قضايا وآراء

ترامب "غورباتشوف" أمريكا؟

1300x600
نشرت النيويورك تايمز الأمريكية مقالا للكاتبة المصرية منى الطحاوي، بعنوان "ترامب... سيسي أمريكا". وقد أثار المقال ضجة في صفوف الانقلابيين خصوصا أن الكاتبة سخرت من إجراءات الرئيس الأمريكي ترامب التي شبهتها بإجراءات السيسي العسكرية والمستبدة في مصر.

وأعتقد أنه وبمرور الوقت ومع الأسبوع الأول لترامب في السلطة بدا جليا أن ترامب فاق السيسي بمراحل سواء بأوامره التنفيذية السريعة كما الوجبات السريعة والتي أثارت ضجة كبيرة حول العالم، أو بتصريحاته وصداماته المتتالية بدءا من صدامه مع أنجيلا ميركل ولومها لأنها فتحت حدود بلادها للاجئين إلى صدامه اللفظي القاسي مع رئيس دولة المكسيك المجاورة ثم قراره بإلغاء الدعوة التي وجهها له لزيارة أمريكا ثم وبعد ساعات فوجئنا به يتصل بالرجل ليتفقا على الصمت التغريدي (عبر تويتر) ومناقشة أمور البلدين في الخفاء.

لم يكن توبيخ ترامب لأنجيلا ميركل بعيدا عن رغبة ترامب في تعزيز علاقته بالرئيس الروسي بوتين وإلذي على ما يبدو لديه الكثير بما يمكنه البوح به ضد الرئيس ترامب خصوصا مغامراته النسائية على أرض العاصمة الروسية موسكو قبل ترشح ترامب لرئاسة أمريكا.

يعلم الرئيس الأمريكي ترامب أن أنجيلا ميركل هي قائدة أوربا الجديدة وليست "تيريزا ماي" رئيسة وزراء بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوربي وذهبت لترامب لتعقد صفقات ثنائية لاقت ترحيبا غير عادي من ترامب الذي شجع بقية دول الاتحاد الأوروبي على الاقتداء ببريطانيا أي الخروج من الاتحاد الأوربي، وهو ما يعني أن ترامب ليس ضد المسلمين فحسب بل ضد أوروبا الموحدة أيضا.

يحاول ترامب أن يسابق الزمن من أجل تنفيذ أجندته التي بدت تتضح معالمها رويدا رويدا، والتي تتلخص في إشاعة الفوضى في كل مكان ، في أوروبا، في العالمين العربي والإسلامي، مع الجيران، مع الحلفاء، وأخيرا بدا لي وأسمح لنفسي هنا بالقول بأن الفوضى بدأت تطل برأسها على أمريكا ذاتها؟

يقول جون ماكين النائب الجمهوري عن ترامب إنه يشتبك حتى مع طواحين الهواء، وهو تعبير قاس من نائب له تاريخ بحجم ماكين لترامب الذي ثبت أنه بالفعل يشتبك ويتشاجر مع الكل.

نشرت الصحف الأمريكية أن وزارة الخارجية الأمريكية تبدو خاوية على عروشها فهي بلا وزير حتى الآن، ومعظم السفراء تم إعفاؤهم، ووزارة الخارجية ذاتها تم إقالة كبار مدرائها وكوادرها التكنوقراط، وحتى زيارة "تيريزا ماي" الأخيرة تمت بترتيب مع البيت الأبيض ولا علاقة للخارجية بالموضوع.

ماذا يعني أن أكبر دولة مؤسسات تدار بدون مؤسسات، بل يديرها رئيس يقول إنه لا يستمع إلى تقارير المخابرات على تعددها وتميزها بالطبع  ويكتفي بالتعرف على الواقع اليومي من خلال مشاهدة برامج قناة MSNCNBC  وقناة فوكس Fox News التي وأثناء عرض أحد برامجها تحدى المقدم الرئيس ترامب أن يثبت للعالم أنه يشاهد القناة بأن يقوم بإطفاء الإضاءة في البيت الأبيض وإعادة تشغيلها، وبالفعل قام ترامب بذلك وعلى الهواء.

الفوضى التي أتحدث عنها تتعدى كونها رغبة شخص أو مجموعة تابعة له بالمعنى الحرفي للتبعية، بل وفي ظني وتقديري أننا أمام غورباتشوف "أمريكي"، وميخائيل غورباتشوف هو آخر رئيس للاتحاد السوفييتي والذي على يديه تم تفكيك الاتحاد السوفييتي في عام 1991 وتحويله إلى عدة دول، ورثت روسيا إرث الاتحاد السوفييتي في الثروة والتاريخ وفي مقعده في مجلس الأمن.

جاء غورباتشوف بخطة إصلاح أطلق عليها البرويسترويكا، وهي خطة إصلاح بدا منها أنها تدريجية ولكنها أصابت في العمق الفكرة الشيوعية التي بني عليها الاتحاد السوفييتي، وانتهت بعملية تفكيك للاتحاد السوفييتي ومعظم إن لم يكن كل الدول التي خرجت من العباءة السوفييتية اللهم إلا روسيا وروسيا البيضاء تحولت إلى النموذج الغربي الليبرالي أو شبه الليبرالي بينما حافظت الدولتان على الروح الشيوعية في مركزية الحكم وإن حصلت تغييرات تدريجية في روسيا وبقيت روسيا البيضاء على نسقها القديم (الستار الحديدي) حتى تاريخه.

ما جاء به ترامب هو مشابه إلى ما جاء به غورباتشوف من زاوية الخروج على الشكل والمضمون التقليدي للدولة المكونة من عدة ولايات اتفقت على حد أدنى مشترك في السياسة الخارجية والدفاع، وجاء ترامب ليضرب هاتين الحقيبتين في مقتل بقراراته التنفيذية في ما يتعلق بدخول المسلمين إلى أمريكا، وبعلاقات بلادهم مع الحلفاء في المنظمات العسكرية والسياسية حول العالم.

لا أبالغ إن قلت أن الطريق التي يمضي فيها ترامب مع حالة الغليان التي أعقبت قراراته الأخيرة وإعلان عدة ولايات رفضها لها، وتضامن 16 مدعيا عاما في عدة ولايات ضد ترامب وخروج بعض النواب الجمهوريين عن صمتهم، ووصول الجماهير إلى المطارات للوقوف مع المسلمين الموقوفين في المطارات بعد قرار القاضية الأمريكية  الجريئة (آن دونلي) ببطلان قرارات ترامب، هذه الطريق قد تنتهي بأمريكا نفس النهاية التي انتهى إليها الاتحاد السوفييتي.

هل ستكون مفاجأة أن نسمع عن تفكك الولايات المتحدة الأمريكية.. ربما تكون مفاجـأة وربما تحدث ولكن بدون مفاجأة.. الله أعلم.