كلمات الأمة ومفاهيمها التي ترتبط بهويتها ونهوضها لا بد أن تكون محل اهتمام لا يفرط في المباني ولا المعاني ولا المغازي التي تسكن تلك الكلمات، ويجب أن نصد عنها كل من يحاول التدليس عليها أو التلبيس بها
مداخل بعضها من بعض تعبر عن مسالك عدة تؤثر على عالم المعاني فتوهن الإرادة الحضارية، وتشكل حالة من حالات الالتباس الجماعية وقابليات التلبيس؛ التي تثور مع كل حادث أو حديث يبرز فيه فيؤدي إلى حالات من الخضوع أو الخنوع أو من الخذلان أو التخذيل أو من التهوين أو التهويل أو من التطويع أو التطبيع
المفاهيم تقع في قلب التدافع الإنساني والصراع الحضاري للأمة الإسلامية، في ظل سعي القوى الغالبة إلى نمذجة مفاهيمها وتنميطها وترويجها بل وفرضها بين الأمم، متجاوزة كل مظاهر التمايز الثقافي والحضاري لتلك الأمم ومقتضيات تميزها ومستلزمات ترسيخ هويتها
التبشير بالجمهورية الجديدة ترافق معه خطاب يتعلق بالجمهورية المفلسة، وبدت ماكينة التبريرات التي يطلقها ذلك النظام ليست إلا أسطوانة مشروخة يعدد فيها الأسباب الزائفة والمختلقة ولا يعترف أبدا بفشله، بل يحيل ذلك الفشل من كل طريق إلى غيره، ويحمّل عموم الناس تبعاته وآثاره
كما تدور المعركة على الرشد والرشادة تستمر هذه المعركة حول معنى الصلاح والإصلاح، ولعل ما أكدناه منذ البداية أن المستبد يقوم بتغيير المفاهيم في ذاتها ضمن منظومة ظلمه، فيظلم الكلمات، ويغتصبها اغتصابًا، ويملأها بما أراد واصفًا ما أراد بما أراد.
في الأيام القليلة الماضية وقع في مصر حدثان ما زالت آثارهما مشتعلة، بل إننا لا نبالغ إن قلنا إن هذين الحدثين أو أحدهما على الأقل سيكون مؤثرا على الحياة السياسية المصرية ولن يمر مرور الكرام مهما روج النظام من سرديات متهافتة..
باتت كل هذه الأمور الخانقة بهذه الشبكة المرعبة مُناخًا تٌصنّع فيه سردية وحيدة، جعلت طرفًا منها يتعلق بتسيير محاكمات اتسمت بالتلفيق الفاضح، وبنوعية قضايا ما أنزل الله بها من سلطان، حاول هؤلاء أن يلصقوا كل تهمة بهذه الفئة التي اختاروها وبالرموز التي توقفوا عندها..
أراد ابن خلدون من ذلك الفصل أن يتحدث عن الاتجار مع البشر، الذي يفسد الحالة الاقتصادية ويهيمن فيه أهل السلطة والسلطان على الأسواق ومصادر السعي والرزق، فيبطل حركة النشاط، ويحتكر كل المسالك التي تتعلق بمقدرات البلاد والعباد
عندما يتخذ قرارا بالتراجع عن بعض التفاصيل الصغيرة في حالة التأزيم التي اصطنعها على عينه وبممارسة سياساته الظالمة يعتبر ذلك إنجازا. إلا أن الوصف الصحيح له هو الاحتيال المركب، إذ يتوسع في فعل الانتهاك ويقتّر بالمن المؤذي؛ بل ربما يتغافل في التراجع عنه
التغيير الحقيقي الذي يمكن أن يكون محل احترام وتقدير من العديد من الأطراف الداخلية والخارجية أن تتوقف تلك الممارسات الإجرامية في حق هؤلاء وأن يتم التعامل معهم بصورة عادلة وقانونية محددة، وأن تكون هناك نزاهة وشفافية ومساءلة في ملف السجون
بين كل هذه النظرات التي تتعلق باستخفاف المستبد بشعبه وتكويناته الاجتماعية والأسرية، والنظر إليهم في خانة الاتهام وعدم الأهلية وتحت حراسته، يأتي خطاب الاستخفاف والاستهانة والتبرير لفشله في أي إنجاز يهدف إلى انتشال الناس من قسوة فقر أو إنجاز يخفف عنهم كل تلك الاختناقات التي تطولهم في حياتهم اليومية
لقد سرق كل هؤلاء في ميدان الواقع كل الحقوق وزيفوا من خلال تقاريرهم ومؤسساتهم ووثائقهم حال الحقوق وكأن الدولة قد أعطت المواطن أكثر من حقوقه وأنها تقوم على تدليله لا إذلاله؛ إنهم بحق لصوص المواطنة.
يقوم النظام المستبد باستخدام آليات مختلفة في محاولة لتزييف وعي الشعوب وعموم الناس واهتماماتهم، في محاولة منه أن يدفع بقضايا هامشية أو عدمية إلى واجهة المشهد، مستخدما في ذلك البرامج الفضائية أو مقاطع الفيديو المرتبطة بالصحف، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي
هذا هو منطق النظام الفاجر الذي لا يهمه في شرعنة نظامه إلا نظرة الخارج له وخدمته وحراسة أمنه بحبس هؤلاء من أجلهم، وأن استقرار أنظمة استبدادهم أمان لهم.. هكذا خطابهم الملعون وتبريرهم المزعوم
تبدو في الظاهر دولة العسكر دولة قوية متماسكة من ناحية الشكل، إلا أنها من الناحية الاجتماعية والمجتمعية هشة وضعيفة وغير متماسكة، تحمل في داخلها جذور الفرقة والانقسام، وقابليات الاستبداد والاستعباد