تتميز زيارة الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان إلى ثلاث دول خليجية معا بأهمية بالغة، وبالأخص زيارته لمملكة البحرين، ليس فقط بسبب اتفاق الرئيسين والحكومتين على التعاون والعمل المشترك في مجالات الاقتصاد، والصناعة، والطاقة، والزراعة، والبنية التحتية، وعدد من المجالات الأخرى، وإنما بسبب توقيتها وما تجلبه من مسؤولية مشتركة في حماية أمن البلدين أولا، والدفاع عن الأمن الإقليمي بمواقف مشتركة مع باقي دول الخليج ثانيا، وضمن اتفاقيات استراتيجية في الدفاع المشترك بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي.
أهمية التوقيت تأتي في ظل التهديدات لأمن الخليج والمنطقة والتي يتحدث عنها السيد عادل الجبير وزير خارجية السعودية في كل مؤتمراته الصحفية في الآونة الأخيرة، وهي بسبب التهديدات الإيرانية وتبنيها لسياسات طائفية في المنطقة، ودعواتها العلنية للتدخل في الشؤون الخليجية، وبالأخص بعد أن تأكد هذا التهديد بمحاولة الهيمنة الإيرانية على جنوب الجزيرة العربية، بمحاولة إلغاء الحكومة الشرعية والانقلاب العسكري في اليمن بتحالف الرئيس السابق صالح مع الحوثيين بتاريخ 21/9/2014 باحتلال العاصمة اليمنية صنعاء من قبل الحوثيين، واحتجاز الرئيس اليمني الشرعي في قصره، ومحاولة إرغامه على تنفيذ مطالب الانقلابيين القادمة من طهران.
فهذا المشهد الانقلابي في اليمن ينبغي ألّا يغيب عن أذهان اليمنيين أولا، وينبغي بشكل أكبر ألّا يغيب عن أذهان شعب دول الخليج العربي وشعب الجزيرة العربية، ولا عن الأمة العربية ولا الإسلامية؛ لأنه كشف عن مخطط توسع إيراني طائفي في الهيمنة على الجزيرة العربية بعدما افترض أن هيمنته على شمالها في سوريا والعراق قد تمت، وإن لم تتم بالسيطرة الكلية فقد تمكنت من تفكيك هذه الدولة وزرع بذرة الفتنة الأهلية فيها وتدميرها وتشريد سكانها الأصليين منها.
وقد تزامن مع زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى الرياض وصول الرئيس اليمني إليها في نفس اليوم لإجراء مباحثات أمنية وسياسية فيها، وحبذا لو تم ذلك باجتماع ثلاثي يمني سعودي تركي، بهدف تمكين الشعب اليمني بنفسه من صد العدوان الحوثي الإيراني، فليس الهدف أن تواصل السعودية ولا دول الخليج ولا تركيا ولا غيرها خوض معارك دائمة في دول أخرى، بل ينبغي تمكين شعب تلك الدولة ليقوم بنفسه لتحرير بلاده من العدوان الإيراني، وبناء القوة وتوقيع الاتفاقيات الأمنية والدفاعية التي تردع الطامعين، فهذا أكثر نجاعة ونجاحا، وبالأخص أن إيران لن تجد من شعوب الدول العربية من يؤيدها، وقد اكتشف شعوب الأمة الإسلامية جرائمها الوحشية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومحاولتها التسلل إلى الكويت والبحرين ومصر والمغرب والجزائر وغيرها.
إن وقوف دول مجلس التعاون الخليجي مع الشعب والحكومة التركية ورفضهم للانقلاب الفاشل في تركيا في يوليو الماضي، وإصدار مجلس التعاون الخليجي بيانا باعتبار حركة جولن منظمة إرهابية، وإصدارها لبيانات سابقة باعتبار المليشيات الإيرانية التي تعيث فسادا في البلاد العربية بأنها منظمات إرهابية، بما فيها حزب الله اللبناني، وكذلك الأحزاب الإرهابية التي تدعي تمثيل الشعب الكردي كذبا وزورا مثل حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، على أنها منظمات إرهابية، بسبب احتلالها للمدن العربية السورية وطرد أهلها الأصليين منها، كل ذلك جعل الصورة التضامنية أمام الشعب العربي والشعب التركي واضحة المعالم والرؤى، وأنهما يسيران في طريق صحيحة، في رفض الإرهاب والعنف ورفض تهديد الأمن القومي العربي والتركي معا.
وخلال لقاءات الرئيس التركي أردوغان مع ملك البحرين يوم الأحد 12 فبراير الجاري في المنامة تناولت المباحثات قضايا عديدة منها قطاع الطاقة والصناعة والزراعة والاقتصاد والبنية التحتية، ولكن مصادر رئاسية قالت إن القضايا المتعلقة بأمن واستقرار البحرين، كانت من بين الموضوعات التي ناقشها أردوغان مع مسؤولي المنامة، فقد أكّد أردوغان للملك البحريني "وقوف بلاده إلى جانب الحكومة البحرينية، ومواصلة التعاون معها لإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة"، وأنه تم في هذه الزيارة توقيع أربع مذكرات تعاون في المجالات الدبلوماسية، والصناعات الدفاعية، والتعليم، ولكن الأمل في نظر البعض أن تصل علاقات تركيا مع البحرين خصوصا، ومع دول مجلس التعاون الخليجي إلى مستوى معاهدات الدفاع المشترك.