كتاب عربي 21

البطاقات التموينية لم تعد سندا لفقراء مصر

1300x600
لجأت مصر لتوزيع عدد من السلع الأساسية من خلال البطاقات منذ فترة الحرب العالمية الثانية، واستمر استخدام تلك البطاقات في إيصال السلع الغذائية المدعمة للشرائح الفقيرة حتى الآن، ومع استجابة نظام الانقلاب في مصر لبعض مطالب صندوق النقد الدولي بمنتصف عام 2014 وقيامه بخفض الدعم على المحروقات والكهرباء.

 تم أيضا تحويل نظام الدعم العيني من خلال صرف أربع سلع غذائية مدعمة، هي الزيت والسكر والأرز والشاي، إلى نظام نقدي سلعي، بتخصيص 15 جنيها للفرد المقيد بالبطاقات يقوم بشراء سلع بها، من بين قائمة شملت عشرات السلع بأسعار تماثل أسعارها بالأسواق.

وقصد النظام بذلك التمهيد للتحول للدعم النقدي بدلا من الدعم السلعي، لتقليل العبء على الموازنة، كما أعطى تنويع السلع الممكن شراؤها بقيمة الدعم الفرصة لتخفيف الضغط على عجز الموازنة نتيجة استيراد كميات ضخمة من السكر والزيت، من خلال استبدالها بسلع محلية الصنع مثل العصائر والجبن ومساحيق الغسيل، كما أن شراء وزارة التموين المسؤولة عن نظام الدعم  لتلك السلع بالجملة، يتيح لها هامش ربح يخفف من أعباء الدعم.

وظل النظام الجديد مطبقا حتى زادت حدة مشكلة نقص الدولار، وزيادة تكلفة استيراد السلع الرئيسية الزيت والسكر مع دخول الأرز على قائمة السلع المستوردة، فبدأت الكميات المطروحة منها بمنافذ البيع تقل ويتأخر وصولها بمنافذ صرف الدعم.

وواكب ذلك زيادة سعر الصرف بالسوق السوداء، مما زاد من أسعار السلع الغذائية التي يقوم القطاع الخاص باستيرادها، كما استمرت مشكلة تدبير الجهات الرسمية الدولار لاستيراد سلع البطاقات التموينية. 

ولتخفيف حدة معاناة الأسر المصرية قام الجنرال المصري بزيادة دعم الفرد بالبطاقات  إلى 18 جنيها بداية من شهر يونيو الماضي، إلا أن قرار تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي قد قلب أوضاع أسعار السلع الغذائية وغير الغذائية والتي زادت بصورة كبيرة، مما اضطر مجلس الوزراء المصري لزيادة دعم الفرد مرة أخرى إلى 21 جنيها بداية من ديسمبر الماضي. 

لكن زيادة تكلفة استيراد السلع التموينية الأساسية الزيت والسكر والأرز والشاي، دفعت الوزارة لزيادة أسعار تلك السلع وغيرها بالبطاقات التموينية، ليضيع أثر الزيادة التي تمت خلال شهري يونيو وديسمبر، وجاء تعويم الجنيه ليزيد من أعباء استيراد تلك السلع على الموازنة المصرية المصابة أصلا بالعجز المزمن، في ضوء استيراد مصر نحو 95 % من استهلاكها من زيوت الطعام، وثلث استهلاكها من السكر، ورفض المزارعين توريد الأرز للمضارب الحكومية لانخفاض أسعار توريده عن الأسعار بالقطاع الخاص.

تقليل أعداد مستحقي الدعم 

وهنا لجأت وزارة التموين إلى تقليل أعداد الأفراد المقيدين بالبطاقات والبالغ 69 مليون فرد، بحجة استبعاد الأسماء المكررة والمتوفين والمسافرين للخارج كمرحلة أولى،  وصدرت تصريحات عن الاتجاه لاستبعاد 25 مليون شخص، وكانت شروط استخراج بطاقات جديدة تضع حدا أقصى لدخل الموظف يبلغ ألف وخمسمئة جنيه، وقيمة المعاش لأصحاب المعاشات 1200 جنيها، ودخل الحرفي الشهري 800 جنيه، وهي مبالغ ضئيلة بالقياس إلى أسعار السلع المرتفعة بالأسواق.

وعندما وجدت الحكومة اعتراضا على تلك الشروط، شكلت لجنة حكومية من عدة وزارات لوضع شروط جديدة لاستحقاق البطاقات بزيادة الحد الأدنى للدخل للمستحقين، لكن كثيرا مما تم الإعلان عنه لم يجد قبولا شعبيا. 

ولأن سلع البطاقات التموينية لا تكاد تمثل سوى نسبة 7 % من استهلاك الأسر المصرية الغذائي حسب جهات حكومية،  فقد زادت معاناة الأسر المصرية التي اكتوت بنيران الأسعار المرتفعة للغذاء بالأسواق، والأخطر من ذلك هو تأخر وصول السلع الأساسية مثل الزيت والسكر والأرز لمنافذ توزيع الدعم، حتى أن الأرز تم استبداله في يناير الحالي بالمكرونة ،كما أعلنت وزارة التموين عن توزيع عدس وفول على البطاقات بأسعار أقل من السوق، لكنها لم تصل أيضا. 

ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية أصبحت قيمة دعم الفرد البالغة 21 جنيه شهريا - والتي يتم اقتطاع جنيه منها للبقال التمويني – لا تكاد تشتري سلعا تفي باحتياجات الأسر الغذائية، حتى أن سعر كيلو العدس بالبطاقات بلغ 20 جنيها أي ما يماثل كامل قيمة دعم الفرد. 

ومن ناحية أخرى، تتجه وزارة التموين -حسب تصريحات وزارية- لإجراء زيادات أخرى لأسعار سلع البطاقات التموينية، أبرزها الأرز والسكر والزيت، بسبب صعوبة تدبير نفقات استيرادها من ناحية، وضغوط صندوق النقد الدولي لتقليل نفقات الدعم الغذائي، رغم أن تكلفة دعم البطاقات التموينية لعموم المصريين يبلغ 4ر17 مليار جنيه بالسنة، وهو ما يمثل نسبة 4ر1% من إجمالي الإنفاق بالموازنة والبالغ 1256 مليار جنيه لموازنة العام المالي الحالي 2016/ 2017.