لئن لم يخل خطاب سعيد منذ انقلابه على الدستور وحتى قبله من مصطلحات التقسيم بين أبناء الشعب الواحد، فمناصروه طاهرون وطنيون ومعارضوه جراثيم منافقون شياطين، إلا أن الدعوة إلى تطهير البلاد خارج القانون وعلى يد من يراهم صادقين هي الحلقة الأخطر..
الرئيس التونسي قيس سعيد يقدم لنا بدعة في الفكر السياسي عن علاقته بالشعب، فهو الرئيس الأول في التاريخ السياسي على حد علمنا الذي يحرص في كل خطاب يقدمه للناس على اصطفاء فئة من الشعب دون أخرى والانحسار في بوتقتها كأنه زعيم طائفة مغلقة..
في الثاني والعشرين من أيول (سبتمبر) الجاري كشف الفريق الأول بقيادة سعيد المفرد في صيغة الجمع رؤيته وأعلن أنه سائر في طريق الحكم الفردي المطلق فبيده الأمر كله والسلطات جميعا والحكم بالمراسيم .
ما تزال السياسة في العالم العربي تدار من خلف ستار بلا احترام لقوانينها ولا فعل عقلاني مؤسس عمادها المراهنة على تحويل الأوهام إلى حقيقة ما دامت الميزة الأساسية للجماهير هي انصهار أفرادها في روح واحدة وعاطفة مشتركة تقضي على التمايزات الشخصية وتخفض من مستوى الملكات العقلية..
عامان مرا على تولي قيس سعيد دفة الحكم في تونس وفي كل ظهور له ما ينفك يكرر الجملة نفسها بصيغ مختلفة متعددة كأنه لا يحسن غيرها.. هجوم على السياسيين وعلى النظام السياسي القائم وحرب شعواء على الفاسدين ووعيد بالويل والثبور لمن يستهدف قوت الشعب..