أظهر استطلاع حديث أجراه معهد "بوليسي ماترز"، أن المواطنين الألمان الخائفين من فقدان عملهم بسبب عدم تأهلهم الكافي، أو فقدان السيطرة على حياتهم ومستقبلهم، هم من يسيرون غالبا خلف الشعبويين المتطرفين الذين يعملون على تضخيم قلق الناس وتخوفهم.
ووجد الباحثون أن 53 في المائة من العيّنة يوافقون على أن المجتمع الألماني ينقسم أكثر فأكثر على بعضه البعض، فيما رأى 23 في المائة فقط أنه لا يزال يوجد الكثير من التعاضد الاجتماعي بين الناس.
وفي وقت أعرب فيه 55 في المائة عن قلقهم على مستقبل أولادهم، فقد أعرب 49 في المائة عن قلقهم من قلة معاشهم التقاعدي. ويشعر نحو 50 في المائة من المستطلَعين بأن مصالحهم غير ممثلة بما فيه الكفاية من خلال السياسيين ومؤسسات الدولة، بينما يرى 49 في المائة أن السياسيين يقومون بالقليل من أجلهم، مقارنة بما يفعلونه مع فئات أخرى من الشعب.
وإلى جانب عوامل سياسية قوية مثل رفض اللجوء واللاجئين، ووجود ثقة ضئيلة في ديموقراطية المؤسسات التمثيلية، يتحول عدم ارتياح أفراد هذه الفئة لوضعهم الشخصي ولحياتهم إلى محرّك أساسي لتصرفاتهم التي تدفعهم حاليا إلى انتخاب الحزب الشعبوي
اليميني المتطرف واسمه "البديل من أجل ألمانيا" الذي حصل على ثالث أكبر عدد من أصوات الناخبين الألمان في الانتخابات النيابية العامة التي أجريت أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي.
وسجّل الباحثون أن نقطة الانطلاق في خيارهم هذا لا ترتكز على الوضع الاجتماعي الموضوعي الذي يعيش فيه العمال والمستخدمون موضع الدراسة، وإنما قبل كل شيء على تشخيصهم الفردي لوضعهم. ومن هنا، فإن الذين ينتخبون الحزب المذكور، أو يفكرون في انتخابه، بغالبيتهم، لا يعانون من أوضاع مالية صعبة بالضرورة، إلا أنهم يشعرون بأنهم غير محميين بما فيه الكفاية من أزمات تضرب لاحقا.
وذكر 67 في المائة من ناخبي الحزب المذكور أنهم قلقون على وضعهم الشخصي المستقبلي، وتبلغ نسبة هذه الفئة القلقة في ألمانيا 46 في المائة.
وكشف الاستطلاع أن الأشخاص الذين يميلون بسرعة إلى الأفكار الشعبوية هم أناس موصومون بمشاعر الانكماش والضعف. من هنا فإن ناخبي حزب "البديل من أجل ألمانيا" يضعون أنفسهم في مرتبة اجتماعية أقل مما هم عليه بغض النظر عن دخلهم المالي الشهري، بل غالبا ما يدعون بأنهم يعيشون حياة اجتماعية أقل قيمة مما كانت لأهاليهم. والجزء الأكبر من ناخبي الحزب ينتمي إلى الفئة السفلى من الطبقة المتوسطة، خصوصا إلى فئة العمال والموظفين، لكن هذا لا يعني أن الفئات الغنية في المجتمع لا تنتخب هذا الحزب أو لا تفكر في انتخابه.
وبينت الدراسة أن معظم العاطلين عن العمل لا ينتخبون الحزب، وأن من يفقد عمله ويخشى عدم الحصول على عمل آخر، أو يعمل فقط لبضع ساعات في اليوم أو في الأسبوع، يتقرّب أكثر إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة، ذلك أن العمل أمر مهم للمرء في ألمانيا، والشعور بفقدان السيطرة والضياع يرفع إمكان التحول إلى اليمين المحافظ عموما، واليمين المتطرف خصوصا.
إلى ذلك، توجد بين أعضاء حزب البديل ومؤيديه مقولات حول أن التحول إلى الرقمية يزيد الرقابة والمراقبة على المرء وعلى جودة عمله. وثبت لدى الباحثين أن من يعمل استنادا إلى عقد عمل كامل يؤمن له الحماية من فقدان عمله، ويشعره بالتالي بضمان مستقبله، مؤهل أكثر للابتعاد من أحزاب اليمين الشعبوي.
وفي مقارنة بين مواقف الألمان ككل وبين مؤيدي حزب البديل القلقين على أمور عدة، أظهر الاستطلاع أنه في ما يخص التأمين المالي للشيخوخة، ذكر 49 في المائة من الألمان أنهم قلقون من عدم ضمان ذلك في مقابل 63 في المائة من ناخبي حزب البديل.
وفي موضوع تأمين مستقبل أولادهم، أعرب 45 في المائة من الألمان عن قلقهم، في مقابل 60 في المائة من ناخبي حزب البديل، أما بالنسبة إلى الوضع المالي الشخصي، فذكر 40 في المائة من الألمان أن لديهم قلقا، في مقابل 53 في المائة من ناخبي الحزب.