كتاب عربي 21

كرة القدم والسلطة

1300x600
ما اجتمعت الشهرة والمال إلا وكانت السلطة ثالثهما. وكرة القدم ليست استثناء من هذه المعادلة. فالسلطة بشكل عام لا تستطيع أن تستغني عن أضواء ملاعب كرة القدم وتدس أنفها دائما في ما يفترض أنه لا علاقة لها به.

وهناك علاقة طردية بين الديموقراطية ومدى تدخل السلطة في كرة القدم بأشكال مختلفة. لهذا تكون النوادي الرياضية في الدول المحترمة شركات خاصة أو مؤسسات وقفية تدر أرباحا، وتجتذب الجمهور، وتنشر الروح الرياضية.

أما في الدول غير الديموقراطية فهي بوابة خلفة لولوج السلطة إلى الجماهير وللتحكم في المزاج الرياضي. 

كرة القدم مثل الإعلام والسينما وغيرها من المجالات التي هي صميم عمل مؤسسات المجتمع المستقلة وتأبى السلطات غير الديموقراطية أن تتركها للناس رغم عدم وجود صلة مباشرة لها بالسياسية بالمعنى المباشر وغير المباشر للممارسة السياسية.

وربما يفسر هذا الأمر التراجع الكبير في الأداء الرياضي العربي بشكل عام رغم حجم الاستثمارات المهول الذي يتم ضخه فيه. 

ولا تكتفي السلطة بحياد لاعبي كرة القدم بل تطالبهم بما هو أكثر وإعلان الولاء والتأييد، وإلا كانوا من المغضوب عليهم. وهي معادلة وفتنة يتعرض لها كثير من المشاهير وقدرة الناس لا تتساوى في التصدي لها.

إذ يظن كثير من الأشخاص ذوي الجماهيرية أن بُعدهم عن العمل السياسي المباشر يمثل حماية لهم من تقلبات السلطات، أخذا بالحكمة القائلة: "خير الناس من لا يعرف السلطان ولا يعرفه السلطان"، لكن للأسف هذا لا ينطبق على المناخ الاستبدادي الساعي لتأميم كافة مظاهر الحياة للحزب الواحد والرأي الواحد ويتوجس ريبة من أي صوت مخالف.
 
وتظل هذه المعادلات تطل برأسها بين الفينة والأخرى في ظل عدم وجود خطوط فاصلة بين السلطة السياسية التنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني. وكان آخر هذه الأزمات إصرار السلطة في مصر على وضع اللاعب الشهير محمد أبو تريكة في قوائم المتحفظ على أموالهم أولا، ثم اعتباره كيانا إرهابيا مؤخرا.

رغم أن اللاعب لم يمارس أي نوع من المشاركة السياسية بأي شكل من الأشكال خلال السنوات الماضية.

وهذا الأمر يقودنا لمسألة أخرى أعمق من علاقة السلطة بكرة القدم إلى مدى التشابه بين جوهر الممارسة السياسية الحديثة ولعبة كرة القدم. إذ تعد الممارسة السياسية في الدول المحترمة من قبيل اللعبة التي لها قواعد وشروط يحترمها جميع الأطراف، ويصافح المهزوم المنتصر في نهاية المباراة.

وهي تطور لما كان يحدث في عصور سابقة، حين كانت السياسة عبارة عن لعبة مصارعة أو ملاكمة يقضي كل طرف على غريمه بالضربة القاضية، بعد أن يوسعه ضربا.

وقد تطور الأمر ليتم الفصل بين السلطات ويحدث رقابة متبادلة بين السلطات التشريعة والتنفيذية والقضائية لتحقيق التوازن المطلوب للحفاظ على سلمية الحياة وانتقال هادئ للسلطة من حزب لآخر.

وكما تعتمد لياقة اللاعبين على أعمارهم في كرة القدم، فإن العرف قد استقر في معظم الدول الديموقراطية على أن تكون أعمار المسؤولين التنفيذيين في نفس الأعمار تقريبا، وتنتقل الأجيال الأكبر سنا للمناصب الاستشارية كما ينتقل اللاعبون السابقون للتعليق الرياضي والتدريب.

وتكمن المشكلة في الدول العربية الحديثة أنها لا تريد أن تعترف بهذه المعادلة في الممارسة السياسية، بل وتصر على أن تخضع لعبة كرة القدم وقواعدها العالمية لمعادلات الاستبداد المحلية. وحين زادت الأمور عن حدها شكلت الجماهير جماعات ضغط تسمى الألتراس مثلا وبدأت في المطالبة باستقلال الأندية الرياضية عن التدخلات الأمنية والسياسية السافرة التي وصلت إلى إراقة الدماء في عديد من الأحداث التي شهدتها مصر خلال السنوات الماضية مثلا.

والحديث عن الألتراس يطول لكنها باختصار ظاهرة صحية انبثقت من رحم أزمة الكرة مع السلطة لتعلن أن المجتمع ما زال متيقظا وأن ما يحدث من تدخلات وتوظيف مشين لكرة القدم في المعادلة الاستبدادية غير مقبول.