كتاب عربي 21

هل تنضج مراجعات الإخوان؟

1300x600
يحتار المرء في قراءة الواقع الإخواني الحالي ولا يدري كيف يُوصف المشهد وهل يُقيم العقل الإخواني اعتمادا على المهارشات التي تحدث بين رموز الإخوان في تركيا والتي تحولت لوسيلة تسلية وضحك أحيانا وشفقة على ما آلت إليه هذه العقول أم يُركز على صراع القيادة وتزعم الجماعة بين ما يعرف بـ(القيادة التاريخية) و(القيادة الشبابية)، واقع بائس من جميع الجوانب ويضاعف بؤسه ومرارته معاناة آلاف المعتقلين الذين يدفعون ثمن مزايدات وخلافات وتخبط وغياب رؤية مستمر يصيب المشهد بالشلل والجمود التام الذى ليس في صالح أي طرف على الإطلاق. 

لذلك أتت الورقة التي نشرها موقع (عربي21) منسوبة لما يعرف بـ(القيادة الشبابية) جبهة محمود كمال لتلقي حجرا في الماء الراكد حول فكرة التقييم والمراجعة للأداء الإخواني خلال السنوات التي أعقبت ثورة يناير، كان من المثير للدهشة أن تصدر الورقة عن المجموعة التي تبنت موقف المواجهة ضد السلطة والتصعيد الذي كانت (القيادة التاريخية) تتبرأ منه وتدينه، لذلك كان من المنطقي أن تصدر مثل هذه المراجعات من (القيادة التاريخية) لكنها لم تصدر منها بل صدر منها نفي وتبرؤ من هذه الورقة في مفارقة أيضا مدهشة لكنها طبيعية في السياق الدرامي الذي يحيط بالجماعة ككل خلال الفترة الماضية!

الورقة المنشورة جديرة بالتأمل حيث أنها أول محاولة نقدية تحمل بعض الجدية لمراجعة ممارسات الجماعة وأدائها السياسي لكنها للأسف لا يمكن اعتبارها مراجعات حقيقية وعميقة لثلاثة أسباب الأول: أنها لم تقترب من ثوابت الجماعة وإشكالياتها الكبرى كتنظيم ومشروع فكري وسياسي واكتفت بإبداء الملاحظات على بعض التكتيكات والقرارات التي تبنتها الجماعة خلال السنوات الست، الثاني: أنها تبنت لغة هادئة للغاية لم تقترب من الحد الأدنى لنقد التجربة وتقويمها مقارنة بحجم المأساة التي خلفتها التجربة الإخوانية في تولي الحكم على مصير الثورة والجماعة والمصريين بشكل عام، الثالث: أنها جاءت من مجموعة متنازعة على القيادة ولا تمثل الجماعة ككل.

لكن على أي حال لئن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا، وإذا اعتبرنا أن هذه مجرد بداية فيمكن التعاطي معها بإيجابية لأن فكرة المراجعة داخل التنظيم الإخواني ليست واردة على الإطلاق وكل إخفاقات التنظيم وقيادته يتم تفسيرها بأنها محن واختبارات ربانية للتمحيص والابتلاء، كما طغت نظرية المؤامرة على التفكير بشكل مرضي يقوم بالتغطية للأسف على الأخطاء هربا من مواجهة الذات وتحمل المسؤولية. 

لا يوجد تيار سياسي في مصر يمكنه أن يدعي أنه فوق المراجعة، فالكل أخطأ بلا استثناء لكن المقارنة بين أخطاء من تولى الحكم ومن كان خارجه لا تصح لاختلاف الإمكانيات والفرص التي تم إهدارها، لكن على أي حال بالعودة للورقة المنشورة فهناك عدد من الإيجابيات التي يمكن الالتفات لها. 

تشير الورقة لما وصفته بغياب ترتيب أولويات الإخوان في العمل العام وانعكاس ذلك على الثورة بالتوازي مع غياب العلاقات المتوازنة مع الكيانات المجتمعية الأخرى من الناحية التكاملية أو التنافسية أو الندية، وغياب مشروع سياسي متكامل للتغيير وإدارة الدولة، وغياب التعامل الأكاديمي المتخصص في إدارة وتحليل المعلومات وبناء المواقف على معلومات سطحية واجتهادات ساذجة قادت للفشل الذريع. 

تعترف الورقة بعدم الجاهزية السياسية لإدارة مرحلة الثورة الانتقالية، وحالة المهادنة للمجلس العسكري الذي انفرد بوضع الأسس والأطر الحاكمة للمرحلة الانتقالية بمباركة الإخوان والسلفيين ثم سحب البساط من تحت أرجلهم ووضعهم في مأزق الحكم لتخفت شعبية الإخوان وتنتهي تحت وطأة المشاكل والأزمات التي لم يكونوا جاهزين للتعامل معها لا سياسيا ولا تنظيميا. 

تقر الورقة أن العمل الاجتماعي للاخوان (عمل البر) ساهم في توطيد نظام مبارك وتقديم مسكنات للفقراء للصمت وأن أغلب من استفادوا من ذلك انقلبوا على الإخوان ونسوا صنيعهم وذهبوا لمن يرون أنه الأقوى، وتشير الورقة إلى مشكلة الحزب والجماعة وتحويل التنظيم لقياداته الدعوية والخدمية الى قيادات تنفيذية وسياسية دون جاهزية أغلبهم لذلك. 

أسوأ ما في الورقة من وجهة نظري أن الروح التي تمت كتابتها بها روح تنظيمية تعني بمصلحة التنظيم وتمكينه ويتجلى ذلك في الحديث وانتقاد مطالب الثوار من الإخوان والقول إن طلب الحشد يجب أن يصحبه رضا عن الاستحواذ بنفس نسبة الحشد وكذلك الحديث عن عدم التمكن من التغلغل في مؤسسات الدولة السيادية لأفراد الإخوان والمنتسبين لهم وهذه الروح بلا شك تمثل في حد ذاتها إشكالية لها علاقة بمفهوم الوطنية وحدود العلاقة بين التنظيم والولاء له ومكان الوطن أو تحديدا مفهوم الدولة الوطنية ودور التنظيم بها وهل تمثل الجماعة مشروعا وطنيا أم مشروعا خاصا يُعنى بأفراده وأيدلوجيته؟ 

في النهاية فكرة المراجعات واجبة على كل تيار سياسي شارك في الحراك بمصر خلال السنوات الماضية ولا يمكن أن يُعفي أحدٌ نفسه من المسؤولية – مع اختلاف حجم المسؤوليات –  ما نتمناه أن يمتلك الجميع الشجاعة للمراجعة وألا تتحول المراجعات لوسيلة للابتزاز والمزايدات، العبور للمستقبل يحتاج لشجاعة التقويم وتصحيح المسارات للجميع.