية حازم حسني صرّح سابقا
بأن "السيسي" لن يترك الحكم إلا بالدماء.. هل تتفق معه في هذا التصور؟
لا يعلم الغيب إلا الله، لكن
"كتالوج" الديكتاتوريات يفضي غالبا إلى نهايات مأساوية، من بينها ما
ذكره د. حازم حسني، لكننا نتصور أن المحاكمات العادلة الناجزة هي الأوفق والأجدى
نفعا للثورة.
السيسي أطاح بـ 125 مسؤولا بجهاز المخابرات
العامة آخرهم اللواء خالد فوزي و28 قيادة عسكرية رفيعة آخرهم صهره الفريق محمود
حجازي، بالإضافة إلى التنقلات المتوالية في وزارة الداخلية.. فهل أحكم السيسي
قبضته على كل المؤسسات بتصعيد رجاله والمخلصين له؟
هو يحاول ذلك فعلا، لكنه لا يحسب حسابا
للعداوات المتزايدة التي يحيط نفسه بها، وهكذا الدكتاتوريات عندما تنتهي من قضم
خصومها تنقض على الدوائر المحيطة بها، لكن ذلك لا يعني انتصارا بالضربة القاضية،
بل إضافة لفاتورة الجرائم التي تفضي إلى حساب عسير. إن إدارة الدولة بهذا الشكل
تعد "لعبا بالنار" لن يقوى السيسي على مواجهته إن عاجلا أو آجلا.
كيف ترى أبعاد تنامي معارضة السيسي داخل
القوات المسلحة وباقي مؤسسات الدولة؟ وهل تلك المعارضة وصلت لدرجة كبيرة أم مجرد
تململ سينجح السيسي في احتوائه أو قمعه؟
هي مؤشر على أن السيسي في وضع حرج، وأن
رهانه أصبح فقط على الانفراد بالسلطة وإقصاء أو سحق كل من يعارضه. كلامه المتشنج
الأخير في بورسعيد يقول ذلك، لكن نجاحه في القمع من عدمه يتوقف على مدى تماسك
الدوائر المحيطة به، والأدوات التي يبطش بها، وهو أمر يصعب تصوره في ضوء ما تم من
ممارسات خلال الأسابيع الأخيرة ضد قيادات عسكرية سابقة أو مازالت بالخدمة، ودفعه
بمدير مكتبه لتولي مسئولية جهاز المخابرات العامة بالإنابة، وبدء الأخير فعلا في
إقصاء قيادات الجهاز واستبدال موالين للسيسي بهم.
ومن الطبيعي أن مثل تلك الممارسات تولد حالة
من التململ، والسيسي بهذه الممارسات يضيق الدوائر الواسعة، ويحصر سلطته في المقربين
من أهل الثقة، ما سيزيد من الاحتقان الذي يمكن أن ينتهي بكارثة.