أكد بروفيسور إسرائيلي خبير في الأمن الدولي والشرق الأوسط، أن التحدي البارز والفرصة المتاحة أمام "إسرائيل"، هو كيفية تعاملها مع مثلث القوى العظمى الذي بدأ يتشكل من أمريكا، وروسيا والصين في منطقة
الشرق الأوسط، وهو ما يلزم "إسرائيل" التعاطي أيضا مع الاعتبارات الأمنية لموسكو الاقتصادية لبيجين.
ساحة صراع
وأوضح عوفر يسرائيلي، البروفسور الخبير في الأمن الدولي والشرق الأوسط، في مقال نشره في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، الإثنين، أن "الشرق الأوسط، شكلت منذ فجر التاريخ ساحة صراع بين القوى العظمى"، وهي المنطقة التي تقع ما بين المغرب غربا، وحتى افغانستان شرقا، وتركيا شمالا، وحتى اليمن جنوبا.
وأضاف: "وفي العصر الحديث أيضا، فإن الهلال الخصيب ومحيطه هي مناطق ذات أهمية جغرافية استراتيجية للقوى العظمى العالمية أو تلك التي تسعى إلى الارتفاع إلى مكانة عالمية"، منوها أن فترة رئاسة بوش الابن، "تميزت بتدخل أمريكي عميق في المنطقة، والمبادرة لحربين في أفغانستان والعراق".
لكن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، "هجر المنطقة بقدر كبير، في الوقت الذي وسعت فيه روسيا والصين تدخلهما فيها، بحسب يسرائيلي الذي لفت إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقود "تسللا أمريكيا متجددا إلى المنطقة، وهذا من شأنه وبشكل سريع أن يخلق مثلثا من القوى العظمى في الشرق الأوسط".
وأشار إلى أن هذا المثلث، "يتشكل من الولايات المتحدة، روسيا والصين، التي ستتنافس فيما بينها على الأرض والنفوذ والمقدرات الطبيعية والمرابح الاقتصادية، وعلى زيادة القوة العسكرية وكسب الحلفاء"، لافتا أن "روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، هي قوة عظمى فقيرة ولكنها مسلحة جيدا، تسعى إلى شق طريقها عائدة للساحة العالمية".
مكانة عالمية
ونوه الخبير في الأمن الدولي والشرق الأوسط، أن "موسكو تقيم استراتيجيتها على أساس نظرية القوة البرية التي طورها الباحث البريطاني مكندر بداية القرن العشرين، وهي النظرية التي ترى، بأن قوة عظمى تطلب لنفسها مكانة عالمية ملزمة بأن توسع سيطرتها في مناطق ذات أهمية جغرافية إستراتيجية لزمانها، وفي داخلها".
وبسبب قيودها الاقتصادية، "تعمل موسكو بأشكال مختلفة؛ التوسيع في دول مرعية لها سابقا في الشرق الأوسط (مثل
سوريا ومستقبلا ربما ليبيا)، وقتال سايبر زهيد الثمن لتحقيق مصالحها العالمية (مثلما يبدو أنها فعلت في الانتخابات الاخيرة في الولايات المتحدة وفي فرنسا)، بحسب الخبير.
وفي المقابل، فإن الصين، هي "قوة عظمى غنية جدا تنقصها قوة عسكرية ذات مغزى، وهي في طريقها للمكانة العالمية"، بحسب يسرائيلي الذي رأى أن الصين "تعمل في ضوء استراتيجية صبورة وبعيدة المدى".
وأضاف: "يبدو أن واضعي السياسة الصينية اختاروا تبني نظرية القوة البحرية التي طورها الباحث الأمريكي ميهن في نهاية القرن التاسع عشر، ولكن مع التعديلات اللازمة، فبينما تدعي النظرية بأن القوة العظمى التي تتطلع إلى رفع مستواها العالمي ملزمة بأن تحتفظ بمسارات التجارة البحرية العالمية والدفاع عنها".
ولفت البروفسور الإسرائيلي، أن الصين "تعمل بشكل مختلف؛ فقبل تطوير قوة بحرية قوية، تستثمر بيجين مئات مليارات الدولارات في بناء بنية تحتية في عشرات الدول في ظل التقدم في شراء وبناء موانئ تجارية على طول خطوط التجارة البحرية الدولية، مثل شراء ميناء تجاري في اليونان يعمل اليوم بملكية صينية".
مثلث القوى
ومع التوجهات الصينية والروسية في المنطقة، نوه يسرائيلي، أن أمريكا ترامب، حتى الآن "لم تطور أو تعرض سياسة عالمية شاملة"، مضيفا: "يبدو أن الإدارة الجديدة تتبنى بالتدريج سياسة متداخلة؛ بحيث تسمح الولايات المتحدة بالفاعلية العسكرية الروسية والفاعلية الاقتصادية الصينية في الشرق الأوسط".
وقال: "وبالتوازي تصعد
واشنطن جهودها في عدد من الجبهات؛ بحيث تعزيز العلاقة مع حلفائها التقليديين (مثل مصر والسعودية، اليابان وكوريا الجنوبية)، وتبذل جهدا لحل النزاع العربي الإسرائيلي، وتحاول إزالة التهديد الاستراتيجي المحدق بكوريا الشمالية".
وتابع، "هذا يعمل على بث إحساس بالقوة في العالم، سواء في المحيط الهادئ (مقابل كوريا الشمالية)، أو في الشرق الأوسط (مثل القصف الأمريكي بسوريا) بعد استخدام النظام بالسلاح الكيميائي ضد المواطنين في محافظة إدلب، وبعدها إلقاء "أم القنابل" على معقل لتنظيم "داعش" في أفغانستان.
ورأى الخبير في الأمن الدولي والشرق الأوسط، أن "مثلث القوى العظمى الذي يتشكل في الشرق الأوسط ويتطور بالتدريج، هو تحد للسياسة الخارجية الإسرائيلية".
وحتى وقت قصير مضى، "كانت إسرائيل مطالبة بأن تدير سياستها الخارجية الإقليمية في ظل التعاون مع واشنطن وحدها، ولكن التغيير الذي يلوح في المجال سيلزم تل أبيب بالتعاطي أيضا مع الاعتبارات الأمنية لموسكو، والاعتبارات الاقتصادية للصين"، وفق يسرائيلي الذي قال: "صحيح، أن المثلث من القوى العظمى الناشئ يخلق تحديا كبيرا لإسرائيل، ولكن بالتوازي يوفر لها فرصا عديدة لتحسين مكانتها الاقليمية".